لم يجد له مكانا فى المشهد الثقافى بالقاهرة فقرر أن يستثمر موهبته بعيدا عن الجميع فى قريته البسيطة فى محافظة الشرقية، هو الشاعر أحمد حسن الذى حاز العديد من الجوائز العربية، كان آخرها جائزة البابطين عن ديوانه «مدينة شرق الوريد»، التى تسلمها مؤخرا، وهو مازال فى الثامنة والعشرين من عمره بعد جهد وإقصاء استمرا لأكثر من عشرة أعوام، وفى حوارنا معه سألناه عن تفاصيل الجائزة ومشواره الأدبى. كيف تم ترشيحك للجائزة؟ - لم أكن قادرًا على التحلى بالجرأة الكاملة للمشاركة فى هذه المسابقة، غير أن الله -قبل انتهاء آخر موعد استقبال الأعمال فى الدورة السابقة- قدر لى شاعرًا مصريًا كبيرًا، سمع قصيدة مني، فسألني: ألن تشاركَ فى جائزة مؤسسة البابطين، فقلتُ له: أثق بشعرى الآن، لكن جوائز المؤسسة لم يفز بها أحد فى سنِّى من قبل، وهى من أهم الجوائز العربية، إن لم تكن أهمها فى الشعر، وما فاز بها إلا كبارُ الشعراء من قبل. فقال لي: انزل البلد، واطبع ديوانك، واشترك فى المسابقة، فإن لم تفز فأنا واثق أنك ستكون منافسًا قويًا جدًا. وعلى هذا، طبعتُ الديوان الذى كتبته بين الفترة من مارس 2009 إلى نوفمبر تقريبًا، وطبعته فى ديسمبر، وتسلمتُهُ قبل آخر موعد لاستقبال الأعمال بالبابطين بثلاثة أيام. مازلت شاعرا مغمورا فى الساحة الثقافية رغم قدم موهبتك وحصولك على العديد من الجوائز.. لماذا؟ - فضلتُ أن أمارس قراءتى وكتابتي، فى ركنٍ منزوٍ فى هدوء القرية، بعيدًا عن الساحة الثقافية (المؤسساتية)، فقد واجهتُ صعوبات كثيرة فى التعامل مع أطماع بعض الأدباء الذين يرأسون منابر هذه الساحة على مستوى محافظتى منذ سنوات، (ولا أعمم كلامى، بل أخصُّ بعضًا يعرفون أنفسهم)؛ فكانوا يحرموننى من الإلقاء فى الندوات التى يدعى إليها ضيوف من الأدباء الكبار بالقاهرة، رغم أنهم كانوا يدعوننا لكى نشارك بقصائد، وبعد ذلك صرتُ أسمع فقط عن المؤتمرات دون أن تتم دعوتى إليها، كما أرسلتُ شعرى فى إحدى الفترات إلى جرائد ومجلات، ولكنهم لم يعبئوا، ولم أكن مثابرًا فى موضوع الإلحاح فى مراسلة الصحف التى يزدحم بريدها بأعمال أدباء يريدون النشر. وقبل فوزى بجائزة البابطين بقليل تم ترشيحى لحضور بعض ندوات فى القاهرة، ولكن اسمى رُفِضَ بحجة أنهم لم يقرءوا لى فى مجلة أو جريدة مصرية، وأنى غير معروف على الساحة. وحين وصلت إلى قمة يأسى من الانتشار (المؤسساتى)، قررتُ أن أكون شاعرًا قرويًا وحسبُ، وأن أكتب عن قريتي، ومشكلاتها وعن دينى وقضاياه، قرأنى الناسُ أم لم يقرءوني، وقبلتنى المؤسسات أو لم تقبلنى. هل هناك كثيرون مثلك من أدباء الأقاليم من حيث البعد عن المشهد الثقافى؟ - ربما هو حال الكثيرين، لكن بعض شعراء الأقاليم حين ييأس ممن حوله، يبحث فى القاهرة بشكل نشيط جدًا، بصراحة أنا خجول جدًا ولا يمكننى طرق الأبواب، كذلك أنا فاشل فى التعامل مع الناس الذين لا أشعر ناحيتهم بمحبة مهما كانوا أدباء أو نقادًا كبارًا. وما ملامح مشروعك الشعري؟ - أنا أبحث عن القصيدة الصالحة، التى تربت فى حضن القرآن، وترى أن الله موجود دائمًا وتستحى من التجرؤ بالشعر فى حضرتِهِ.. وفى الوقت نفسه تُسَابِقُ الشِّعْرَ بِنَفَسٍ فنِّى راقٍ، وتصويرى جديد مبتكر تمامًا. فلستُ أتصوّر شاعرًا مسلمًا يكتب قصيدة باحثة عن الحقيقة، كأنَّهُ لا ولم ولن يعرفها.. أهو عيٌّ منه فى فهم الدين الإسلامى..؟! آمل أن يكتب شعراؤنا شعرًا مسلمًا وفى الوقت نفسه ليس مضّجعًا على سطوح النظم المهترئة من دوام تعرّضها لوضوح الشمس، وأتجه بكلامى بعيدًا عن الشعر الصوفى. الشعر فى رأيى رسالة، وليست الرواية أحق منْهُ بمعالجة قضايا المجتمع وتأكيد الهوية الحقيقية للإنسان من منظور إسلامي، نحن قادرون على الوصول بالقصيدة إلى شاطئ المجتمع مرة أخرى، وفى حوزتنا من مجاديف البلاغة والسهولة والتصوير والجدة والابتكار والروحانية والعسكرية الحَرْفية ما يساعدنا على ذلك. وما رأيك فى المشهد الشعرى والنقدى عربيا ومحليا؟ - المشهد الشعرى عربيًا رائع بالتأكيد، ويصعد نحو الرقى يومًا بعد يومٍ كيفا وكما، وقد ساهمت الجهود الخليجية فى عمل نهضة أدبية رائعة، فالكويت قدمت الكثير والكثير، والإماراتُ تفعل ما بوسع مؤسساتها الثقافية والأدبية لتفعيل الحركة الأدبية، بمؤسسات وجوائز مثل: «البابطين» و«أمير الشعراء» و«مسابقة الشارقة» و«جائزة دبى»، و«البردة»، والمشهد المحلى كذلك صار يخضر بروعة وأناقة كبيرة، أما على مستوى النقد، فلى رجاء واحد: يا سادتنا النقاد الكبار الكرام، اهتموا بجيلنا رجاء (كل جيلنا، وليس شريحة خاصة فى بلاد خاصة)؛ فنحن نحتاج إلى نقاد بقلوب آباء كذلك. هل تلقيت دعما ومساندة من المبدعين المصريين والإعلام المصرى أم تم تجاهلك؟ - قبل فوزى بجائزة مؤسسة البابطين، لم أجد شيئًا من المساعدة والاهتمام إلا من شخص واحد فقط، هو الشاعر المصرى عماد غزالي؛ الذى كان حريصًا جدًا -بعد أن سمع قصيدة لى ألقيتها عليه- على أن يساعدنى فى الانتشار بالقاهرة، فى الحقيقة استغربتُ كثيرًا أن هناك من جيل الكبار من يحمل هذه الروح الراعية، كذلك لا أنسى أن أقول إن أول من ساعدنى لأخط حروفى الأولى كشاعر هم شقيقتى الشاعرة الدكتورة سلوى حسن، وزوجها الشاعر الدكتورة إكرامى قورة، وكذلك صديقى الشاعر الدكتور إبراهيم العوضى. أما الإعلام المصرى فيبدو أنه مشغول بأمور أخرى أو شخصيات أكثر أهمية لا علاقة لها بالأدب!!