كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية زاد الحديث أكثر عن الأموال التي تنفق علي الدعاية الانتخابية.. ولم يقتصر الحديث هنا علي تجاوز الإنفاق علي هذه الدعاية السقف الذي حددته اللجنة العليا للانتخابات وهو 200 ألف جنيه للمرشح الواحد ومائة ألف جنيه أخري إضافية في حالة خوضه جولة الإعادة.. إنما شمل الحديث أيضا كلاما حول وجود تبرعات يحظي بها عدد من المرشحين، بعضها منظور وأغلبها غير منظور.. وهذه التبرعات لا يحسبها هؤلاء المرشحون في إطار- أو تحت- السقف الذي حددته اللجنة العليا للانتخابات، ما يفتح الباب واسعًا لخرق صريح لتعليمات هذه اللجنة بخصوص الدعاية الانتخابية. ويساعد علي ذلك أنه لا يوجد حظر قانوني يمنع المرشح في الانتخابات البرلمانية من الحصول علي تبرعات للإنفاق علي دعايته الانتخابية إلا في حالة واحدة فقط، إذا كانت هذه التبرعات من الخارج.. أما التبرعات التي يحصل عليها المرشح من الداخل فهي بحكم الواقع مسموح بها وبحكم القانون لا غبار عليها، وبحكم قواعد اللجنة العليا للانتخابات لا اعتراض عليها.. ولذلك نجد عددًا من المرشحين يتباهون بهذه التبرعات، وإن كانوا لا يسمونها بالطبع تبرعات، إنما يعتبرونها أو يسمونها مجاملات من الأحباء والمؤيدين والمناصرين.. وهناك مرشحون يعلنون أنهم لا ينفقون شيئًا من جيبهم الخاص علي الدعاية الانتخابية، إنما يتطوع محبوهم ومؤيدوهم ومناصروهم بذلك. وهنا لا يمكن للجنة العليا الانتخابات أن تفعل شيئًا إزاء تنفيذ تعليماتها الخاصة بالاتفاق علي الدعاية الانتخابية للمرشحين.. لأن هناك وسيلة جاهزة سوف يستخدمها كل من يتجاوز السقف الذي حددته اللجنة للإنفاق علي هذه الدعاية، وهو أن من تحمل عبء وتكلفة هذه الدعاية ليس هو إنما الذين يؤيدون ترشيحه ويتمنون أن يروه صاحب مقعد تحت القبة. لكن الأمر أكبر من الالتزام أو عدم الالتزام بتعليمات اللجنة العليا للانتخابات التي تخوض تجربتها لأول مرة في انتخابات 2010، وذلك رغم أهميته فإن الاعتراف، ولو الضمني بالتبرعات المقدمة للمرشحين التي يمكن أن تكون نقدًا أو عينيا يعني الاعتراف ضمنًا أيضًا بدور قد تلعبه جماعات الضغط المختلفة في انتخاباتنا البرلمانية، لتزكية مرشح وإقصاء مرشح آخر.. وهذا لن يكون لله بالطبع، وإنما سيكون الدافع هو تسهيل وصول مرشحين إلي البرلمان يؤيدون مصالح الجماعات والفئات والطبقات التي تمثلها هذه الجماعات، ومنع دخول مرشحين آخرين إلي البرلمان يعارضون هذه المصالح. وقد يقول قائل: ولم لا يحدث ذلك؟ ألا يحدث في الولاياتالمتحدة التي تتباهي بديمقراطيتها، وتجربتها الانتخابية وتريد فرضها علي العالم كله؟ ولكن في المقابل قد يري آخر أن ذلك إذا ما شاع في انتخاباتنا سوف يغلق أبواب البرلمان أمام من يسعون لتمثيل الفئات والطبقات الأقل قدرة في المجتمع. علي كل حال إن واجبنا أن نرصد ما يحدث في الانتخابات البرلمانية من تطورات وأحداث، حتي نكون علي بينة من تركيب مجلسنا التشريعي، وحتي نستفيد بذلك في تصحيح مسار تجربتنا الانتخابية.