مازلت أبحر مع مشوار د.لويس عوض «في الصحافة المصرية» وبعد أن قدم د.لويس استقالته من جريدة الجمهورية، حاول البكباشي «أنور السادات» الرئيس فيما بعد - أن يفكر في أمر هذه الاستقالة، ثم فوجئ د.لويس عوض بصدور قرار من مجلس قيادة الثورة في 19 سبتمبر بفصله من الجامعة مع حوالي خمسين أستاذاً ومدرسا وكان القرار غير مسبب!! إن تجربة د.لويس عوض الصحفية درس في غاية الأهمية لمناضلي هذه الأيام الذين أصبحوا مناضلين بالصدفة وكتابا بالصدفة ونجوما في برامج التوك شو بالصدفة أيضا، ويقول د.لويس عوض في مقدمة كتابه القيم والمهم «لمصر والحرية مواقف سياسية» (صدر عام 1977) وبمجرد طردي من الجامعة قدمت طلبا لإدارة المطبوعات لإصدار مجلة ثقافية شهرية باسم «إيزيس» وفي اليوم الثلاثين وفقا للقانون اعترضت إدارة المطبوعات علي طلبي، فانشأت برأس مال أعانني عليه الأصدقاء قدره 1700 جنيه «ألف وسبعمائة» دارا للطبع والنشر باسم ايزيس خسرت فيها نحو ألف وثلاثمائة جنيه عند تصفيتها بعد ستة أشهر من العمل، وحلا لمشكلتي المالية التحقت بوظيفة صغيرة في المقر العام للأمم المتحدة بنيويورك وعملت بها لمدة سنة ونصف السنة ترجمت فيها مسرحيتين لشكسبير ونظمت قليلا من الشعر، ثم استقلت منها بعد العدوان الثلاثي لظروف شخصية من جهة، ومن جهة أخري لأني استمعت لنصيحة «حسين فهمي» و«خالد محيي الدين» بأن أعود إلي مصر وأحمل القلم من جديد وقد التقيت بهما في أروقة الأممالمتحدة أيام عرض قضية العدوان الثلاثي علي المجتمع الدولي. ويكمل د.لويس عوض شهادته: «وفي جريدة الشعب تفرغت للأدب والثقافة نحو سنتين من يناير 1957 حتي 28 مارس 1959 ولم أكتب كلمة واحدة في السياسة، ومع ذلك فقد أكرمتني الثورة واعتقلتني مع الشيوعيين في 28 مارس 1959 حتي أفرج عني في 24 يوليو 1960، ومنذ أول يناير 1961 وحتي الآن0 1976 انقطعت للأدب والثقافة خمسة عشر عاما، عاما في جريدة الجمهورية وأربعة عشر عاما في جريدة الأهرام.. و... و وربما كان من النافع أن أذكر إني لم تصادر لي طوال عهد الثورة من المقالات السياسية إلا ثلاث مقالات، مقال كتبته «للأهرام» بعد شهر من هزيمة يونيو 1967، أدعو فيها الناس إلي تجاوز المحنة ونهش النفس وإلي الالتفاف حول جيش مصر وحول قائد مصر «جمال عبدالناصر» باعتبار إننا جميعا مسئولون عما كان، كل بحسب موقعه وعلمه ولكني شخصت فيه الهزيمة بأنها هزيمة نظام، لا هزيمة شعب أو هزيمة جيش باعتبار أن النظام الصالح يخرج أفضل ما في الناس والنظام الفاسد يخرج أسوأ ما في الناس، ولأن النظام ما هو إلا صورة للمجتمع ولكن الأستاذ «محمد حسنين هيكل» رغم جرأته واقتحامه أزال قلب المقال المتصل بتهرؤ النظام ولم يبق إلا الدعوة للثبات والالتفاف حول الجيش والزعيم، فبدا وكأني أقول إن الجيش سليم والنظام سليم وإنما المعطوب هو الشعب وعندئذ أصررت علي أن مقالي إما أن ينشر كاملا أو يرفع كاملا، فرفع كاملا وحين طلبت أصول مقالي أبلغت أن «هيكل» سحبها من المطبعة وأرسلها إلي الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» ليعرف كيف يفكر بعض المثقفين، وقد سعدت بوصول الرأي وأن كنت قد أسفت لضياع المقال. ومقال آخر صودر لي في الأهرام كتبته أثناء حرب أكتوبر في قمة الانتصار بعنوان «الخروج 73» ولا أدري لماذا صدره هيكل؟! كل ما قاله هو إنه يسبب له ارتباكا شديدا ولم أرد إحراجه فلم أطلب مزيدا من التفسير. كذلك صادر هيكل لي مربعا كتبته في نفس الفترة أقول فيه أن سر استماتة المصريين في القتال هو أن المصريين كانوا قد بلغوا من الشعور بالمرارة والانسحاق قبل حرب أكتوبر مبلغا جعلهم يؤثرون الموت علي حياة الذل والعار، ولا أعلم أن في كلامي هذا ما يسيء، ولكن فلنقل إنها وجهات نظر، ونظرا لثقتي الكاملة في «هيكل» كرئيس تحرير لم يحدث قط إني أثرت معه أزمات بسبب مصادرته مقالا من مقالاتي، إلا في مناسبة واحدة وهو نفس ما أقوله عن كل من عملت معهم من رؤساء التحرير، فقد كنت دائما أقدر الظروف الصعبة التي يعمل فيها أي رئيس تحرير في مصر. انتهت شهادة د.لويس عوض المهمة والخطيرة، وأدعو زملائي من الأجيال الشابة لقراءتها بوعي وعقل مفتوح وبصيرة بعيدا عن تأليه وتقديس الأشخاص.