انطلاقا من ثقتي في الانفتاح الفكري لمؤسسة «روزاليوسف» العتيدة أقدمت علي هذا المقال بحكم قومية وأهمية الموضوعات والقضايا التي تضمنها الحديث محل هذا المقال، فكثيرا تتم حوارات مع مسئولين لا يكاد يتوقف المتلقي عند أي منها، إما لأنها تحتوي علي «كلام إنشا»، أو «شعارات انتخابية»، لا تنطبق علي أرض الواقع، أو من غير الممكن الإمساك بحقيقة واحدة منها.. غير أن الحوار الذي أجراه الكاتب الصحفي الأستاذ أسامة سرايا مع رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف، وتم نشره يوم الجمعة الماضي (24 سبتمبر) كان له شكل مختلف، وكانت به عدة جوانب مميزة.. نتوقف اليوم عند جوانبه الشكلية والمهنية، ونتناول غدا جوانبه الموضوعية والأدائية. أول هذه الجوانب، أنه حوار شامل، يغطي الجوانب المختلفة من واقع الحياة المصرية، إذ تمت مناقشة جميع القضايا التي تثار بشدة في الوقت الحالي، بدءا من قضية أرض مدينتي وتعامل الدولة مع الأراضي، والعلاج علي نفقة الدولة، ومستقبل وزارة الاستثمار، وقضية النقل في القاهرة والازدحام المروري، والانتخابات التشريعية المقبلة، وخطوات تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية.. إلي آخر القضايا المهمة. ثانيها: إنه حديث الأرقام والإحصاءات، لا حديث الشعارات والكلمات الجوفاء.. فالدكتور نظيف باعتباره رجل تكنولوجيا في الأساس، ومدخلاتها هي الواحد والصفر، كانت إجاباته شبيهة بتخصصه.. إذ كانت الأرقام حاضرة، وكانت الإحصاءيات المعبرة عن أرض الواقع موجودة.. ومميزة الأرقام أنها لا تحتاج معها إلي اجتهاد، أو تزويق.. وعندما تتحدث الأرقام تتوقف لغة الإنشاء وإن اختلف البعض حول مدي هضمها من جانب المواطن العادي. ثالثها: إنه حديث لا يخلو من الصراحة والشفافية من كلا الطرفين: السائل والمسئول، الصحفي ورئيس الوزراء.. إذ كان الحوار مليئا بالأسئلة التي تقفز علي شفاه كثير من الناس، وتحير كثيرين منهم.. كما كانت إجابات رئيس الوزراء واضحة وكاشفة، ويرد علي جميع الأسئلة الشبيهة بالطلقات النحاسية، والمليئة بالاتهامات للحكومة، بشفافية وبصدر مفتوح.. فليس لدي الحكومة ما تخاف منه، وليس لديها ما تخفيه. رابعها: إنه يمكن أن يصدق عليه «حوار الأمل»، إذ كانت إجابات رئيس الوزراء مليئة بالأمل في غد مشرق، وهذا الأمل أو التفاؤل قائم علي أرض صلبة من الإنجازات التي تحققت في السنوات الست السابقة، ومبني علي تخطيط محكم لمستقبل مصر في السنوات المقبلة.. وعلي حد تعبير أسامة سرايا «ادهشني أن أجد الدكتور أحمد نظيف متفائلا وسط هذه الأنواء، التفاؤل قوة، والرجل يمتلك الكثير منها، إن قدرته علي أن يري الغد بلا التباس، ومهما تكن الرؤية غائمة هي سر قوته». ربما تحفظي الوحيد، وقد يكون له رد، هو مساحة الحوار ومدي طول نفس القارئ في التتبع. وعندما تكون الملامح الشكلية لهذا الحوار علي هذا النحو من القوة، تكون جوانبه الموضوعية أكثر قوة، وهو موضوع حديثنا غداً إن شاء الله.