فوز طلاب فنون جميلة حلوان بالمركز الأول في مسابقة دولية مع جامعة ممفيس الأمريكية    أمين "حماة الوطن" يكشف عن استعدادات الحزب لانتخابات "الشيوخ"    رئيس النواب يفتتح الجلسة العامة لمناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة    وصل ل 4900 جنيه.. سعر الذهب اليوم في مصر يرتفع بمنتصف تعاملات الأحد    أسعار البيض اليوم الأحد بالأسواق (موقع رسمي)    رئيس "اقتصادية النواب" يستعرض مشروع قانون ملكية الدولة    مجلس النواب يوافق على مشروع قانون تنظيم ملكية الدولة في الشركات    عاجل- السيسي يناقش مع مؤسسة التمويل الدولية دعم القطاع الخاص في ظل الأزمات الإقليمية    دمار هائل جنوب تل أبيب.. آثار القصف الإيراني على إسرائيل |فيديو وصور    طهران تؤكد استمرار الهجمات على إسرائيل وتصفها ب"الرد المشروع"    قتل نائبة وأصاب ثانيا.. مسلح يستهدف نواب أمريكا وقائمة اغتيالات تثير المخاوف    تدخل عاجل ل إمام عاشور بعد إصابته وخروجه من المونديال    محمد صلاح يحتفل بعيد ميلاده ال33 ب "تورتة صغيرة"    "برغوث بلا أنياب".. ميسي يفشل في فك عقدة الأهلي.. ما القصة؟    خطوط مميزة وهمية.. سقوط تشكيل عصابي للنصب على المواطنين في القاهرة    الداخلية تضبط 6 ملايين جنيه من تجار العملة    ماذا قالت إيمي سمير غانم عن أغنية "الحب وبس" ل فضل شاكر    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    المؤتمر السنوي لمعهد البحوث الطبية يناقش الحد من تزايد الولادة القيصرية    لأول مرة عالميًا.. استخدام تقنية جديدة للكشف عن فقر الدم المنجلي بطب القاهرة    ضبط 59804 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة في حملات مكثفة على الطرق والمحاور    إيران تتهم أمريكا بالتورط في هجوم إسرائيل.. وتتوعد بالرد    إقبال كثيف على فعاليات مكتبة مصر العامة بالدقي خلال الأيام الماضية    حميد الشاعري يعود.. طرح برومو أغنيته المنتظرة «ده بجد ولا بيتهيألي»    «الزناتي» يفتتح أول دورة تدريبية في الأمن السيبراني للمعلمين    جامعة القاهرة تنظم أول ورشة عمل لمنسقي الذكاء الاصطناعى بكليات الجامعة ومعاهدها    ضبط أكثر من 5 أطنان دقيق في حملات ضد التلاعب بأسعار الخبز    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    ارتفاع سعر الدولار اليوم الأحد 15-6-2025 إلى 50.81 جنيه أمام الجنيه المصرى    استمرار القصف المتبادل.. ارتفاع عدد قتلى إسرائيل في اليوم الثالث للتصعيد مع إيران    البابا تواضروس يترأس قداس الأحد في العلمين    الأنبا إيلاريون أسقفا لإيبارشية البحيرة وتوابعها    السجن المشدد 7 سنوات لمتهم بتعاطى المخدرات في قنا    ضبط تشكيل عصابي تخصص في النصب على المواطنين بزعم توفير خطوط محمول مميزة بالقاهرة    اتحاد نقابات المهن الطبية: اليوم صرف معاشات يونيو 2025.. وندرس زيادتها    فيلم سيكو سيكو يحقق أكثر من ربع مليون جنيه إيرادات ليلة أمس    معهد وايزمان جنوب تل أبيب: تضرر عدد من منشآتنا جراء قصف إيرانى ليلة أمس    «أمي منعتني من الشارع وجابتلي أول جيتار».. هاني عادل يستعيد ذكريات الطفولة    بعد جهود استمرت 5 سنوات متحف سيد درويش بالإسكندرية ميلاد جديد لفنان الشعب    «فين بن شرقي؟».. شوبير يثير الجدل بشأن غياب نجم الأهلي أمام إنتر ميامي    اعتماد النظام الأساسى لاتحاد شركات التأمين المصرية    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد الجديدتين والساحل الشمالي    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    أشرف داري: الحظ حرمنا من الفوز على إنتر ميامي    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    توافد طلاب الدقهلية لدخول اللجان وانطلاق ماراثون الثانوية العامة.. فيديو    حظك اليوم الأحد 15 يونيو وتوقعات الأبراج    وكيل الأزهر يشكِّل لجنة عاجلة لفحص شكاوى طلاب العلمي من امتحان الفيزياء    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    مجدي الجلاد: الدولة المصرية واجهت كل الاختبارات والتحديات الكبيرة بحكمة شديدة    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    كأس العالم للأندية 2025.. العجيزي يحذر لاعبي الأهلي قبل مواجهة إنتر ميامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. سمير غطاس يكتب: ملف التسوية فى الشرق الأوسط .. سوريا أولاً.. التوريث والتسوية (1)
نشر في المصري اليوم يوم 27 - 08 - 2009

بعد أن أغلقت مصر ومن بعدها الأردن ملفاتهما للتسوية السياسية مع إسرائيل، لم يعد هناك من يركض على مضمار هذه التسوية سوى الخيول السورية والفلسطينية التى أنهكها هذا الركض المضنى وراء المفاوضات السرية والعلنية والمباشرة وغير المباشرة ولكن من دون أن يصل أى منهما إلى حل أو تسوية يستعيد بها أراضيه الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلى منذ هزيمة 1967 وحتى الآن.
كانت إسرائيل - كعادتها - قد استغلت انعدام التنسيق والتوافق بين المسارين السورى والفلسطينى لتلعب على التنافس القائم بينهما وتذهب بكل واحد منهما على حدة إلى مشارف خط النهاية فى المفاوضات ثم ترتد به من جديد إلى المربع الأول ونقطة الصفر فى هذه اللعبة التى تعود فتبدأ ولكن لا تنتهى أبدا.
كانت المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية هى التى تستأثر بالتغطية الإعلامية الواسعة، ولم تكن فى العادة تسلم من حملات الاتهام والتشكيك والتجريح، بينما أحيطت المفاوضات السورية – الإسرائيلية، بالمقابل، بأجواء من التكتم والسرية رغم أنها لم تنقطع تقريبا منذ أن بدأت أولى جولاتها سراً فى العاصمة الأمريكية واشنطن فى يونيو 1994، وربما لهذا ينبغى إلقاء المزيد من الأضواء على أسرار وخبايا ملف هذه المفاوضات السورية – الإسرائيلية، لأنها مرشحة أكثر لأن تحتل الصدارة، ربما حتى على حساب المسار الفلسطينى، إذا ما جرى استئناف عملية التسوية العتيدة فى الشرق الأوسط..
كان ستة من رؤساء الوزارة فى إسرائيل قد تعاقبوا واحدا بعد الآخر على المشاركة فى المفاوضات التى جرت سرا مع سوريا، ابتداء بإسحق رابين ومرورا بشيمون بيريز وبنيامين نتنياهو ثم باراك وشارون ووصولاً إلى إيهود أولمرت الذى تميز، خلافا لأقرانة السابقين، بإخراج المفاوضات السورية – الإسرائيلية من الكواليس إلى النور ومن السر إلى العلانية.
ويبدو أنه لهذا السبب تزعزعت بعدها مكانة أولمرت واهتز كرسى الحكم من تحته، قبل أن يجرى القذف به إلى خارج مقر ملوك إسرائيل أو مكتب رئيس الوزراء الواقع فى 3 شارع كابلان فى مدينة القدس.
وخلافاً للانطباع السائد فى الشارع العربى فإن عام 2008 الماضى شهد تطورات بالغة الأهمية والخطورة على مسار المفاوضات السورية – الإسرائيلية التى احتضن جولاتها الوسيط التركى، وقد وصلت الأمور فى هذه المفاوضات إلى الحد الذى دعا الرئيس السورى بشار الأسد إلى القول صراحة لصحيفة «لاريبوبيلكا» الإيطالية فى 18/3/2009 إن سوريا وإسرائيل كانتا قريبتين كالشعرة من إبرام اتفاق سلام. وقد أكد الأسد الابن فى تصريحه هذا على ما كان أولمرت نفسه قد سبقه وقاله علناً فى 19/12/2008 فى المؤتمر السنوى لمعهد بحوث الأمن القومى هناك، أولمرت قال وقتها: إن اتفاق السلام مع سوريا هو أمر قابل للتحقق، وهناك إمكانية حقيقية وواقعية للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وسوريا قريبا جدا.
لكن يبدو أن هذه التصريحات الوردية جاءت متأخرة، وتعثرت مرة أخرى ولادة هذا الاتفاق العتيد ولم يخرج الجنين إلى النور رغم الحبل به منذ أكثر من 15سنة، لأن أولمرت نفسه كان على حافة الخروج من موقعه كرئيس لوزراء إسرائيل، فى الوقت الذى كان فيه الرئيس السورى يلح على ضرورة إشراك أمريكا فى عقد هذا الاتفاق بينما كان الرئيس بوش، غير المتحمس له، يستعد هو الآخر لمغادرة البيت الأبيض غير مأسوف عليه.
وهكذا ضاعت الفرصة التى قال الرئيس الأسد إنها كانت على بعد شعرة، وقد تكرر هذا السيناريو، على نحو مشابه، فى تجارب تفاوضية سورية – إسرائيلية سابقة، وبالنتيجة تبقى هضبة الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلى لأكثر من أربعين عاما.
لقد كان صحيحا، ولايزال، القول بأنه ليست لإسرائيل مصلحة فى التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا تنزل بموجبه عن هضبة الجولان التى احتلتها عام 67، لأنها تعتبرها زخراً استراتيجياً على المستوى الأمنى نظرا لطبيعتها الطبوغرافية المتحكمة من أعلى فى مناطق حيوية من إسرائيل، فضلا عن أهميتها القصوى كمصدر أساسى للمياه التى يتزايد الطلب عليها والحاجة الماسة لها.
وهذا الأمر يعنى بوضوح أن إسرائيل لن تنزل عن هضبة الجولان سوى فى حالتين: الحالة الأولى هى إجبارها على ذلك بالقوة، بالمعنى الشامل للقوة الذى هو أكثر اتساعا وشمولا من مفهومنا المحدود للقوة بمعناها العسكرى وحده، بينما يمكن أيضا استعادة هضبة الجولان فى إطار صفقة كبرى متوازنة قد تضطر إسرائيل لها إذا كانت ستضمن الحصول مقابلها على مرابح استراتيجية تعوضها النزول عن هضبة الجولان المحتل وتحفظ لها فى الوقت نفسه القدر الأكبر من شروط الأمن والأمان.
 وكل هذا يبدو بديهيا ومفهوما، لكن ما هو غير مفهوم ولا مبرر له هو استمرار هذا التناقض الصارخ بين الخطاب السورى الثورجى الذى لا يمل من امتشاق شعارات المقاومة ويتهم الآخرين ويتهجم عليهم، بينما يسود الصمت المطبق والهدوء التام والشامل هضبة الجولان المحتلة منذ 1974 وحتى الآن، وتمنع السلطات السورية بكل ما لديها من سطوة وقوة أى طرف كان من محاولة الاقتراب من الجولان المحتل والتفكير فى القيام بأى عمليات عسكرية أو غير عسكرية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلى هناك بما فى ذلك منع إلقاء الحجارة أو حتى التظاهر والمقاومة السلمية، وهذا المنع يسرى على الجميع بلا أى استثناء من الجيش العربى السورى نفسه إلى أى جماعة سورية أو أى جماعة أخرى من حلفاء سوريا المتواجدين على أراضيها أو إلى جوارها بما فى ذلك الحرس الثورى وفيلق القدس الإيرانى وحزب الله وحماس والجهاد وجماعة جبريل وأبوموسى وباقى الأبوات.
وربما لذلك تفاخر إسرائيل بأن جبهة الجولان المحتلة هى الأكثر هدوءاً وأمنا، وأن السلطات السورية سمحت العام الماضى بتصدير التفاح من إنتاج المستوطنات اليهودية فى الجولان عبر أراضيها، وإن كانت سوريا قد تقدمت بشكوى شديدة اللهجة للأمم المتحدة لأنها سمحت باستيراد نبيذ تنتجه نفس المستوطنات فى الجولان المحتلة.
وإذا بقيت سوريا تحافظ على منع الجميع من ممارسة الحق فى مقاومة الاحتلال، فإنه لم يعد أمامها سوى خيار التفاوض الذى يبدو أنه أحرز تقدما ملموسا فى نهاية العام الماضى بشهادة الرئيس بشار الأسد الذى أكد أن اتفاق سوريا مع إسرائيل كان على بعد شعرة وليس أكثر، وقد يكون هذا الأمر واحدا من الأسباب المهمة التى تدفع الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس أوباما للميل لما يسمى بخيار سوريا أولاً، وهناك العديد من المؤشرات التى تدعم هذا التوجه الأمريكى الجديد ليس آخرها قرار أوباما بإعادة السفير الأمريكى إلى دمشق، والتحسن الملحوظ والمطرد فى العلاقات السورية – السعودية التى تحمل المياه إلى نفس الطاحونة.
والحقيقة أن تفضيل أوباما لخيار سوريا أولاً جاء منسجما مع تأثره القوى بتوصيات لجنة بيكر – هيملتون وخاصة البنود من 8-17 التى أوصت بالانفتاح والحوار مع سوريا، فضلا عن تأثره بتقرير لريتشارد هاس أحد كبار الاستراتيجيين الأمريكيين الذى نشره فى الدورية الشهيرة «فورين آفيرز» ودعا فيه أوباما لاعتماد خيار سوريا أولاً. ويتطابق هذا الخيار مع المصلحة الأمريكية المباشرة، التى تميل أكثر له للأسباب التالية:
1- لأن صفقة سوريا أولاً ستشترط فصل أو عزل سوريا عن إيران، وهو مطلب إسرائيلى ويضعف موقف إيران فى حوارها مع أمريكا.
2- لأن صفقة سوريا أولاً ستتضمن التزاما سوريا بإغلاق حدودها مع العراق ومنع تهريب الأفراد والأسلحة لتأمين الانسحاب الأمريكى ودعم استقرار الوضع الأمنى فى العراق.
3- كما تسعى أمريكا من وراء صفقة سوريا أولاً إلى التزام سوريا بوقف إمداد حزب الله فى لبنان بالأسلحة.
4- ومن شأن خيار سوريا أولاً أن يخفف أو يضعف الدعم الذى تقدمه للفصائل الفلسطينية المقيمة فى دمشق.
5- ولأن خيار سوريا أولاً أقل صعوبة وتعقيدا من فلسطين أولاً، إذ لا توجد به قضايا أيديولوجية ودينية معقدة مثل ملفات القدس واللاجئين.
6- ولأن الطرفين «السورى والإسرائيلى» أعلنا على لسان الأسد وأولمرت أنهما كانا على بعد شعرة من إبرام اتفاق سلام بينهما بما يعنى جاهزية الطرفين، مع بعض الحوافز والضغوط الأمريكية، لإتمام الصفقة. ويخطئ من يعتقد أن المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل التى احتضنتها تركيا فى 2008، كانت الأولى من نوعها فى هذا المجال، إذ يحتفظ الطرفان بسجل طويل من المفاوضات السرية التى رعتها أمريكا مباشرة.
كانت أمريكا افتتحت هذه المفاوضات السرية فيما بات يعرف باسم «قناة السفراء» التى جمعت فى 29/7/1994 ايتمار رابينوفيتش السفير الإسرائيلى فى واشنطن بنظيره السورى وليد المعلم وزير الخارجية السورى الحالى الذى كان سفيرا لبلاده فى واشنطن آنذاك، وبعد شهور قليلة تطور الأمر وترقى إلى مفاوضات سرية بين رؤساء الأركان فى البلدين، وفى 21/12/1994 رتبت واشنطن لقاء سريا بين إيهود باراك واللواء حكمت الشهابى، وأشرف الرئيس الأمريكى بيل كلينتون بنفسه على رعاية هذا اللقاء.
لكن الشروط التى طرحها باراك استفزت الرئيس السورى الراحل الأسد الأب الذى رفضها وأوقف هذه القناة لكنه أبقى على عمل قناة السفراء، وكلف كلينتون السفيرين: مارتن إيندك، الذى يعود الآن لتسلم نفس الملف، ودينس روس، برعاية هذه المفاوضات وقد توصل الطرفان بهذه الرعاية الأمريكية إلى مذكرة تفاهم، ما أسهم فى عودة الروح لقناة رؤساء الأركان، وفى 26/6/1995 اجتمع اللواء الشهابى رئيس الأركان السورى باللواء آمنون شاحاك رئيس الأركان الإسرائيلى، وجرى هذا الاجتماع فى قاعدة بورت - ماكنير وتحت الإشراف المباشر لوزير الخارجية وارن كريستوفر، ونجحت أمريكا فى ذلك الوقت فى الحصول من رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحق رابين على ما بات يسمى «وديعة رابين» التى تعهد فيها بالانسحاب الكامل من هضبة الجولان إذا ما لبت سوريا احتياجات إسرائيل الأمنية.
لكن إنهاء الصفقة تعطل بسبب الخلاف على الترتيبات الأمنية التى اشترطتها إسرائيل فى الاتفاق، ولكن بعد فترة من تعليق المفاوضات وصل فجأة إلى إسرائيل السفيران مارتن إيندك ودينس روس وأبلغا رابين باستعداد الرئيس الأسد لإنهاء الصفقة، لكن رابين طلب إرجاء الأمر إلى يناير 1996، بعد أن يتمكن من الحصول على موافقة الكنيست على موازنة الدولة، لأنه - حسب القانون الإسرائيلى - تسقط الحكومة هناك إذا لم يصادق النواب على الميزانية، لكن رصاصات المتطرف اليمينى يجال عمير كانت أسبق، واغتالت رابين فى 24/11/1995 بعد حملة تحريض يمينية متطرفة صورت رابين وهو يعتمر الكوفية الفلسطينية لياسر عرفات.
لكن ملف التسوية السورية – الإسرائيلية لم يدفن مع رابين، وعاد شيمون بيريز فاستأنفه مع سوريا فى يناير 1996، لكنه - كعادته - مال أكثر للتوصل إلى اتفاقات اقتصادية مشتركة بين البلدين ما دفع سوريا إلى وقف المفاوضات معه، وبعد فوز نتنياهو على بيريز وترؤسه الحكومة هناك فى يونيو 1996 اعتمدت إسرائيل تكتيكا مزدوجا، ففى ظل الخطاب السياسى المتشدد لنتنياهو استؤنفت الاتصالات السرية مع سوريا بواسطة صديق نتنياهو الملياردير الأمريكى رون لاودر وآخرين.
لكن الاتصالات أجهضت بسبب خسارة نتنياهو الانتخابات أمام باراك، الذى أعطى دفعة قوية جديدة للمفاوضات السرية باجتماعه فى واشنطن بوزير الخارجية السورى فاروق الشرع، وشعر كلينتون، الذى كان متلهفا على نيل جائزة نوبل للسلام، بأنه قريب من التوصل إلى اتفاق للتسوية بين سوريا وإسرائيل، ومن أجل حسم هذا الاتفاق رتب لقاء مع الرئيس الأسد الأب فى جنيف فى 26/3/2000.
لكن اللقاء فشل والصفقة تعطلت، بسبب ما سمته المصادر الإسرائيلية الربط مابين ملف التسوية مع إسرائيل وملف التوريث فى سوريا، بعد أن طلب الأسد الأب، الذى عانى من مرض عضال، دعماً أمريكيا لأول عملية توريث فى النظام الجمهورى العربى لنقل السلطة إلى ولى العهد الدكتور بشار، الذى كان قد حل مكان الوريث الأصلى شقيقه المرحوم بشار الذى قضى فى حادث أليم على طريق مطار دمشق وبعد وفاة الرئيس الأسد الأب جرى على عجل تعديل الدستور ليتناسب مع سن الوريث ووسط إجراءات غاية فى الشفافية والديمقراطية جرى تنصيب الرئيس الجديد بشار الأسد فى 10/7/2000.
ونظرا لاهتمام الرئيس الجديد بقضايا أهم وأكبر من تحرير الجولان المحتل، تعاقبت السنوات التالية من دون تسجيل أى تقدم فى المفاوضات إلى أن عاودت عجلة المفاوضات دورانها من جديد فى العام الماضى 2008، والتى انتهت إلى الوقوف على بعد شعرة من الاتفاق على التسوية، حسب تصريحات زعيمى البلدين.
كان الطريق إلى استئناف المفاوضات السورية – الإسرائيلية فى تركيا العام الماضى قد مر بعدد من المحطات المهمة التى تستوجب التأمل والتحليل، ففى أكتوبر 2002 بلغ الصلف الإسرائيلى مداه حين قام الطيران الإسرائيلى الحربى بالتحليق فوق قصر الرئاسة السورى فى قلب دمشق، وعاد فكرر فعلتة ولكن بالتحليق فوق منزل الرئيس السورى فى مسقط رأسه، وفى يوليو 2006 شنت إسرائيل حربها العدوانية على لبنان والتزمت سوريا الصمت طوال فترة الحرب، لكن الرئيس السورى بشار الأسد فاجأ الجميع وألقى خطابا ناريا يوم 15/8/2006 واتهم فية القادة العرب بأنهم «أنصاف رجال»، وبعد أقل من عام جدد الرئيس السورى لنفسه ولاية ثانية تنتهى فى 2014 بعد إعلان وزارة الداخلية السورية فوزه فى الاستفتاء كمرشح وحيد للرئاسة بنسبة 99%من أصوات الشعب السورى الشقيق.
ولكن هذا لم يكن كافيا لردع إسرائيل عن الاستمرار فى عربدتها، فقامت فى 6/9/2007 بقصف جوى لمنشأة فى العمق السورى فى دير الزور بدعوى أنها منشأة نووية، ولكن الرئيس السورى أدار ظهره تماما لخطابه الشهير بعد الحرب على لبنان وقال ل«بى بى سى»: «إذا رددنا على إسرائيل عسكريا فسنعمل بحسب برنامج إسرائيل، لدينا وسائل أخرى خاصة كالرد السياسى»، ولم يتأخر رد الرئيس السورى كثيرا على العدوان الإسرائيلى فأعلن عن مشاركة سوريا فى اجتماع أنابوليس فى 27/11/2007، ومنع اجتماعا دعت إليه حماس فى دمشق للتنديد بمشاركة أبومازن فى أنابوليس نفسها، لكن حتى هذا الرد البليغ لم يردع إسرائيل عن عربدتها فقامت فى 12/2/2008 باغتيال عماد مغنية فى قلب دمشق.
 ثم انعقدت القمة العربية فى قلب دمشق نفسها فى 29/3/2008 وهاجم الرئيس بشار الأسد بقوة تعلق العرب بالمبادرة العربية للسلام، وبعد أقل من شهر واحد فقط كشف الرئيس الأسد الابن النقاب علناً فى 24/4/2008 عن المفاوضات التى تجريها سوريا وإسرائيل فى تركيا، وتحدث الأسد فى تصريحه هذا عن تسلمه رسالة من أولمرت عبر أردوغان تعهد فيها رئيس الوزراء الصهيونى بالالتزام بوديعة رابين، ولم يكن من قبيل المصادفة فى شىء أن تعلن الشرطة فى إسرائيل فى اليوم التالى عن مباشرة التحقيق مع أولمرت بشأن فضيحة فساد مالى داخلى وليس بسبب وديعة رابين.
 ولكن أولمرت الذى أزيح عن رئاسة حزب كاديما وواصل كأى إوزة عرجاء رئاسته للحكومة أبدى مزيدا من الجلد على مواصلة المفاوضات مع سوريا حتى الأيام الأخيرة فى ولايته حتى أعلن الطرفان عن أنهما كانا على بعد شعرة واحدة فقط من تحقيق التسوية، كانت سوريا هى من طالب فى نهاية مفاوضاتها مع إسرائيل بضرورة الانتقال إلى المفاوضات المباشرة ولكنها اشترطت ضرورة مشاركة أمريكا فى رعاية هذه المفاوضات المباشرة، وعندما سأل الرئيس الأسد فى قناة الجزيرة (نعم فى قناة الجزيرة) يوم 14/7/2008 عن تصوره للعلاقة المستقبلية مع إسرائيل بعد التسوية قال: «علاقات طبيعية مثل تلك التى تكون بين دولتين توجد سفارات وعلاقات واتفاقات»، وتشير كل التقديرات التى تتابع سير المفاوضات السورية – الإسرائيلية إلى أنها حبلى بجنين يشبه الخالق الناطق اتفاقية كامب ديفيد ولكن بتأخير لا يزيد على 30 سنة فقط..
 وكان بعض المعلقين فى إسرائيل غمزوا من قناة تركيا التى احتضنت المفاوضات الأخيرة بالإشارة إلى إقليم الإسكندرونة السورى الذى تنازلت عنه سوريا لتركيا ولم يمنعها ذلك من إقامة علاقات حميمة بينهما، وليس من المستبعد أن تعيد إسرائيل فى عهد نتنياهو تشغيل هذه الأسطوانة، كجزء من سياسته لصد رغبة أوباما فى إحياء خيار سوريا أولاً، ويبدو أن هذا ما حدث بالفعل مؤخرا عندما كشف النقاب فى إسرائيل عن الخطة التى حملها فردريك هوف مساعد جورج ميتشل عند زيارته الأخيرة لإسرائيل فى 15/7، والتى حملت عنوان «رسم خريطة السلام بين سوريا وإسرائيل».
ولم يتأخر نتنياهو عن الرد بإعادة طرح قانون تحصين الجولان الذى يقضى بضرورة عرض أى اتفاق حول الانسحاب من الجولان على استفتاء شعبى لإقراره، وهو ما يضع أوباما نفسه وخطته «سوريا أولاً» محل حرج شديد، وربما لهذا يتوجب علينا أن نرفع هذا الحرج عن الرئيس أوباما، ونهون الأمر عليه فقد انتظرت الجولان أكثر من أربعين عاما تحت الاحتلال الإسرائيلى، وما دام ذلك لم يحرجنا للآن، فليس على الرئيس الصديق أوباما من حرج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.