أيا ما كانت التفسيرات المختلفة للتوافق الأمريكي - الإيراني علي تولي المالكي رئاسة الحكومة العراقية القادمة، فان هذا التوافق تعدت آثاره ونتائجه حدود العراق ذاته، وظهرت هذه الآثار في النطاق الإقليمي، بل وربما الدولي أيضا. فهذا التوافق الأمريكي لم يضمن فقط للمالكي بنسبة كبيرة الاحتفاظ بموقعه رئيساً للحكومة وبدون تقليل صلاحياتها، بعد أن حظي بدعم الصدريين.. إنما ضمن لأمريكا امكانية أن تنفذ خططها للانسحاب من العراق بحلول العام القادم، دون أن يقع هذا البلد المنكوب في اضطرابات واسعة تحرض عليها ايران لازاحة أي رئيس وزراء لا توافق عليه. لكن علي الجانب الآخر، فان هذا التوافق الأمريكي - الإيراني علي شخص المالكي ضمن لإيران أيضا تقنينا لنفوذها في العراق، واعترافا أمريكيا بهذا النفوذ.. ولن ينتقص من ذلك اصرار الأمريكيين علي توسيع الحكومة العراقية القادمة ليشارك فيها كل القوي الفائزة في الانتخابات لتعويم أو تقليل نفوذ الصدريين فيها، وكذلك اصرار الأكراد وبعض حلفاء ايران من الشيعة علي ذلك. ولعل هذه في تقدير الايرانيين تكون البداية لاعتراف الأمريكيين بنفوذ ايراني يتسع لمحيطها الإقليمي كله وليس في العراق وحده. كما أن ذلك أغري سوريا كي تفكر في اعادة النظر في قواعد اللعبة السياسية اللبنانية، بعد أن منحت تأييدها - من خلال التوافق مع السعودية - لحكومة شراكة وطنية يرأسها سعد الحريري خصمها السابق وابن خصمها الراحل رفيق الحريري.. لقد اضطرت سوريا للتضحية بعلاوي الذي منحته مساندتها ودعمها للوصول إلي رئاسة الحكومة العراقية، واضطرت أيضا بعد التوافق الأمريكي - الإيراني إلي أن تؤيد هذا التوافق أو لا تعترض عليه حتي لا تخسر من جراء معارضتها للمالكي الذي سبق أن أتهمها برعاية من يقومون بعمليات ارهابية داخل العراق. وفي المقابل سعت سوريا لاستثمار هذا التوافق الأمريكي الإيراني لكي تحصل علي اعتراف بقسط من النفوذ لها في لبنان.. وهذا ما يفسر كثيراً من التصرفات والمواقف السورية تجاه لبنان، والتي انحازت تماماً وبوضوح إلي حلفائها علي حساب سعد الحريري وأنصاره الذي سبق أن أعلن السوريون طي صفحة الماضي معه. وهكذا انتقلت آثار التوافق الأمريكي - الإيراني في العراق إلي سوريا ولبنان.. والله أعلم إلي أين مستقبلا. أيضا ظهر لهذا التوافق تأثيره علي النطاق الدولي بالنسبة للملف النووي الإيراني، بعد أن أبدي الإيرانيون استعدادهم للعودة إلي التفاوض مرة أخري حول ملفهم النووي مع مجموعة الدول الست متخلين عن شروطهم السابقة.. وقابل ذلك تجاوب واضح وملحوظ من جانب الدول الست. إذن.. نحن أمام متغيرات جديدة لا تحتاج لمعالجة تكتيكية فقط وإنما يجب أن تتسع هذه المعالجة لتغيير استراتيجيته.