ختمنا مقالنا بالأمس بسؤال.. هل تتخذ العلاقة بين الغالب والمغلوب شكلاً جديداً، أم أن القانون لا يزال علي حاله في مصر؟ بمعني آخر، هل خضعت مصر للقانون الذي أشار إليه عبد الرحمن بن خلدون من أن المغلوب حضارياً وثقافياً يتبع الغالب حضارياً وثقافياً، ويميل إلي تقليده ؟ أم أن "الاستثنائية" و"الخصوصية" المصرية لا يزال لهما نصيب ودور في هذا الموضوع؟ ولعل الإجابة السريعة التي يمكن ملاحظتها من خلال النظر في كل ما يحيط بنا من أحداث، ومن خلال كل ما نشاهده من أنماط ثقافية أبسط ما يمكن أن يقال عنها إنها غريبة عنا، ونحن غرباء عنها، أقول إن الإجابة السريعة هي نعم.. لقد خضعت مصر في العقود الأخيرة لقانون الغالب والمغلوب! في الفن، أصبح هناك افتنان بكل ما هو غير مصري.. لدينا ميول للإعجاب إلي حد الانبهار بكل ما هو غير مصري، وبكل ما يمكن استيراده من الخارج.. حتي ولو كان النموذج المصري هو الأعلي قيمة، والأكثر جودة.. ولكن هناك رغبة في التشبه بالآخرين.. ثقافياً، أصبحنا نميل إلي تقليد الآخرين.. علي سبيل المثال، كان المصري إذا سافر إلي الدول العربية تعلم منه الأخوة العرب اللهجة المصرية التي يستخدمها ولا يحاول التحدث بغيرها.. الآن، يتحدث كثير من المصريين باللهجة الخليجية بمجرد مغادرتهم المطار، وأصبحت كثير من المصطلحات الخليجية علي لسان كثير من المصريين العائدين إلي مصر! ومن ناحية الزي، كان المصريون لهم ذوق خاص، وطريقة خاصة في اللبس.. انظر في الشارع الآن.. ستجد أننا تم اختراقنا في مجال الزي.. شوارع القاهرة مليئة بالعباءات السوداء وبالجلاليب البيضاء الضيقة الخصر، التي لم نرها في مصر إلا في هذه السنوات الأخيرة.. وببنطلونات الجينز الساقطة الوسط، وبالبوديهات الضيقة أعلي السرة.. من يسافر من المصريين إلي أي دولة الآن يتزيا بزيها، ويتحدث بحديث أهلها! ومن لم يسافر فالتليفزيون خير معين له! وأغلب الظن عندي، رغم ذلك، أننا لم نهزم بعد.. فما ذكرته هو قشور خارجية يمكن معالجتها، والقضاء عليها بسهولة، ولكن مشكلتنا أننا أصبحنا مهيئين للهزيمة.. أو بمعني آخر أصبح لدينا، بتعبير المفكر العربي الشهير مالك بن نبي، "القابلية للاستعمار"، والقابلية لأن نكون مغلوبين.. وهو متغير مهم يسبق الهزيمة.. ويمكن لو تم التركيز عليه أن نمنع هزيمتنا ثقافياً وفكرياً.. صغائر الأمور لا تجعل الأمم الكبري، ونحن منهم، نرفع الرايات البيضاء، والإصابة بالإنفلونزا لا تعني إصابة الجهاز المناعي للجسم في مقتل.. نحتاج إلي روشتة إعلامية ثقافية تعليمية تعيد للمصري ثقته في نفسه، واعتزازه بتراثه، وفخره بما لديه من مقومات وإمكانات.. نحتاج إلي "تركيبة" يضعها طبيب متخصص، أكثر من حاجتنا إلي "وصفة" أو "تحويجة" يحدد مكوناتها العطارون والدجالون، وكثير ما هم!