أتأبط مسرحيتي "عابدين كومبلكس" كمن يتأبط شرا وأمشي بها في شارع طويل يلفه الضباب ولا أعرف للمسرحية ولا لنفسي مصيرا، ذهبت إلي رجاء النقاش رحمه الله في مكتبه في أخبار اليوم، نسيت أن أقول لك إن الناس منذ حوالي خمسين عاما تقريبا كانت تهتم بالبحث عن الموهوبين في كل مكان، المجتمع نفسه كان منشغلا بالبحث عن كل ما هو جيد لمساندته وتشجيعه، قرأ رجاء جزءا من المسرحية وعندما قابلته بعدها قال لي الدرس الأول: أنا لم أقرأ المسرحية كلها، لا يجب أن أتناول وجبة الطعام كلها لأعرف أنها رديئة.. لقد قرأت الفصل الأول.. اسمع، أنت تحاول تقليد ما هو سائد في السوق، تحاول تقليد كل ما هو سخيف في الكوميديا.. إذا كنت ستستمر علي هذا المنوال فأنا أنصحك بألا تأتيني مرة أخري.. اذهب وأعد النظر في هذا النص، هناك بالفعل مناطق جيدة فيه.. لديك بالفعل أحيانا جملة حوار مسرحية جيدة.. عندما تجد أنك كتبت شيئا جيدا تعالي لي. في تلك الفترة تحمس لي اثنان من الممثلين هما أبو بكر عزت رحمه الله وجمال اسماعيل أطال الله عمره، ولعل ذلك كان السبب في أن عددا من مخرجي المسرح جاملوني وسمحوا لي بأن أقرأ مسرحيتي عليهم، وبدأالنقاش وبدأت الاقتراحات وبدأت التعديلات، لقد بدأ الضباب ينقشع من الشارع، لدي الآن مسرحية أعيد صياغتها عدة مرات واكتسبت اسما جديدا هو " حدث في عزبة الورد" قدمتها بثقة إلي لجنة القراءة بالمسرح الكوميدي في التليفزيون وانشغلت بكتابة مسرحية أخري حاولت فيها الابتعاد بكل الطرق عما هو سائد، أطلقت العنان لخيالي الطفولي فكانت مسرحية " الناس اللي في السما التامنة" التي قدمتها أيضا للجنة القراءة في مسرح التليفزيون. كنت قد انتقلت من وزارة الصحة إلي مسرح القاهرة للعرايس فأصبحت بذلك قريبا من المهنة وأهلها، وفوجئت بلجنة القراءة تستدعيني، كان أعضاء اللجنة هم رحمنا الله جميعا الدكتور محمد مندور، الدكتور يوسف إدريس، الأستاذ أنيس منصور، الأستاذ محسن محمد، الأستاذ سعد الدين توفيق الذي كان يعمل في ذلك الوقت رئيسا لتحرير الكواكب بدار الهلال. رحبوا بي وقالوا لي إنهم وافقوا علي النصين المقدمين، غير أن الدكتور مندور قال لي: لقد وافقت علي نص "الناس اللي في السما التامنة" غير أنني لا أوافق علي " حدث في عزبة الورد" بالرغم من إشادتي بك أنت كمؤلف.. اتفضل اقرأ تقريري. كان هذا هو ما كتبه بالفعل، الحمد لله.. انقشع الضباب أنا أمشي الآن بثقة في شارع المسرح، في طريقي لكي أتجسد علي خشبته ولكن ذلك لم يحدث، أن توافق اللجنة علي أعمالك شيء وأن تقدم علي المسرح شيء آخر. الأمر هنا أشبه بأن يصدر لك حكم نهائي وبات بملكيتك لبرج القاهرة، تري من هي الجهة التي ستقوم بتنفيذ هذا الحكم؟ هكذا نخرج من شارع الضباب لندخل في ملاعيب شيحة، لكل ميدان في مصر ألاعيبه وملاعيبه.. وانت وحظك وبركة دعاء الوالدين. ولكنني لم أتوقف، كتبت مسرحية ثالثة هي " ولا العفاريت الزرق" وهي مستوحاة من حكاية سندريللا القديمة، عن عفريت يطلب من مجلس إدارة العفاريت أن تسمح له بالنزول إلي الأرض لعمل معجزة فنية يساعد بها فنانا مظلوما (تري، هل كنت أنا ذلك الفنان؟) ويفشل العفريت لأن الفن هو المعجزة، الفنان هو نفسه المعجزة ومن المستحيل أن تأتيه المعجزة من خارجه.. استراحة.