كان الدكتور لويس عوض يتولي الإشراف علي القسم الأدبي بجريدة الجمهورية التي أنشأتها الثورة شتاء 1953 ويرأس تحريرها الأستاذ حسين فهمي وتحت إشراف «أنور السادات» عضو مجلس قيادة الثورة، وفجأة حدثت أزمة مارس 1954، وفوجئ د.لويس عوض بالسادات يدخل عليه مكتبه ويقول له: يا دكتور كفاية كتابة في الأدب، الوطن في خطر، اكتب لنا رأيك في الأزمة القائمة! قال د.لويس: أرجوك أن تعفيني من هذا فأنا أعرف شيئًا عن الفكر السياسي، ولكني لا أحب أن أقحم نفسي في السياسة العملية، فرد السادات: أنا لا أوافقك ففي الأوقات العصيبة يجب علي كل صاحب رأي أن يتقدم برأيه.. وكان واضحا -أي السادات- إنه كان مصرا علي مطلبه وإن لم يكن واضحا ماذا كان ينتظر مني أن أقول؟! وقلت: في هذه الحالة لي مطلب واحد، قال: ماذا؟! قلت: ألا تزال كلمة واحدة مما أكتب لا بيد الرقيب ولا بيد غيره! قال الرئيس السادات بالفصحي: لك علي هذا! وقد بر بما وعد! وتمضي شهادة د.لويس عوض المهمة والخطيرة علي أحوال صحافة مصر في تلك الأوقات الصعبة والعصيبة فيقول: كتبت سلسلة مقالات سياسية عددها أربع، بعنوان «دستور الشعب» عبرت فيها عن وجهة نظري قدر المستطاع رغم أني كنت في عرين الأسد أخاطب الناس علي صفحات «الجمهورية» جريدة الثورة، وأدعو فيها إلي عودة الجيش إلي ثكناته، وفي الرابعة طالبت قادة الثورة أن يخلعوا الكاكي وينزلوا إلي الشارع لا بوصفهم قادة عسكريين ولكن بوصفهم زعماء شعبيين، قائلا: إنهم علي خطأ في تخوفهم من الديمقراطية فطالما إنهم لا يثقون في الشعب فالشعب لن يثق فيهم. والملفت للنظر قول الدكتور لويس عوض عن هذه المقالة الرابعة: لعلها ظهرت في الطبعة الأولي ثم رفعت من الطبعات التالية لا أدري! ويكمل د.لويس عوض شهادته وعنوانها «الأدب والسياسة» وكتبها عام 1975 فيقول: «المهم أن تدهور الوضع السياسي منذ 25 مارس 1954 بحشد العمال المأجورين علي رئيس مجلس الدولة «السنهوري باشا» اعتداء جسديا، كان أكثر مما يحتمله ضميري، فقد كنت رغم نظري إلي السنهوري علي أنه من قادة الرجعية السياسية في مصر، فقد كنت لا أقر الاحتكام إلي العنف والغوغائية في حسم قضايا الرأي! وكانت جريدة الجمهورية طبعا مركزا من مراكز الناصرية، كان أي استمرار بعد ذلك في خدمة الجمهورية نوعا من التعاون السياسي وعملية اختيار يُسأل الإنسان عنها أمام ضميره، ومهما قيل عن جو الرعب السائد يومئذ لنزول الدبابات والمصفحات في الشوارع، فقد رأيت أن هذا لا يعفي المفكر حامل شرف الرأي والكلمة من اتخاذ الموقف الذي يريح ضميره أما قبول التعاون بالقهر فخليق بأن يفقد الإنسان احترامه لنفسه! وأرسلت استقالتي إلي القائمقام «أنور السادات» اعتبارا من آخر مارس 1954 بعد أن صارحت الأستاذ «حسين فهمي» في أمرها وحاول أن يثنيني عن قراري، ولم أذكر في استقالتي أني أستقيل محتجا أو لأية تحفظات سياسية، وإنما ذكرت أني أستقيل لأتفرغ لعملي كأستاذ في الجامعة، بعد أن تبين لي أن عملي في «الجمهورية» كان علي حساب عملي الجامعي وهو أمر صحيح. وبعد أيام زارني «حسين فهمي» في منزلي وأبلغني أن «البكباشي أنور السادات» يطلب مني أن أعيد النظر في أمر استقالتي وأنه يري أن أعتكف إذا أردت شهرا أو شهرين أو ثلاثة حتي تهدأ الأمور، وأن جريدة الجمهورية سوف ترسل لي مكافأتي الشهرية وكانت 60 -ستون- جنيها في منزلي، ويبدو أن «حسين فهمي» وفاء منه لي صوّر الأمر لأنور السادات علي أني محرج أمام زملائي وأبنائي الجامعيين وأمام المثقفين بعامة فقد كانوا في طليعة المطالبين بعودة الدستور والحياة النيابية. علي كل حال فقد تمسكت باستقالتي لأني فعلا إلي جانب أزمة الضمير كنت أحس بأن عدم تفرغي للبحث والتدريس في الجامعة يؤثر فعلا علي مستوي أدائي لواجباتي الأصلية. ويكمل د.لويس عوض الحكاية بقوله: وبعد أن تفرغت لعملي الجامعي فوجئت بصدور قرار من مجلس قيادة الثورة في 19 سبتمبر 1954 بفصل نحو خمسين أستاذا ومدرسا -كنت أنا أحدهم- في قائمة واحدة من الجامعات المصرية، وكان القرار غير مسبب.. وقد وافق مجلس الوزراء علي هذا القرار في 21 سبتمبر ولم أعلم إلي الآن لماذا شرفني مجلس الثورة بهذا القرار رغم أني منذ خروجي من «الجمهورية» انقطعت تماما للعمل العلمي ولم يكن لي نشاط سياسي في أي اتجاه! وفي شهادة د.لويس عوض ما خفي كان أعظم!