أخيرا اتفقت الكتل السياسية في العراق علي تقاسم السلطة بعد ضغوط أمريكية مكثفة. وتمت المحافظة علي مكاسب التحالف الوطني الشيعي الذي ضم ائتلاف دولة القانون والتيار الصدري وانضم اليه مؤخرا بضغط من إيران حزب الفضيلة وكتلة ابراهيم الجعفري. لم يبق خارجه سوي المجلس الأعلي الاسلامي بزعامة السيد عمار الحكيم, والذي تم تحجيمه بصورة كبيرة بعد انضمام منظمة بدر التي كانت الجناح العسكري له الي التحالف الذي تزعمه المالكي, حيث تم اسناد رئاسة الحكومة له بالتوافق مع الائتلاف الكردستاني, الذي حافظ علي تولي السيد جلال طالباني رئاسة الجمهورية, بينما منحت القائمة العراقية برئاسة علاوي رئاسة البرلمان ورئاسة مجلس السياسات الاستراتيجية ولنا علي هذه التطورات الملاحظات التالية: أولا, إن الشهور الأخيرة شهدت مساومات مكثفة ووساطات شاركت فيها الإدارة الأمريكية, سواء الرئيس أوباما شخصيا او نائب الرئيس ووزيرة الخارجية أخذت محاور متعددة, بدأت بمحاولة اقناع الأكراد التنازل عن منصب رئاسة الجمهورية لإياد علاوي علي اعتبار انه زعيم القائمة التي حصلت علي أعلي المقاعد الإنتخابية للإيحاء بوجود ديمقراطية يمكن الاحتكام اليها, بعد فشل توليه رئاسة الحكومة, الان الاكراد رفضوا ذلك لسببين. الأول, محاولة تثبيت حصولهم علي منصب رئاسة الجمهورية بصورة دائمة. والثاني, حتي لا يؤدي تخلي السيد جلال طالباني عن المنصب إلي أزمة تنافس علي رئاسة الإقليم مع السيد مسعود البارزاني مستقبلا. وقد حاول الرئيس أوباما إغراءهم بالتنازل عن المنصب مقابل توفير الضمانات التي يحتاجونها فيما يتعلق بإجراءات ضم مايسمي بالمناطق المتنازع عليها( كركوك...) الي كردستان وضمان امن الاقليم, الا انهم رفضوا ذلك. وكان التحرك الأمريكي التالي تجاه المالكي, حيث قدرت واشنطن انه الاقدر علي تحقيق الإستقرار في هذه الفترة وانه يحظي بدعم ايران, لكنه لايتجاوز المصالح الأمريكية في الوقت نفسه, فاشترطت عليه الا يتولي التيار الصدري المتحالف معه والأقرب الي ايران وزارات سيادية, ووافق علي ذلك. جاء التحرك الثالث تجاه القائمة العراقية التي تم ترضيتها من خلال انشاء مجلس للسياسات الاستراتيجية برئاسة السيد اياد علاوي. وستعطي له صلاحيات من بينها التصديق علي قرارات هيئة العدالة والمساءلة المختصة باجتثات البعث, ومراجعة القرارات السيادية العسكرية والأمنية للدولة. وأكد الرئيس الامريكي في محاولته لإقناع علاوي بقبول المنصب ضمان اقرار البرلمان لصلاحيات هذا المجلس وتوسيع دوره في النظام السياسي. كما تولي السيد طارق الهاشمي احد قيادات القائمة العراقية منصب نائب رئيس الجمهورية. وكذلك السيد أسامة النجيفي رئاسة البرلمان, فضلا عن تولي احد قياداتها وزارة الخارجية, من خلال صفقة مع الأكراد مقابل موافقته علي التنازل لهم عن رئاسة الجمهورية. ثانيا, أن قادة الكتل الرئيسية اتفقوا علي ذلك خلال اجتماعهم في اربيل(8 نوفمبر). وقد حرص الأكراد علي احاطة ايران بذلك قبل اقرارها في اجتماع مجلس النواب الخميس الماضي, فسافر السيد نيجريفان بارازاني نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الي طهران والتقي مع كبار المسئولين هناك لشرح ابعاد هذه الاتفاقات والحصول علي مباركة طهران لها. وحتي لايبدو الامر تسليما بالنفوذ الامريكي منفردا علي هذا المستوي وضمانا لعدم اثارة ايران. ثالثا, إن التحالف الشيعي والائتلاف الكردستاني حققا كل مطالبهما وان التوافق الذي تم بينهما جاء علي حساب القائمة العراقية وطائفة السنة بصفة عامة, حيث أدت موافقة السيد المالكي علي كافة مطالب الأكراد دعمهم له في مواجهة القائمة العراقية. بالاضافة الي تشتت القوي السنية بصورة واضحة, حيث شهدت تلك القائمة خلال الايام الاخيرة نوعا من الانقسام. فقد نجح المالكي في اختراقها من خلال اغراء بعض الكتل التي تتشكل منها, مناصب وزارية وهو مامثل ضغوطا واضحة علي اياد علاوي ادت الي تراجعه عن رفض المشاركة في حكومة برئاسة المالكي. وقد اشترطت تلك الكتل توزيع المناصب الممنوحة للقائمة فيما بينها, وكأنها مشاركة مستقلة لكل منها. بالاضافة الي ذلك فقد اعلن حزب الوسط الذي تزعمته كتلة التوافق برئاسة اياد السامرائي دعمها للمالكي علي حساب دعم اياد علاوي في محاولة لحصول السامرائي علي رئاسة البرلمان, اذا قاطعت القائمة العراقية المشاركة في الحكومة. الامر الذي ضاعف من الضغط علي اياد علاوي في النهاية وغير من موقفه. تشير مجمل التطورات السابقة بوضوح الي ان الاكراد لايزالون يمثلون القوة السياسية المرجحة في النظام السياسي العراقي. وقد ادي ذلك الي حصولهم علي مطالبهم. ورغم انهم كانوا القوة الاكثر ارتباطا بالتوجه الامريكي, الا انهم يحرصون علي المحافظة علي علاقة طيبة مع ايران, تقديرا لما تملكه من تأثير داخل العراق. ومن الواضح كذلك تمتع التيار الصدري بثقل متزامن, حيث حصل احد قياداته علي منصب نائب رئيس البرلمان علي حساب المجلس الاعلي الاسلامي الذي تراجع نفوذه ورفض طلب ايران مساندة المالكي. وتشير كذلك الي ان الايام القادمة سوف تشهد مساومات مكثفة فيما يتعلق بتوزيع المناصب الوزارية وتحديد صلاحيات المناصب السيادية المختلفة. وما تم الاتفاق عليه في الوثيقة التي وقع عليها قادة الكتل بخصوص إلغاء إجتثاث بعض قيادات القائمة العراقية وصلاحيات مجلس السياسات الإستراتيجية والتي كانت السبب في إنسحاب أعضاء القائمة العراقية من الجلسة الأولي للبرلمان. الأمر الذي يعني استمرار حالة عدم الثقة والتوافق بين القيادات السياسية. وهو مايرجح تزايد مظاهر التنافس الامريكي الايراني لتأكيد النفوذ ودعم الأنصار. كما ان سير العملية وما شهدته من تجاذبات تعكس حجم تراجع ومحدودية الحضور العربي في العراق, فعلي سبيل المثال لم تجد المبادرة السعودية أي فرصة رغم اعلان بعض الكتل ترحيبها الاعلامي بها, الا ان الرفض الواضح جاء من جانب التحالف الوطني الشيعي. وهو مايؤكد حقيقة الرفض الايراني, لان يكون حل الأزمة العراقية من خلال اطار عربي ومن خلال السعودية بالتحديد. لاشك أن الضغوط الامريكية المكثفة خلال الأسبوع الاخير قد استهدفت التأكيد علي استمرار امتلاكها القدرة علي التأثير في العراق وإن كان ذلك يثير بعض التساؤلات, هل جاء ذلك بالتوافق غير المباشر مع ايران التي الضغوط الامريكية خلال الاسبوع ركزت علي عدم حصول اياد علاوي وقائمته علي منصب رئاسة الحكومة, ام ان ذلك جاء كمرحلة ضمن صفقة سياسية, يري البعض بداياتها في ادراج واشنطن تنظيم جند الاسلام المعادي لايران ضمن التنظيمات الارهابية وتصريح وزيرة الخارجية الامريكية حول حق ايران في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية كما يمكن تفسير ذلك ايضا بمحاولة الادارة الامريكية, لاستعادة زمام الامور في الملفات ذات الاهمية الاستراتيجية لها خاصة في العراق وكذلك لبنان وللحد من نفوذ الدول غير المتوافقة مع سياستها, وهذا ماستكشفه الأيام المقبلة. المزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات