قال تعالي: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَي العَالَمِينَ) (33 آل عمران). وأصل الاصطفاء من الفعل (صفو) الذي يدل علي اختيار شيء وتخليصه وتصفيته من كل شائبة، والاصطفاء يكون من شيء أو علي شيء، فلم يرد علي الإطلاق في القرآن أو في كلام العرب أن الاصطفاء يكون من لا شيء أو علي لا شيء، فإذا وجد الاصطفاء وجد المصطفي منه أو المصطفي عليه، وإذا كان المصطفي فردًا فلابد أن يصْطَفَي من أفراد جنسه لا من أجناس أخري، فلا نقول: اصطفيت الحجر علي الناس أو من الناس، وإنما نقول اصطفيت الحجر من الأحجار أو علي الأحجار، واصطفيت فلانا من الناس أو علي الناس، فلا يصح اصطفاء شيء من غير جنسه أو علي غير جنسه، فهذا ليس له مثيل في الكتاب ولا في كلام العرب علي الإطلاق، بل لا وجود له في الواقع المشاهد والمنظور في الحياة أمامنا. فاصطفاء الله لآدم من دون شك ولا ريب يبرهن علي وجود خلق كثيرين من جنسه اصطفاه الله منهم أو عليهم.. وهذا يدل بكل وضوح علي أنه هناك جنس من المخلوقات كان مليئًا بالشوائب والأدران الخلقية والسلوكية في تكوينه وخلقته، فاختار الله آدم من هذا الجنس فاصطفاه عليهم، بأن قام بتصفيته وتعديله وتطويره عن بقية أفراد جنسه، فنقاه من الشوائب التكوينية التي كانت في خلقته الوحشية الحيوانية والتي كانت في جميع أفراد جنسه، فنقي سلوكه وتكوينه وقام بتعديله في طور خلقي جديد مصطفي علي بقية أفراد جنسه، ثم قام بتقديمه علي بقية أفراد جنسه بما حدث له من تصفيه وتطوير. ويؤكد مفهوم الاصطفاء هذا أن الله اصطفي إبراهيم علي قومه ومن قومه، واصطفي الله لإبراهيم وبنيه الدين (الإسلام) علي بقية الأديان الباطلة، واصطفي الله طالوت علي قومه، واصطفي مريم علي نساء العالمين، واصطفي موسي علي الناس، واصطفي من الملائكة رسلا، ولم يصطف الله البنات علي البنين، إذن فهناك أقوام وأمم وعالمين ونساء وأديان اصطفي الله منهم آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران وموسي ومريم، وكان هناك أديان كثيرة باطلة اصطفي الله منها الإسلام لإبراهيم وبنيه، فلا يمكن أن يثبت في بال أحد أن يكون الاصطفاء من لا شيء أو علي لا شيء، واصطفاء الله لآدم كان من جنس له وجود فعلي حقيقي في الأرض وليس اصطفاء من العدم كما يظن معظم الناس. قال تعالي عن إبراهيم: (وَلَقَدِ اصْطَفَينَاهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (130 البقرة). (وَوَصَّي بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيعْقُوبُ يا بَنِي إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَي لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (132 البقرة). (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّي يكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَينَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيكُمْ) (247 البقرة). (وَإِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يا مَرْيمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاك وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَي نِسَاءِ العَالَمِينَ) (42 آل عمران). (قالَ يا مُوسَي إِنِّي اصْطَفَيتُكَ عَلَي النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي) (144 الأعراف). (اللَّهُ يصْطَفِي مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) (75 الحج). (قُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَي عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَي) (59 النمل). (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَينَا مِنْ عِبَادِنَا) (32 فاطر). (أَصْطَفَي البَنَاتِ عَلَي البَنِينَ) (153 الصافات). (لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَي مِمَّا يخْلُقُ مَا يشَاءُ) (4 الزمر). فلا يكون الاصطفاء إلا من جنس المصطفي منه أو عليه، ولا يكون اصطفاء من لا شيء أو علي لا شيء، فاصطفاء الله لآدم كان من جنسه الذين خلقهم الله من تراب ثم اصطفي منهم آدم، واصطفاء الله لآدم يدل من دون شك أو ريب علي وجود جنس من المخلوقات اصطفي الله منه آدم. للحديث بقية