كتب فهمي هويدي في مقاله (لا عيش مشتركاً بغير حلم مشترك).. بجريدة الشروق يوم الثلاثاء الماضي يقول إن لديه ستة أسباب يزعم أنها تكمن وراء حالة الانفراط والتفكك التي تسود المجتمع المصري، وهي: غياب الديمقراطية، وغياب الرؤية الاستراتيجية، وتشويه الدين وتخويف الناس منه، والدور التاريخي للعلمانيين في إضعاف الدين، والضائقة الاقتصادية، والاختراقات الخارجية. وهي كلها أسباب لها وجاهتها وحيثياتها للوهلة الأولي؛ غير أن قراءتها جيداً تكشف عن موقف فهمي هويدي الحقيقي. إن تفسير هويدي عن غياب الديمقراطية.. باعتبارها الضربة القاصمة لفكرة العيش المشترك، وهو نوع من المراوغة لعدم التعرض لما قامت به الجماعات المتطرفة من إحداث شرخ وطني بين أبناء الوطن الواحد، فضلاً عن تلك الفجوة التي صنعتها بينها وبين غيرها ممن يختلفون معها في الأفكار، ولم تشفع وحدة الدين لهم بشيء. أما الترويج لغياب الرؤية الاستراتيجية فهو نوع من التضليل المنظم للتشكيك في كل ما يحدث من إنجازات، ولعل من أبسطها موقف مصر الداعم للقضية الفلسطينية، والتي لولاها لضاع الشعب الفلسطيني إلي الأبد. لا أستطيع أن أبرر ما يروج له فهمي هويدي وآخرون من أن هناك حالة من تشويه الدين وتخويف الناس منه، وتصويره باعتباره عنصر إقصاء وخصما وسبباً في التخلف.. فهو منطق لا يمكن تصديقه؛ بل هو أمر مشكوك فيه لأن الدولة المصرية متمسكة بمن يتبع صحيح الدين، وأعتقد أن الأزهر الشريف ودار الإفتاء والمجلس الأعلي للشئون الإسلامية ومجمع البحوث الإسلامية.. هم نموذج واضح لذلك الاتجاه. كما أن تأكيد هويدي علي أنه إذا كان المتعصبون والإرهابيون قد أسهموا في ذلك التشويه إلا أن الخطاب السياسي والإعلامي انصرف إلي قمع التعصب والإرهاب. ولم يلق بالاً إلي تشجيع الاعتدال والمراهنة عليه. هو حكم جانبه الصواب فيه.. لأنه يعلم جيداً أن الدولة المصرية قد انتهجت أسلوب الترويج للاعتدال لدرجة أنها كانت صاحبة السبق في فتح حوار جاد مع التيارات المتشددة والمتطرفة للمراجعات الفكرية. اجتهد فهمي هويدي في تشويه صورة العلمانيين واتهامهم بالعمل علي إضعاف الدين وتهميشه.. وهو الحق الذي يراد به باطل، فالعلمانية ليست ضد أي دين، ولكنها مع فصل الدين عن الدولة بما لا يسمح بتوظيف أحدهما لصالح الطرف الثاني. وهو توجه مستمر لتشويه مفهوم العلمانية.. وتصديره علي اعتبارها كفراً وإلحاداً. إن ربط التشدد والتطرف بالجانب الاقتصادي هو حكم يحتاج إلي المراجعة.. لأن هناك تجارب متعددة لدول أخري.. لم يترتب عليها تصاعد التيارات الدينية المتشددة بسبب الأزمات الاقتصادية. وهو ما يتسق مع الترويج للاختراقات الخارجية في محاولة لتصوير انعدام السيادة المصرية وقوتها كدولة لها وزنها في المنطقة العربية. لا أعتقد في أن السبب هو غياب الحلم المشترك كما قال هويدي.. لأن الحديث عن الحلم المشترك هو حديث قديم له سياق وظرف تاريخي محدد حسب مفردات هويدي نفسه.. أما الآن في عصر هذا التقدم المتصاعد جداً في تكنولوجيا الاتصالات.. فقد أصبح لكل واحد حلمه وعالمه. ولكن يتبقي المشترك بينهم جميعاً هو معني فهمنا لهذا الوطن.