تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    نقابة العلاج الطبيعي: بيان "اتخاذ إجراءات ضد حاملي الدكتوراه من التربية الرياضية" مزور    "4 أيام ظلام وبدون مياه".. استمرار استغاثات أهالي الجيزة بشأن انقطاع الكهرباء    مالطا تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر    بعد زلزال روسيا.. تفعيل الإنذار في ولايات كاليفورنيا وأوريجون وواشنطن تحسبًا من تسونامي    ترامب: مراكز الطعام ستبدأ عملها في غزة قريبا    عمرو الجنايني يكشف حقيقة تواصله مع أحمد عبد القادر للانتقال إلى الزمالك    أحمد شوبير يكشف سبب غياب لاعب الأهلي عن ودية إنبي أمس    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الأربعاء 30-7-2025    "من المطار إلى الكفالة".. القصة الكاملة لأزمة القبض على رمضان صبحي لاعب بيراميدز    حرائق بلا سبب.. سكان برخيل يواجهون النار بالتكنولوجيا في سوهاج (فيديو وصور)    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    عمر فاروق: وعي الشعب المصري خط الدفاع الأول ضد مؤامرات «الإرهابية»    جدول مباريات الزمالك في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    الحكومة تواصل إنقاذ نهر النيل: إزالة 87 ألف حالة تعدٍ منذ 2015 وحتى الآن    ترامب يفرض 25% رسومًا جمركية على الهند بعد تعثر المفاوضات التجارية    ترامب ل بوتين: إما وقف النار خلال 10 أيام أو عقوبات    القانون يحدد شروط لوضع الإعلانات.. تعرف عليها    ظلام تام في عز النهار.. تفاصيل أطول كسوف كلي للشمس تشهده 10 دول عربية    وفاة طالب أثناء أداء امتحانات الدور الثاني بكلية التجارة بجامعة الفيوم    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الإعلامى حسام الغمرى: جماعة الإخوان تحاول تشويه موقف مصر الشريف تجاه فلسطين.. فيديو    محمد محسن يحتفل بعيد ميلاد زوجته هبة مجدي برسالة رومانسية (صور)    لهذا السبب... لطفي لبيب يتصدر تريند جوجل    المجلس القومي لحقوق الإنسان يهنئ أعضاءه الفائزين بجائزة الدولة التقديرية لعام 2025    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    «التموين»: لا صحة لعدم صرف الخبز المدعم لأصحاب معاش تكافل وكرامة    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    بكابلات جديدة.. قرب الانتهاء من تغذية محطة جزيرة الذهب أسفل كوبري العمرانية    القنوات الناقلة مباشر لمباراة ليفربول ضد يوكوهاما والموعد والمعلق.. موقف محمد صلاح    من المهم توخي الحذر في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 30 يوليو    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    مسيرات إسرائيلية تستهدف قوات رديفة لوزارة الدفاع السورية فى ريف السويداء الغربى    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    مطران دشنا يترأس صلوات رفع بخور عشية بكنيسة الشهيد العظيم أبو سيفين (صور)    وزير الخارجية يتوجه إلى واشنطن في زيارة ثنائية    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    استعدادًا للموسم الجديد.. نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    وكيله ل في الجول: أحمد ربيع لم يفقد الأمل بانتقاله للزمالك.. وجون إدوارد أصر عليه منذ يومه الأول    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    مفاجأة ممدوح عباس.. الزمالك يتحرك لضم ديانج.. تقرير يكشف    محمد السادس: المغرب مستعد لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    السيطرة على حريق هائل بشقة سكنية في المحلة الكبرى    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    خبير بيئي: حرائق قرية برخيل ناتجة عن اشتعال ذاتي بسبب تخمر بقايا المحاصيل والقمامة    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. موعد الانطلاق والمؤشرات الأولية المتوقعة للقبول    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    بدأت بصداع وتحولت إلى شلل كامل.. سكتة دماغية تصيب رجلًا ب«متلازمة الحبس»    طريقة عمل سلطة الطحينة للمشاوي، وصفة سريعة ولذيذة في دقائق    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خمسة أيام في بيت قس أمريكي
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 08 - 11 - 2010

خمسة أيام في بيت قس أمريكي.. تجربة غنية عشتها مؤخرا مليئة بالعديد من المشاعر الانسانية التي لا تنسي وكثير من المعاني العميقة التي تدعو للتأمل رغم قصر المدة، فبالنسبة لي لم يكن "جون" الأمريكي المتغطرس العدائي بل كان أبا حنونا استقبلني بتحية الاسلام قائلا "السلام عليكم" ليستضيفني بكرم في بيته الكبير الواقع جنوب مدينة منيابوليس بولاية مينسوتا ويضمني لأسرته التي تشمل زوجته وثلاثة أبناء لبضعة أيام في تقليد متعارف عليه في الولايات المتحدة وهو الأسر المضيفة أو Host Family.
"جون".. قس أمريكي ينتمي للكنيسة الأسقفية Episcopal في العقد الخامس من العمر، يدرس لطلبته من سن 16-18 عاما بعض المواد الدراسية مثل ديانات العالم والدراسات الإنجيلية والأخلاقيات وعلم اللاهوت في مدرسة "بريك" المسيحية التي يرأس فيها قسم العلوم الدينية، لكنه رغم تدينه لم يكن متطرفا أو كارها ل"الآخر" بل وجدته صديقا مرحا مع أبنائه وزوجته وطلابه وخاصة عندما يركب دراجته كما انه لم يبد لي قسا لأنني غالبا أراه مرتديا الجينز وليس عباءة القس فضلا عن تحدثه الي في بعض الأحيان باللغة العربية (إلي جانب معرفته الفرنسية والاسبانية وبعض العبرية واليونانية واللاتينية والألمانية والهولندية والايطالية) مما جعلني أشعر أنني أقيم مع عائلة قريبة مني، فان كنا علي دينين مختلفين الا أن كلانا يدرك أهمية العقيدة والايمان في الحياة كما أن الترابط الأسري قاسم مشترك أيضا بين عائلتي وعائلته.
جون أظهر أيضا شغفا كبيرا بالاسلام الذي يدرسه لطلابه ضمن مادة "ديانات العالم" World Religions والذي دفعه لتعلم اللغة العربية لكي يفهم القرآن الكريم والأحاديث النبوية وأيضا لكي يطلب أطباقه المفضلة في المطاعم الشرق أوسطية لأنه عاشق للأكلات الشرقية ومنها ال"ورق عنب".
مفهوم الحلال
دراسة "جون" للاسلام جعلته يعرف مفهوم "الحلال" و"الحرام" ولهذا فإنني عندما انتقلت الي منزله وجدت في انتظاري بعض اللحوم الحلال التي لم تعن أنها خالية من لحوم الخنزير فقط بل أيضا من أي لحوم لم تذبح وفق الشريعة الاسلامية والتي اشتراها جون وزوجته "لينيل" خصيصا لي مع ورق العنب وحتي بعض السلطات الشرقية مثل الحمص من شركة "هولي لاند" الغذائية الاسلامية الشهيرة. للوهلة الأولي، انبهرت بمعرفة جون العميقة بما يعنيه مفهوم "الحلال" وذلك لأن كثيرا من المسلمين أنفسهم يعرفون "الحلال" علي أنه كل ما هو ليس بلحم خنزير وينسون "الميتة" وهي اللحوم التي تباع في الغرب لأن الدجاج مثلا يضرب أو يصعق بالكهرباء فيموت ودماؤه داخله.
لم يكن من السهل العثور علي "أكل حلال" جنوب منيابوليس لأن أغلب قاطني هذه المنطقة من الأمريكيين البيض المنتمين للطبقة فوق المتوسطة ويندر وجود مسلمين بينهم وبالطبع لن يبحث هؤلاء عن "الحلال"، مما جعلني أقول لجون انه بإمكاني أكل "الكوشر" أو الأكل الحلال لدي اليهود الذين يذبحون الحيوانات أيضا ولكن وفق الطقوس اليهودية بعكس المسيحيين أو بعكس الطريقة الشائعة في قتل الحيوانات بالصعق بالكهرباء أو الضرب التي تتم في أمريكا..
وبالطبع لم يخل الحديث من التندر حول التقارب العقائدي بين المسلمين واليهود في هذه المسألة واختلافهم مع المسيحيين رغم أن الواقع في الشرق الأوسط يقول ان المسلمين واليهود هم الأكثر عداء.
كانت بداية معرفتي بالأسرة الأمريكية في شهر رمضان حيث أبدوا تفهما لم أتوقعه أو أنتظره منهم، فكانوا يؤخرون عشاءهم الذي يتناولونه عادة عند السادسة أو السابعة مساء لوقت المغرب (في الثامنة والنصف) حتي أستطيع أن آكل معهم، وطوال فترة الانتظار كنت أشعر بلهفة الأبناء علي الطعام اذ كانوا دائمي الحركة يتناولون بعض الزيتون والخضروات وبعض المشروبات في انتظار العشاء، سألونني عدة مرات ان كنت لا أشعر بالارتياح لأنهم يأكلون أمامي فكنت أرد مبتسمة "بل ان ذلك يشعرني بالقوة"، وحين جاء موعد الافطار أكلنا سويا من اللحوم الحلال ودعا جون الله في صلاة قصيرة قبل الطعام أن يجازي المسلمين خيرا عن صيامهم وتضحياتهم.
سألت بعد ذلك عن مكان يمكنني أن أصلي فيه، فسألتني لينيل ان كنت أحتاج أولا للذهاب الي الحمام للاغتسال (الوضوء) وهو ما يظهر أن معرفة الاسلام لا تقتصر علي جون وحده في هذا المنزل، وحتي الأبناء أيضا علي صلة بشكل أو بآخر بالسياسة وبالمسلمين؛ "ويل" الابن الأكبر، 22 عاما، يدرس العلاقات الدولية في احدي الجامعات بولاية فيرمونت ويريد أن يصبح مدرسا للتاريخ، "جاكسون" الابن الأوسط الذي يدرس العربية ويقضي حاليا فصلا دراسيا كاملا في المغرب لإصقال لغته وهو يريد أن يصبح مدرس لغات و"كارتر" الابن الأصغر في المرحلة الثانوية ويريد أن يصبح ممثلا.
إسرائيل "تابو"
هذا التفهم بدأ أيضا عندما تحدثنا في أمور سياسية، فالعائلة بأكملها تناصر الفلسطينيين وتري أنه لا ذنب لهم فيما فعله النازيون في اليهود وبالتالي لا يجب أن يتعرضوا لهذه المعاناة مؤكدين أنهم كانوا سيتعاطفون مع اليهود لو كانوا هم مكان الفلسطينيين أي أن موقفهم ليس نابعا من كراهية لليهود خاصة أن الأبناء الثلاثة درسوا بمدرسة يهودية.
الاعلام الأمريكي في نظرهم منحاز بدرجة كبيرة لاسرائيل وحتي لليمين بشكل عام بما فيه جريدة "نيويورك تايمز" التي قاطعتها العائلة وألغت اشتراكها فيها بعد 20 عاما لترويجها لأكاذيب حرب العراق. وبالرغم من أن لينيل ناشطة سياسية تنتمي للحزب الديمقراطي وأنشأت منذ أكثر من عام حركة لاصلاح التعليم، فانها قالت لي بصراحة إنها لا تستطيع انتقاد اسرائيل علنا والا طالتها اتهامات بشعة.
صلاة مشتركة
بعد انقضاء رمضان، أخذ جون علي عاتقه في أحد الأيام مسئولية اعداد طعام العشاء. قدمت له بعض المساعدة البسيطة وناولته أشياء في المطبخ وأعددت مائدة الطعام، لكنه كان مصمما علي أن يعد الطعام بنفسه فهو يحب الوقوف في المطبخ ويهوي طهي الطعام وهو بذلك يساعد زوجته في أعمال المنزل. تأملت جون وهو يطهو بعض الأرز الأبيض ويلف ورق العنب باللحم مستمعا الي الراديو، ثم اجتمعت الأسرة علي المائدة وتلا جون صلاة قصيرة قبل الطعام اشتركنا فيها معه موجها دعائه الي الله (الرب) دون أن يقل "يسوع" أو "المسيح" داعيا بالخير طالبا العون من الله للفقراء والمحتاجين وشاكرا فضل الله الذي أنعم علينا بهذا الطعام.
تعجبت لأن الصلاة لم تتوجه الي السيد المسيح أو حتي تذكره، فسألت جون لاحقا ان كانت صلواته عادة لا تتوجه الي السيد المسيح، فقال ان معظم الصلوات التي تتل في مدرسته المسيحية تتوجه لله (الرب أو الاله) كما يعرفه المسيحيون (الثالوث المقدس)، وهي تتلي كذلك بحيث يشعر الطلاب غير المسيحيين في المدرسة من المسلمين واليهود وغيرهم أنهم يستطيعون مشاركة أصدقائهم المسيحيين صلواتهم، ومع ذلك فإنهم أحيانا ما يتوجهون بصلواتهم الي السيد المسيح نفسه أو الي الله (الرب) عبر السيد المسيح وهذا كله يقع ضمن الاختلافات بين الطوائف المسيحية المختلفة.
وأضاف جون: ربما لا يشعر الطلاب المسلمون أنهم يؤدون صلاة حقيقية لأنهم لا يركعون أو يسجدون كما أنهم لا يصلون وهم باتجاه القبلة، الا انهم يقدرون أننا من حين لآخر أننا نتلو صلاة اسلامية أو حتي نقرأ سورة "الفاتحة" وهي دعاء مشترك بين كل البشر لأن يهديهم الله الي الطريق الصحيح (الصراط المستقيم).
المرجعية الدينية
في أحد حواراتنا، تحدثت أنا وجون عن مفهوم المرجعية في الاسلام والمسيحية، بالنسبة لجون الذي ينتمي للكنيسة الأسقفية وهي إحدي كنائس البروتستانت، فإنهم لا يعتقدون في مرجعية "البابا" الذي لا يوجد نظير له في الاسلام أيضا فلا أجد له هذه السلطة المطلقة علي المؤمنين دون القدرة علي محاسبته. سألني جون: هل تلجئين لأحد في تفسير القرآن الكريم؟ أم أنك تحاولين فهمه بنفسك؟ فقلت إنني أجد القرآن الكريم واضحا في معظم آياته وإذا ما اختلط علي المعني فانني أرجع الي بعض التفاسير لكنني لا أحدد نفسي في تفسير هذا العالم أو ذاك فكلها اجتهادات علمية وأوضحت أن هناك بعض التفاسير تجمع اجتهادات العلماء لتعطيك رؤية جامعة لما قيل عن هذه الآية ثم يكون الأمر متروكا لك أي أنك تحكم عقلك وقلبك في اتباع التفسير الأقرب من وجهة نظرك، فرد مبتسما: هذا ما نفعله نحن أيضا، كل منا يقرأ الانجيل ويفسره بالشكل الذي يراه، لكنه اذا ما اختلف في تفسيره عن الشائع أو السائد، فإنه بإمكانه أن يؤسس كنيسة أخري وهكذا تجدين كنائس بروتستانتية كثيرة.
تعدد الزوجات
جون يعقد الكثير من الزيجات بحكم منصبه حتي بين المثليين لكنه يحرص علي التحدث مع الزوجين قبل اتمام الزيجة علي مدي عدة جلسات لكي يتأكد بنفسه من جديتهما وتفهم كل منهما لمسئولياته وحتي لا تظهر أي مشكلة لاحقا يطلبان علي أساسها الطلاق الذي تسمح به الكنيسة الأسقفية وان كانت لا تشجع عليه، حتي انه يعرف أمورا شخصية كثيرة تشمل ماديات وغيرها فلما سألته لماذا يقبلان الزوجان بإطلاعك علي هذه الأمور؟ قال: مثلما تطلعون أنتم أسركم، هنا لا تعرف العائلات هذه الأمور الدقيقة والشخصية للغاية لكن القس هو الذي يعرفها.
تطرقنا بعد ذلك لمسألة تعدد الزوجات التي قال جون إنها لا يمكن أن تتفق مع المجتمع الأمريكي لأن القانون يعاقب عليها، فقلت انني شخصيا أعتبر أن تعدد الزوجات مباح بشروط ضيقة للغاية وهي واضحة لمن يقرأ القرآن بتدبر وليس كما يحدث الآن في بلادنا الاسلامية.. فالقرآن الكريم يقول في سورة النساء: «وَآَتُوا الْيتَامَي أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَي أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيتَامَي فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَي وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَي أَلا تَعُولُوا (3)» وهو كما يظهر دون شك أن الزواج الثاني مرتبط بشرط الاقساط في اليتامي ولا يهدف للمتعة كما يحلو للبعض أن يدعي ظلما علي الاسلام.
تحمس جون كثيرا لهذا التفسير وقضي ليلته يبحث في هذا المعني ووجده لدي أحد العلماء المسلمين الذين يثق في تفسيرهم فأرسل لي موقعه الذي يحمل هذا التفسير وأبدي سعادته لرؤية تصور مغاير لما هو شائع عن عدم المساواة بين الرجال والنساء في الاسلام في هذا الخصوص.
الإخوان والأقباط
أبدي جون ولينيل فضولا كبيرا عن جماعة الاخوان المسلمين وأفكارها وما تريد أن تفعله اذا ما وصلت لحكم مصر واذا ما كانت متفتحة كما تقول قياداتها فما الذي ستفعله خلافا للانفتاح الذي تعيش عليه مصر الآن وهل يحظي الاخوان فعلا بشعبية كبيرة في الشارع وغيرها من الأسئلة مدركين أن الاخوان يقدمون أنفسهم كبديل عن الحكم الفاسد ولهذا قد يصوت الشعب لهم نكاية في الحكومة الفاسدة وليس اعجابا بأفكارهم، وأعرب جون عن خوفه من تلاشي مسيحيي الشرق الذين يهاجرون بأعداد كبيرة الي الخارج في العراق ولبنان طبقا للعديد من الدراسات، وقلت له ان ذلك في اعتقادي غير ممكن فالأمر ليس بهذا السوء، لكنه ظل قلقا وقال انه يخشي أن تصبح مصر كذلك أيضا في يوم من الأيام...
ومع الأسف، فإن الهجوم الذي استهدف مؤخرا احدي الكنائس في العراق والتهديد الذي أطلقه تنظيم القاعدة ضد أقباط مصر سيعززان مخاوف جون رغم أمله في أن يزور مصر صاحبة "الحضارة القديمة" و"الدولة المهمة" حسب تعبيره لكي يزور كنائس قبطية ودير سانت كاترين ويصلي فيها.
لكن يظل المهم أن جون لمعرفته بالاسلام يستطيع أن يفرق بين أفعال أناس يقولون إنهم ينتمون لدين ما ويرتكبون أفعالا مشينة باسمه وبين مبادئ الدين نفسه الذي لا يجب أن يوصم لأن هؤلاء ينتمون اليه، وهو ما خطر ببالي عندما رأيت كتابا علي مكتب جون بجوار كرسي القراءة الذي يجلس عليه في المساء، يتناول طبيعة التحالف بين المسلمين المتطرفين وبين اليمين الديني في أمريكا وكيف أن كلاهما يعمل لنفس الهدف لكنهما علي الجانبين المتعارضين..
حوار الأديان
من الجانب الآخر، ينشط جون في الحوار بين الأديان ويتحدث الي أئمة مسلمين ويزور مساجد أمريكية مثل مسجد النور الذي يرتاده النائب الديمقراطي المسلم كيث اليسون حتي إنه حصل علي جائزة من إحدي المنظمات الاسلامية "اسلاميك ريسورس جروب" في مينسوتا لدوره في حوار الأديان.
في شكل بسيط من أشكال التسامح الديني رغم دلالته الكبيرة، قرأ جون بعض آيات القرآن الكريم في احتفال أقامته كنيسته "سانت جون" في 11 سبتمبر الماضي لاحياء ذكري ضحايا هجمات سبتمبر وتحية لجنود مينسوتا الذين سقطوا في حربي العراق وأفغانستان. ونشرت أكبر الصحف المحلية في مينسوتا وأكثرها انتشارا وهي جريدة "ستار تريبيون" الخبر قائلة إن جون قرأ بعض آيات القرآن الكريم في دلالة الاحترام للمسلمين الذين يتعرضون لهجمات متزايدة في أمريكا، وبالطبع فإن التوقيت وطبيعة المناسبة والموقف لهما دلالات كبيرة أيضا.
وحتي داخل كنيسته التي زرتها وتعرفت فيها علي "ماريان" وهي القس التي تقود الكنيسة، أنهي جون منذ حوالي أسبوعين سلسلة دروس في التاريخ المسيحي استمرت أربعة أشهر كان يعطيها كل أحد مع زوجته علي شكل المناظرة والحوار لجعل العرض شيقا حول طبيعة الاختلافات بين الطوائف المسيحية المختلفة انتقدها بعض الكاثوليك من الحضور بدعوي أنها "غير جادة بالدرجة الكافية".
تأثير جون لم يقتصر علي طلابه المسيحيين والمسلمين فقط بل إن أحد الحاخامات طلب منه مؤخرا أن يساعد صبيا يهوديا ويقنعه ألا يترك دينه بعد أن انفصل أبويه.
ميلاد جديد
لكن أكثر المواقف تأثيرا في جون نفسه كان التغيير الذي استطاع أن يحدثه في حياة طالبة مسلمة درست معه مادة بعنوان "بوذا ويسوع ومحمد"، الفتاة الايرانية كانت مسلمة لكنها لم تكن تؤدي أيا من الفرائض، الا أنها عند عودتها لايران بعد انتهاء العام الدراسي اتجهت للدين وباتت تصلي الفروض علي أوقاتها وسط تعجب صديقاتها اللاتي كن يرين أن الدين هو طريقة للسيطرة علي العقول، أما الفتاة نفسها فقالت عن تجربتها في أمريكا انها تعلمت الكثير عن سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وعن القرآن الكريم من جون ووجدت أن حرية التعبير عن الدين التي لمستها في الولايات المتحدة والاختيار الحر ومعرفة هذا الدين وتعلمه بحثا عن الله الخالق هو أمر هادف.
والد الفتاة نفسها أبدي اندهاشه للتغير الذي طرأ علي ابنته بسبب مدرسها، فقال لجون انه يري انه من المضحك أن يكون قسًا أمريكيا هو السبب في أن تعود ابنته للاسلام مجددا، بينما يقول جون "أنا سعيد للغاية أنها وجدت الله وهو الهدف من الدين".
تحديات للمسلمين
سألت جون عن التحديات التي يراها تحيط بالمسلمين اليوم في أمريكا، فقال: بينما يجب علي المسلمين الحفاظ علي ايمانهم بالله من خلال القرآن والعادات التي تدعم حياتهم الروحية، فإنهم أيضا في حاجة لأن يكونوا أمريكيين بما يعني المساواة بين الجنسين والتسامح مع الديانات الأخري والمشاركة في الديمقراطية. ويتعين علي المسلمين أيضا أن يتعاملوا مع الآراء المسبقة التي يكونها عنهم أناس جهلاء وهم كثر في هذا البلد (قاصدا أمريكا). وضرب مثالا علي هؤلاء بمن عارضوا بناء المركز الاسلامي في نيويورك قائلا إن جماعات الكراهية هي التي قادت هذه المعارضة.
في صباح أحد الأيام، ذهبت مع لينيل للتسوق، توقفت هي للحظة عند قسم اللحوم لتشتري بعضا من لحم الخنزير، وحين كان البائع يهم لوضع اللحم في الشنطة التي أحملها، رفضت لينيل وطلبت منه أن يأتي بشنطة أخري قائلة إنها لا تريد أن تجبرني علي حمل شيء أرفضه دينيا، وبرغم اعجابي بموقفها قلت للبائع أن يضعه في الشنطة التي أحملها وحكيت لجون عندما عدنا للمنزل فضحك وقالت لينيل انني أردت أن أبين أنني متحررة أو واسعة الأفق، فقلت لها مازحة بل أنت المنغلقة!
نداء للأزهر
في مدرسة جون.. بريك.. احدي المدرسات التي تدرس للتلاميذ في سن الرابعة عشرة عاما مادة عن الحكم الاسلامي، تبحث حاليا عن رواية أو فيلم أو مقالة تصور الحكم الاسلامي وفق مبادئ القرآن الكريم تتناسب مع سن تلاميذها خاصة أنها تدرس وجهتي النظر وكان من السهل عليها أن تجد وجهة نظر سلبية في الحكم الاسلامي تمثلت في النظام الايراني الحالي من خلال رواية للأطفال عن فتاة ايرانية تحكي عن حياتها قبل وبعد الثورة، بينما تبحث المدرسة حاليا عن رأي ايجابي لتحدث بعض التوازن، فطلب مني جون أن أساعدها وأنا أحاول منذ فترة لكنني لم أتوصل إلي شيء محدد، وهو ما جعلني أفكر: كيف يمكن أن تتسني لنا فرصة ترشيح مواد يتم تدريسها لأطفال أمريكيين في مدارس مسيحية ثم نفشل في ايجاد الشيء المطلوب؟ ربما أنا لست أفضل من يعلم هذه الأمور لكن لمن أتوجه؟ أين دور الأزهر في ذلك؟ أين دور قسم المطبوعات الأجنبية؟ أم انهم الأفضل في منع ومصادرة الكتب التي تتعارض مع الاسلام لكنهم لا يملكون القدرة علي التفاعل مع مثل هذه الاحتياجات؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.