آداب ينبغي على الحاج التحلي بها في المناسك .. تعرف عليها    محافظ الغربية يتابع استمرار الأعمال بمستشفيي طنطا العام والأورام    الفريق أول محمد زكى يلتقى قائد القيادة المركزية الأمريكية    أماني ضرغام: تكريمي اليوم اهديه لكل إمراة مصرية| فيديو    سفير مصر ببوليڤيا يحضر قداس عيد القيامة بكاتدرائية السيدة العذراء بسانتا كروس|صور    بدء تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء بالمراكز التكنولوجية بالبحيرة    معيط: العجز الكلى للموازنة يتراجع سنوياً.. ونستهدف خفضه ل 80%    زراعة عين شمس تستضيف الملتقى التعريفي لتحالف مشاريع البيوتكنولوجي    تحقق العدالة والكفاءة.. ننشر مبادئ الوثيقة المُقترحة للسياسات الضريبية «2024 2030»    الأمم المتحدة: مخزون الوقود يكفى يومًا واحدًا.. وتحذيرات من «كارثة إنسانية»    فرنسا تعرب عن «قلقها» إزاء الهجوم الإسرائيلي على رفح    الأهلي يقسو على الاتحاد السكندري برباعية في الدوري    «عبدالمنعم» يتمسك بالإحتراف.. وإدارة الأهلي تنوي رفع قيمة عقده    إخماد حريق داخل سور الإذاعة والتلفزيون بالإسماعيلية    تكريم لبلبة في ختام مهرجان بردية لسينما الومضة    تعرف على موعد حفل نانسي عجرم ب باريس    مأساة الشعب الفلسطينى حاضرة فى مهرجان «كان» السينمائى    منفذ عملية الاستطلاع لمواسير النابالم، رحيل اللواء خضر محمد خضر أحد أبطال لواء العظماء    خالد الجندي: الحكمة تقتضى علم المرء حدود قدراته وأبعاد أى قرار فى حياته    كيف خلق الله الكون؟ رد قوي من محمود الهواري على المنكرين    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    مراقبة الأغذية بالدقهلية تكثف حملاتها بالمرور على 174 منشأة خلال أسبوع    في اليوم العالمي للربو.. مخاطر المرض وسبل الوقاية والعلاج    طريقة عمل السينابون، حلويات سويسرية بنكهة القرفة المميزة    جامعة القاهرة تعلن انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض الطويلة    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    وفد النادي الدولي للإعلام الرياضي يزور معهد الصحافة والعلوم الإخبارية في تونس    أمير منطقة المدينة المنورة يستقبل الرئيس التنفيذي لجمعية "لأجلهم"    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    البرلمان العربي: الهجوم الإسرائيلي على رفح الفلسطينية يقوض جهود التوصل لهدنة    وضع حجر أساس شاطئ النادي البحري لهيئة النيابة الإدارية ببيانكي غرب الإسكندرية    محافظ جنوب سيناء: مصر تطور مناطق سياحية في نويبع وسانت كاترين ودهب    «الداخلية» تستجيب ل«المصري اليوم»: ضبط المتهمين في مشاجرة أسوان    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    وزير الدفاع البريطاني يطلع البرلمان على الهجوم السيبراني على قاعدة بيانات أفراد القوات المسلحة    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    الرئاسة الفلسطينية تحمل واشنطن تبعات الاجتياح الإسرائيلي لرفح    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    انطلاق فعاليات المؤتمر السادس للبحوث الطلابية والإبداع بجامعة قناة السويس    أسامة جلال يخضع لعملية جراحية ويغيب عن بيراميدز 3 أسابيع    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    ضبط نصف طن أسماك مملحة ولحوم ودواجن فاسدة بالمنيا    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه.. وسبب لجوئه لطبيب نفسي    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    هجوم ناري من الزمالك ضد التحكيم بسبب مباراة سموحة    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل كل قضاء قضيته لنا خيرًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاحتلال لأهل الجولان.. والحرية فقط لبعض التفاح


تحقيق - مني أبو عيسى
تصوير - جون بيركنز
اليوم تنقضى 37 عاما على حرب أكتوبر التى خاضتها كل من مصر وسوريا فى مواجهة إسرائيل.. ولكن مصر تمكنت باستثمار نتيجة الحرب من ارضها التى احتلت فى 1967 فى حين لم تزل الأراضى السورية فى الجولان قيد الاحتلال ..هنا تحقيق خاص اجرته الزميلة منى ابو عيسى مابين الجولان واسرائيل ..يشير الى الحالة التى يعيش فيها اهل الجولان تحت الاحتلال ..وفى المعنى كثير مما يشير الى واقع السياسة السورية ونتائجها. أحد الابحاث التى اجريت مؤخرا بواسطة علماء اسرائيليين متخصصين فى الفحص الجيولوجى والتى نشرت فى احدى المجلات العلمية المتخصصة فى البناء اثبتت من خلال الاقمار الصناعية ان اراضى الجولان المتصارع عليها سياسيا شهدت على مدار ملايين من السنوات تحركا بطيئا نحو اسرائيل باتجاه الجليل.
ومع ذلك فإن سوريا الى اليوم متمسكة بحقها فى مرتفعات الجولان التى تحتل منطقة يصل اتساعها افقيا الى (1250 كم) ناهيك عن كونها ثرية بالمياه والتفاح.
مازال دروز الجولان المشتتون بين سوريا واسرائيل والحروب الدائرة بينهما يبنون المنازل ، يتزوجون، يزرعون التفاح الاخضر ، يحملون الاعلام السورية ويعملون باسرائيل.
الدروز هم طائفة دينية تفرعت عن الاسلام وتتسم بخصوصيتها الصوفية التى اكتسبوها على مدار الف سنة منذ تفرعهم عن الاسلام ، ولكنهم الان متقوقعون او ينحصر وجودهم فى اسرائيل ولبنان وسوريا.
البداية
كنت ممن حصلوا على فرصة التواجد فى احدى المنتديات المتعلقة بطب الاسنان بفندق كبير ب"تل ابيب".المجسمات الكبيرة للاسنان بلاستيكية كانت تراقبنى من بعيد.الساحة كانت اشبه ببلاط راقص يحفل بعدد من اطباء الاسنان يرتدون الملابس الرسمية ويتبادلون الادوار فى عقد الصفقات مع بائعى المستلزمات الطبية بينما يتناولون مشهيات ذات النجوم الخمس وفى خلفياتهم نوافذ طويلة يطل منها البحر المتوسط.
من بين هؤلاء الاطباء قابلت " مجدى ابراهيم" طبيب اسنان من الجولان دعانى إلى العشاء فى منزله مع عائلته.
اذا عدنا الى عام (1967) سنكتشف ان عدد السوريين الذين كانوا متواجدين بهضبة الجولان كان حوالى (140 الفًا) ، حيث كان يعيش هذا العدد الكبير نسبيا بمدينتين و(164) قرية قبل ان يتم اقتلاعهم من بيوتهم اثناء وبعد حرب (1967) واعادة تسكينهم جبريا فى معسكرات اللاجئين حول دمشق ، اليوم يصل عددهم الى ما يقرب من نصف مليون مواطن. عقب العدوان الاسرائيلى تم تدمير المدينتين وما يقرب من 64 قرية، بينما ظل حوالى سبعة الاف منهم فى القرى الست المتبقية .
اليوم يعيش فى هذه القرى 20 الف مواطن، حيث تتركز الغالبية الدرزية فى خمس قرى هى : مجدل شمس، مسعدة، بقعاثا، عين قنيا والغجر .
المفارقة ان عدد هؤلاء الدروز هو نفسه عدد الاسرائيليين الذين يعيشون فى 33 مستوطنة اسرائيلية..
فن ما بعد الحرب
" كوني من الجولان المحتل لم أفهم تماما معنى الاحتلال إلا بعد أن أمضيت سنوات من الإقامة في دمشق خلال هذه الفترة بدأت أحس وأفهم كل العوامل والظروف التي ساهمت في تشكيل رؤيتي ومزاجي أي أنني بدأت أستمد عناصر ومكونات عملي الفني من إدراك وجودي تحت الاحتلال وبدأت أعي أي حرمان ونقص في الامتداد الطبيعي أعيشه (ويعيشه كل سكان الجولان) حيث إني أفتقد إلى اقل مقومات هذه البيئة الطبيعية التي يعيشها كل إنسان عربي من احتكاك مع دائرة فنيه واسعة وإمكانية التواصل مع شريحة أوسع من الثقافة العربية طبعا وجب التذكير أننا في الجولان نعيش (20 الف) مواطن عربي معزولين عن العالم العربي وعن كوننا سوريين"..هكذا قالت "راندا مداح" الفنانة القادمة من مجدل شمس التى تعمل فى مجال النحت، كان هذا خلال زيارتى لمركز " فاتح مدرس" الثقافى والفنى حيث كان النقاش دائرا حول ميلاد الفن فى ظلال الحرب.
فى 1981 اعلنت اسرائيل سيطرتها الرسمية على هضبة الجولان. حاولت وقتها الحكومة الاسرائيلية ان تفرض الجنسية الاسرائيلية على دروز الجولان الذين فى المقابل قاوموها .
على العكس من دروز الجليل الذين حصلوا على الجنسية الاسرائيلية فى اعقاب 1948 وخدموا فى الجيش الاسرائيلى فإن دروز الجولان اعلنوا بوضوح استياءهم من هذا الامر، رغم انهم بشكل او بآخر اصبحوا جزءا من الاقتصاد الاسرائيلى ويتم السماح لهم بالسفر بحرية تامة حيث يتم حكمهم بمقتضيات القانون الاسرائيلى.
حرصت على حضور جلسة من الفنانين الذين كانوا يتحدثون حول تمثال عار سبب مضايقات لبعض مشايخ الدروز . احد مؤسسى المركز ويدعى "وائل ترابى " قال لى " لقد وجد الفن طريقه الى الجولان لاول مرة فى 1982 من خلال مفهوم حب الوطن، حيث كان الناس يرون الفنانين كأبطال الحرب . بمضى السنوات بدأ الفنانون الشباب ينظرون الى العالم الذى يقع خارج حدود الجولان وبدأ عملهم يحطم الحواجز التقليدية للدروز.
وائل درس الفن فى "سان بتسبرج" خلال التسعينيات . هو من الجيل الثانى من الفنانين فى مجدل شمس .
أما راندا فهى من الجيل الثالث الذى درس الفن فى دمشق.
اكبرهم هو حسن خاطر الذى تحتل تماثيله البرونزية ميادين قريتين منذ الثمانينيات. احدهم ل "سلطان باشا الاطرش" قائد المقاومة المعادية للوجود الفرنسى فى 1925.
عمل "حسن" البطولى كان البداية الحقيقية لاهتمام الدروز بالفن.
الفنانون يشعرون بانفصالهم عن التجمعات الفنية العربية وعن العالم العربى نفسه ، فى الوقت الذي يعجزون فيه عن رؤية انفسهم داخل اسرائيل.
معظم فنانى الجولان يرفضون التعامل مع الدوائر الفنية الاسرائيلية و"الاسرائيليون يشعرون بعدم الارتياح بسبب الانتقادات السياسية".. .
راندا واصلت حديثها مؤكدة ان الخيار الوحيد المتاح هو الحركة الفنية الفلسطينية الوليدة.
بالرغم من كونهم سوريين يحملون بطاقات سفر Laissez-passe كنوع من التعويض عن جواز السفر الاسرائيلى الا ان هؤلاء الفنانين الشباب يتم رفضهم من قبل الدول العربية التى لديها مواقف ضد اسرائيل. وينتهى بهم الامر وهم يبحثون عن فرص فى فلسطين الممزقة بصراعاتها او فى الاردن او حتى فى مصر التى يغلف علاقتها باسرائيل سلام هادئ وبارد.
زيجتان وجنازة
عندما احتلت اسرائيل الجولان تم انتزاع دروز الجولان من اقربائهم فى سوريا. وما بين 1967 و1979 سمحت اسرائيل بتجمعات عائلية فى مخيمات بمنطقة حيادية منزوعة السلاح بين الدولتين ويتم حكمها من قبل قوات الامم المتحدة .
التجمعات التى شهدت لم شمل العائلات كان يتم تنظيمها بواسطة الصليب الاحمر بينما كانت تتم مراقبتها من قبل الامن الاسرائيلى.
فى 1979 تم ايقاف هذه اللقاءات بسبب حركات المقاومة التى تبناها دروز الجولان ضد السلطة الاسرائيلية.
بعد مؤتمر السلام الذى عقد فى مدريد عام 1991 سمحت اسرائيل للاجيال الجديدة من طلبة الجولان ليسافروا ويواصلوا دراستهم فى دمشق. ايضا سمحت الحكومة الاسرائيلية ل 500 مواطن بالسفر للحج فى سوريا كل عام. وكان يسمح للنساء بزيارة عائلاتهم فى سوريا لمدة ايام فى حالات خاصة جدا ، بعد ذلك جاءت البداية لقصص زيجات الجولان.
"غالبا ما كان يتقابل الناس اثناء دراستهم فى دمشق ليتزوجوا بعد ذلك" هكذا قال لى اسد صفدى الذى يعمل بمكتب الصليب الاحمر بالجولان.
..المعروف ان الزيجات تتم باحدى نقاط التفتيش بالقنيطرة ، حيث تجد مجموعة مختارة من اقرباء العريس والعروس واقفين على الجانب الآخر يحتفلون بالفرح والدموع. قبل ان تودع العروس عائلتها وبيتها لانها هى فقط المسموح لها بعبور الحدود.
هكذا تمت زيجات " رويدة ووليدة حمد" . لقد قابلتهما فى جنازة والدهما بقرية مصده. لم يكن متاح امام الشقيقتين سوى عشرة ايام لقضائها فى سوريا مع ابيهما الذى على وشك مفارقة الحياة بعد صراع مع السرطان. كانت المرة الاولى منذ عشر سنوات التى يحصلن فيها على فرصة رؤية منزلهما .
على بعد سبعة كيلو مترات وفى قرية "الحضرة" كانت تمضى جنازة والدهما بدونهما .
"اذا ذهبت الى الارض المجاورة لمنزلنا استطيع ان أرى قريتى " ..وليدة هى التى قالت هذا قبل ان تضيف "رويدة ":" لا احد يهتم بوضعنا ، لا احد يعبأ بحقيقة افتراقنا عن عائلاتنا ، الذين نراهم فقط فى حالات خاصة كهذه ، حين نضطر لتقديم صورة لجسم والدنا المتآكل ليتم السماح لنا بالسفر...
رويدة قابلت زوجها منذ عشر سنوات بينما كانت تدرس فى دمشق اما "وليدة " فقابلت زوجها فى الاردن منذ ثمان سنوات .
الجدير بالذكر ان حركات مرور دروز الجولان يتم ترتيبها بواسطة وزارة الداخلية الاسرائيلية والتى بالتالى تبحث الامر مع جهاز الامن، اما دور الصليب الاحمر فيكون التوسط بين هذه الاجهزة وبين الحكومة السورية .
أسد كان قد قال لى ان "الكنيست كان قد مرر قانونا فى 2005 بشأن لم شمل العائلات ، والتى لكى تتم تتطلب العبور من سوريا الى اسرائيل ، والتى بدورها يجب ان تتسلم ملف امنى عن الزائر والجانب السورى بالطبع لن يقدم شيئا كهذا .نتيجة لهذا الوضع أصبح عدد الزيجات بين دروز سوريا والجولان اقل .. اخر زيجة تمت كانت فى عام 2008 .
المعروف ووفقا للصليب الاحمر ان عدد الزيجات التى تمت منذ 1993 كان ما يقرب من السبعين. قبل ان تظهر التكنولوجيا الحديثة وبعد ان كانت تغلق المخيمات، اعتادت العائلات التى تفرق شملها ان تتجمع يوميا فوق تلتين فى منطقة وقف اطلاق النار، حيث كانت تستخدم مكبرات الصوت كطريقة للتواصل بينهم على مسافة 200 متر .
لقد سمعت احد مكبرات الصوت يكسر سكون الليل ليعلن وفاة رجل اصيب بازمة قلبية لمجرد رؤيته لامه بعد سنوات من الفراق. وبالرغم من ان الازمات القلبية ليست امرا شائعا الا انها مازلت ذكرى حزينة من بقايا الحرب.
بقايا الحرب والتفاح
السحب تجرى بين الجبال ، تعبر سوريا لتصل الى قرى الجولان غير عابئة بالحواجز والحدود. مازالت تشكل مرتفعات الجولان المهمة استراتيجيًا نقطة خلاف رئيسية بين اسرائيل وسوريا ، حيث يصر السوريون على استعادتها كشرط لاقامة سلام مع اسرائيل التى يصر قادتها على رفض اى محاولة للتخلى عنها.
الجولان تساهم فى مد اسرائيل بثلاثين بالمائة من المياه التى تحتاجها ، بالاضافة الى 422 مليون دولار امريكى تجنيها من السياحة والزراعة سنويا.
بالنسبة للمجتمع الجولانى فان التفاح مازال هوالمصدر الاساسى للدخل ." دروز الجولان كانوا من اوائل السوريين الذين زرعوا التفاح فى 1946".. قال لى هذه المعلومة سليمان مقط ، وهو يسترجع ذكرياته عن اليوم الذى وصلت فيه القوات الاسرائيلية الجولان عام 1967 فى تمام الثالثة والنصف بعد الظهر، ابن سليمان "بشير" كان قد اطلق سراحه مؤخرا من السجن ، بينما مازال ابنه الاخر "صدقى" فى السجن لتهم تتعلق بالامن.
التقيت ايضا ب "سميح ايوبى" وهو رجل فى الخمسين من عمره أخذ يتحدث بفخر عن انتصارات وبطولة دروز الجولان وعن رغبتهم فى عودة الجولان الى سوريا.
هو ايضا كان قد القى به فى السجن لعمله مع الجهاز السورى السرى خلال الثمانينات ، وحتى الان غير مسموح له بالسفر الى الاردن لمقابلة اخيه، ومع ذلك هو موافق على انه " هناك مكاسب اقتصادية من الاحتلال ومن انفتاح المجتمع " وان كان لا يستمتع بهذه الحقيقة. سامح يعتقد ان المقاومة هى السبيل لاعادة الجولان الى سوريا.
" الاحتلال بشكل او باخر ساهم فى جعل المجتمع اكثر انفتاحا ...ففى مناطق درزية اخرى لا يتمتع المجتمع بنفس الروح الليبرالية التى تجدينها هنا".. هكذا اخبرنى "نبيه حلبى " وهو رجل اعمال من الجولان فى منتصف العمر ، يملك افكارًا ولكن ليست لديه ادوات.
هو ايضا كان واحدا من الشباب الذين ساهموا فى المقاومة العسكرية والسياسية فى الثمانينيات ، وقضى اربع سنوات من عمره فى السجون الاسرائيلية أما حاليا فهو رجل وسيط بين مقاولين إسرائيليين وعمال من الفلسطينيين .
وبالرغم من كونه يساريا الا انه يرى فرصه الحقيقية فى سوق رأسمالى .
على العكس من "سميح" فان رجال الاعمال مثل "نبيه" يفضلون العمل و البيزنس على القتال .
احذر المتفجرات
"حقول الغام" كلمة تجدها دائما على لافتات صفراء براقة فى مناطق متفرقة بمرتفعات الجولان، وجزء كبير من البحر اما انه يحمل باحشائه الغامًا ثقيلة او على الاقل ليس امنا فى ظل هذه الشكوك حول امكانية زحف الالغام الى الشاطىء فى حالة وجود امطار غزيرة.
لا توجد خرائط او معلومات واضحة و متاحة عن الالغام او نوعها.ناهيك عن انها خطر على الحياة فبالرغم من كونها عديمة الفائدة عندما وضعت ما بين 1967 و1973 لمواجهة الدبابات التى عبرت الجولان الا انها مميتة فى مواجهة الافراد.
د.جميل ابو جبل المحامى الناشط بالمركز العربى لحقوق الانسان بالجولان "المرصد" قال لى ان اسرائيل تحتفظ بالمعلومات فى ملفات مختلفة و بتصنيفات متنوعة لاسباب امنية . جميل اضاف ايضا انه " نتيجة للاجراءات المشددة من قبل الجانب الاسرائيلى فان البحث عن معلومات متعلقة بالالغام يبدو امرا غاية فى الصعوبة .
هناك بحث ميدانى اجرى بواسطة "الحق"- احدى منظمات المجتمع المدنى الفلسطينية اظهر ان هناك 76 حقل الغام فى مرتفعات الجولان، بعضها قريب من او داخل بعض القرى العامرة بالسكان. منذ حرب 1967 تسببت الالغام فى مقتل ما يقرب من 16 شخصًا واصابة 45 اخرين باشكال مختلفة من العجز.
ووفقا للقانون الدولى فإن على قوى الاحتلال ان تقوم باخلاء المنطقة من الالغام التى تعرض حياة المدنيين للخطر.
" لا نعرف لماذا ترفض الحكومة الاسرائيلية تطهير المنطقة ، هم فقط يقولون ان ذلك لدواع امنية ." هذه هى كلمات د. جميل الذى اكد ان المدنيين يرون حقول الالغام على انها وسيلة غير مباشرة للتحكم بهم.
د. جميل اضاف ايضا ان بعض المنظمات الدولية معنية بهذا الامر للغاية وان كان السكان يحاولون التأقلم مع الالغام لكى تسير عجلة الحياة.
الغريب انه بالرغم من كل هذا فان تجارة التفاح استمرت بين الدولتين بالرغم من الصراع المستمر لاكثر من 40 عامًا.
منذ عام 2005 والصليب الاحمر يحاول تسهيل تصدير التفاح من الجولان الى سوريا . حيث يتم بيع ما يقرب من خمس الاف الى 10 الاف طن سنويا.
سوريا تبيع الكيلو بدولار واحد. و للعلم فان ما يقرب من 35 الف طن من التفاح تم تصديرها على مدى الاربع سنوات الماضية الى سوريا.
المعروف ان دروز الجولان يبيعون تفاحهم الى سوريا و اسرائيل " نبيع فقط لسوريا لاننا نثق فى قدرة الحكومة السورية على البيع و لكننا لا نثق فى الدول الاخرى." هذا ما قاله اسعد الصفدى من الصليب الاحمر قبل ان يشرح ان الصعوبة فى تصدير التفاح الى الدول الاخرى هى ان معظمهم فى حالة حرب مع اسرائيل.
" هذه الدول سوف تسأل بالطبع عن بيانات الدولة المصدرة و بالرغم من ان المصدرين هنا هم دروز الجولان الا ان الشهادة تحمل اسم اسرائيل "، وفقا لاسعد لا توجد دولة من الدول المجاورة لسوريا على استعداد لتحمل مسئولية استيراد تفاح الجولان، و "دروز الجولان" ليس لديهم رأس المال الكافى ولا البنية اللازمة لكى يصدروا منتجاتهم الى دول اجنبية.
فى الوقت الذى تنشغل فيه اسرائيل بحربها وصراعاتها مع سوريا يظل دروز الجولان فى انتظار معجزة لكى تحدث ، ويحاولون بناء مستقبل لم يأت بعد على الجولان الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية.
الشباب يفتقد ايام الجامعة فى دمشق فى الوقت الذى يعمل فيه باسرائيل ويحصل على مقابل مادى يصل الى اربعة اضعاف ما يمكن ان يحصل عليه فى سوريا. بل ويحلمون بالخروج الى العالم الكبير وباليوم الذى يستطيعون فيه رؤيته .
"التفاح" مصدر للربح ولكنه مقيد وعاجز بسبب السياسة ، مثله مثل اى وجه آخر للحياة فى ظل استمرار الصراع العربى الاسرائيلى.
مازال الاباء الدرزيين يتحدثون عن ايام الإضرابات والمجد فى الثمانينيات .يتذكرون سلطان باشا ويرفعون الإعلام السورية جنبا الى جنب الإعلام الدرزية. هذه هى الحياة الى ان تتحقق معجزة السلام فى يوم ما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.