استغرق الأمر وقتا طويلا لكي أدرك أن الطرق في الوسط الفني وربما في أوساط أخري ليست مستقيمة. هي متعرجة وملتوية وليست لها خرائط معروفة وأنه من الممكن أن يمشي فيها الإنسان حسن النية فيتوه إلي الأبد. هذه هي محصلة تفكيري عندما قرأت عن المسابقة التي أعلن عنها المسرح الكوميدي بين المؤلفين الشبان. أخذت الجريدة في يدي وذهبت إلي إدارة المسرح الكوميدي ومعي ثلاث نسخ من آخر مسرحية كتبتها وهي ولا العفاريت الزرق، طلبت من سكرتير المسرح أن يثبت لي في وصل الاستلام أنه استلم مسرحية كذا للاشتراك في مسابقة كذا التي أعلن عنها مسرح كذا والمنشور الإعلان عنها في جريدة كذا بتاريخ كذا، وكان سكرتير المسرح شابا ظريفا أو لعله كان يشفق علي لعدم يأسي وكثرة محاولاتي، لذلك كتب لي الإيصال بنفس المواصفات التي طلبتها. وبعد أسابيع بدأت مرحلة جديدة هي السؤال عن نتيجة المسابقة.. نعم..؟ أفندم..؟ مسابقة إيه؟.. مسابقة المسرح الكوميدي.. مين..فين؟ كانت فين المسابقة دي؟ أهي يافندم.. الإعلان أهو.. وآدي الوصل اللي قدمت بيه المسرحية.. أول مرة نعرف إن المسرح عمل مسابقة.. هو مين اللي عملها بالضبط؟ لجنة القراءة التي سبق لي أن عرفت أفرادها قالت لي نحن مسئولون فقط عن الرفض والموافقة علي الأعمال المسرحية، حكاية المسابقات هذه أو تقديمها من عدمه، لا شأن لنا بها. وهنا كان يجب التقدم مباشرة بشكوي لحماد بك أكبر مسئول في الإذاعة والتليفزيون، وكان مسئولا أيضا عن مسرح التليفزيون، عندما أقول إنه كان مسئولا كبيرا، فأرجوك.. إضرب كلمة كبير هذه في ألف، كان رجلا مسئولا بكل ما تحمله الكلمة من معني، وجملة " حماد بك قال كذا" عندما يقولها أي من العاملين في الإذاعة والتليفزيون، كانت تعني أنه أمر واجب التنفيذ. استدعاني الرجل، رحب بي وقال: لقد قرأت مسرحيتك، وأعجبت بها غير أني أختلف معك في حكاية العفريت هذه.. أريدك أن تعيد كتابتها من غير العفريت. فقلت له: عندي يافندم مسرحيات أخري موافق عليها من لجنة النصوص، ما فيهاش عفاريت.. أما هذه المسرحية، ففكرتها قائمة أساسا علي أن هناك عفريتا يشعر بالاستياء لأن البشر يشيعون عنهم أكاذيب كثيرة، ولذلك قرر النزول إلي الأرض حيث البشر لعمل علاقة تعاون بين البشر والعفاريت، كل حواديت البشر فيها كمية كبيرة من العفاريت، وأيضا ألف ليلة وليلة.. لو شلت منها العفريت، ما يبقاش فيه مسرحية. فرد علي بهدوء: لقد اختلفنا ولابد من شخص ثالث يحكم بيننا.. إذا وافق علي وجهة نظرك لا بأس.. إذا وافق علي وجهة نظري فلابد أن تحترم ذلك. فقلت: حسناً يا سيدي.. غير أني أطلب منك أن تطلب منه فقط الحكم علي صلاحية المسرحية، لأنني أخشي أنه عندما يعرف وجهة نظرك فمن الوارد جدا أن يتحيز لك. فرد: حاضر.. وبدافع من عمق الشك بداخلي قلت له شيئا لا أجرؤ علي قوله لأي مسئول الآن: أعطني كلمة جنتلمان يا سيدي. فابتسم الرجل ويبدو أنه أدرك أنني ما زلت أعيش في عصر لا وجود له وأجاب: أعطيك كلمة جنتلمان. وهذا ما حدث فعلا، اختار جلال الشرقاوي المخرج الذي عاد من بعثته في فرنسا منذ عام تقريبا، والتقينا في مكتب حماد بك، واتضح أن الرجل حافظ علي كلمته كجنتلمان فعلا، وقال جلال إنه موافق علي المسرحية وعلي استعداد لإخراجها. وأزال جلال أزال قلقه عندما أعطي الدور للراقصة المشهورة نجوي فؤاد.. هل يخشي أحد عفريتا يرقص وله جسم نجوي فؤاد.