لم يحظ قرار انسحاب الكنيسة القبطية الارثوذكسية من مجلس كنائس الشرق الأوسط بما يستحق من اهتمام، خاصة بعد موافقة المجمع المقدس للكنيسة علي هذا الانسحاب. لذلك التقينا بالباحث نبيل منير الذي عاصر فترة تكوين الحركة المسكونية بمصر. ووضع أول لائحة للعمل المسكوني، كما ساهم في تشكيل لجنة الحوار الديني بها، وهو أحد أهم المراقبين والمتابعين لعمل المجلس وكواليسه ليحدثنا عن الحركة المسكونية والمجلس وقرار الانسحاب وخطورته في هذا الحوار. • كيف بدأت علاقتك بالحركة المسكونية؟ - في أوائل السبعينيات التحقت ببيت الشمامسة القبطي بالجيزة ومنذ هذا التاريخ بدأت علاقتي بالمتنيح نياقة الانبا صموئيل هذا الرجل الذي آمن بالفكر المسكوني إيماناً جعل منه رسالته التي يحياها في هذا العالم والمسكونية تعني أنسنة الأديان والأفكار بمعني أن الإنسان هو القيمة والرسالة والاهتمام، ولما كان هذا الفكر يأسرني قبلت أول دعوة من نيافته للمشاركة في الحركة المسكونية، وعاصرت فترات التكوين وساهمت بحكم تخصصي العلمي في تأسيس دار مكتبة العائلة التي كانت أحد أنشطة المجلس، والتي بيعت بعد نياحة الانبا صموئيل بفترة وحين استلم المجلس من ليس لهم علاقة بالعمل المسكوني باعوا المكتبة بفروعها العديدة في الوطن العربي وقبرص لشخص من الدروز ليحولها إلي مشروع تجاري صرف وكانت في رأيي أن هذا أول معول لهدم العمل المسكوني. أهلني نيافة الانبا صموئيل للعمل المسكوني من خلال محورين الأول: الدراسة المتعمقة للفكر واللاهوت المسكوني عبر أهم الجامعات المسكونية في العالم. والثاني: التأكيد علي إيماني بالعمل المسكوني كرسالة ولذلك ظللت طوال عملي بالهيئات المسكونية كمشارك ونشط ومحاضر بل ولم أقبل أن أكون موظفاً، وذلك بمجلس الكنائس، والاتحاد العالمي للطلبة المسيحيين، بل وقد وضعت أول لائحة للعمل المسكوني في مصر في إطار عمل اللجنة المسكونية للشباب، كما كنت أول المساهمين في تشكيل لجنة الحوار الديني. • ماذا تعني كلمة المسكونية؟ - من حيث المعني اللغوي تعني عالميا أو كل الأجزاء المسكونة بالبشر. وقد اطلقت الكلمة لتدل علي الجهود المبذولة لوحدة المسيحيين. • متي بدأت الحركة المسكونية؟ - بعد محاولات كثيرة.. ظهرت الحركة المسكونية الحديثة عام 1886 وتوالت المؤتمرات والاجتماعات من مختلف الطوائف. • ومتي بدأت الحركة المسكونية في مصر؟ - أسس بعض أعضاء الكنائس البروتستانتية والارثوذكسية المجلس الاستشاري المسكوني لخدمة الكنيسة في مصر عام 1962 ، بالتعاون مع بعض ممثلي مجلس الكنائس العالمي. وفي عام 1964 انضم لهذه الهيئة كاهن من الروم الكاثوليك وعام 1965 أصبح أعضاؤها 25 وفي عام 1967 انتخب الانبا صموائيل رئيساً لهذا المجلس. وكانت هذه هي شرارة العمل المسكوني بمصر. وجاء بعد ذلك مجلس كنائس للإسكندرية وجمعية التثقيف اللاهوتي. • هل هناك علاقة بين مجلس الكنائس والعمل السياسي؟ وماذا عن الاتهامات التي وجهت للمجلس؟ - في عام 1962 صدرت نشرتين عن بيت التكريس بحلوان تتهم المجلس بالاتهامات التالية: أولاً: أن مجلس الكنائس يدفع الكنائس إلي التدخل في سياسة بلادها. ثانيا: أنه يندد بخطط التنمية في الدول النامية. وثالثا: أن مجلس الكنائس يزعزع ولاء الكنيسة للوطن. ولما كانت هذه الاتهامات في زمن لا يحتمل هذا فضلاً عن وجود الرئيس الراحل جمال عبد الناصر علي كرسي رئاسة مصر بل والمحرك الأساسي لقضايا التحرير وعدم الإنحياز. وقام قداسة البابا كيرلس السادس بتشكيل لجنة مكونة 11 عضوًا أذكر منهم القس ميخائيل عبد المسيح وكيل عام البطريرك والقس مرقس داود والقس يوحنا جرجس والمهندس يوسف سعد وكيل المجلس الملي والمستشار فريد الفرعون وكيل مجلس ملي الإسكندرية والأستاذ ديمتري رزق السفير السابق والمستشار تادرس ميخائيل تادرس والدكتور مراد كامل والأستاذ ألبرت برسوم سلامة المحامي واجتمعت هذه اللجنة أكثر من مرة وتحصلت علي جميع الأوراق سواء نشرات الاتهام أو دستور عمل المجلس واجتماعاته وانتهت إلي تقرير مهم رفع إلي البابا كيرلس. وانتهي التقرير إلي عدة نتائج: منها أن المجلس: من الكنائس التي تقوم علي أسس قانون الإيمان المسيحي وعبرت عن رغبتها في التعارف والتآلف والتعاون في المهام المشتركة والواجبات العامة ومواجهة احتياجات البشر كأعضاء في الأسرة الإنسانية وتدعيم السلام العالمي وتقديم المعونة لكل البشر. ليس للمجلس أي نشاط سياسي من أي نوع ومستقل تماماً عن الأحزاب السياسية والحكومات والهيئات وبخصوص الرد علي الاتهامات جاء بالتقرير أنه ببحث سياسة المجلس ومواد وديانية فالإجابة هي كلا فليس المجلس منظمة سياسية ولا هو يسعي وراء نفوذ سياسي في حياة أي بلد، وحول الاتهام بأن المجلس ندد بالآثار السيئة لخطط التنمية في الدول النامية فذكر التقرير أنه ليس ثمة ما هو أبعد عن الحقيقة من هذا، فالمجلس قد اطري بلا تردد جهود الدول الحديثة في التنمية الاقتصادية والتصنيع بل وحث الدول الغربية لتعضيد مثل هذه الجهود القومية. وحول الاتهام بأن المجلس يزعزع ولاء الكنائس لأوطانها فأكد التقرير أن هذا أيضًا بعيد كل البعد عن سياسة المجلس التي لا تشرع ولا تأمر الكنائس الأعضاء بل إنه يشجع الثقافة الوطنية لكل كنيسة. وانتهي تقرير اللجنة بمناشدة قداسة البابا ألا يتخلي عن شعاره - الإحسان إلي المسيئين مهما كانت إساءاتهم - وتري أن تخاطب ضمير أولئك الذين لعبوا هذه اللعبة الخطرة ونناشدهم أن يعملوا للبناء لا للهدم... والمعول الذي رفعوه ضد كنيستهم سوف لا ينجح. • كيف بدأ مجلس كنائس الشرق الأوسط عمله وما هي سياسته وعلاقته بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية؟ - تأسس مجلس كنائس الشرق الأوسط سنة 1974 بجهود الكثيرين علي رأسهم نيافة المتنيح الأنبا صموئيل ويتكون المجلس من أربع عائلات: ويقصد بالعائلة الكنسية تلك الكنائس التي لها شراكة عقائدية وأسرارية وقانونية كاملة بعضها مع بعض وهي: أولاً: عائلة الكنائس الأرثوذكسية وهذه العائلة تتشكل من: كنيسة الإسكندرية للروم الأرثوذكس، كنيسة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، كنيسة الروم الأرثوذكس في القدس، كنيسة الروم الأرثوذكس في قبرص. العائلة الثانية: الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، وتتشكل من: كنيسة الأقباط الأرثوذكس، كنيسة السريان الأرثوذكس، الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية. العائلة الثالثة: الكنائس الكاثوليكية وتتشكل من: كنيسة أنطاكية السريانية المارونية، كنيسة الروم الملكية الكاثوليكية، كنيسة الأقباط الكاثوليك، كنيسة السريان الكاثوليك، كنيسة بابل للكلدان، كنيسة اللاتين في القدس، كنيسة الأرمن الكاثوليك. العائلة الرابعة: الكنائس الإنجيلية: السنودس الإنجيلي الوطني سوريا ولبنان، اتحاد الكنائس الإنجيلية الأرمنية، الاتحاد الإنجيلي الوطني في لبنان، الأسقفية بالقدس، اللوترية بالأردن، النبل الإنجيلي، الأسقفية بالسودان، الإنجيلية بالسودان المشمية بالسودان، الإنجيلية بالكويت، الإنجيلية بالجزائر، الإنجيلية بتونس، الإنجيلية بالبحرين، الإنجيلية بإيران. فالكنيسة القبطية الأرثوذكسية من المؤسسين لمجلس كنائس الشرق الأوسط، هذا أولاً وثانيًا المجلس يتشكل من أربع عائلات كما أوضحنا وبالتالي فالخلاف داخل حوارات المجلس واردة ومقبولة. وأن نشاط المجلس وعدم خضوعه لكنيسة من الكنائس الأعضاء بالشرق الأوسط يتوقف علي شخصية الأمين العام واللافت للنظر أن استقلالية المجلس ضعفت بعد الأمين العام الثاني خاصة أن بعض الأمناء والأمناء المشاركين بعيدون عن الفكر المسكوني لذلك تحول المجلس إلي مجموعة من الأحزاب المتنافرة ومن هنا فقد المجلس رسالته وفلسفته المبنية عن المشاركة والحوار وقبول البعض. ومنذ عام 1994 أصبحت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مسيطرة علي المجلس وإدارته والمحرك الأساسي لترشيح الأمين العام واختياره وباقي موظفيه كان هذا الإحساس الشائع لدي باقي الطوائف وعلي وجه الخصوص لدي عائلة الروم الأرثوذكس بعدما انتزع منصب الأمين العام من الأمين العام الثاني الذي كان ينتمي للكنيسة الأنطاكية للروم الأرثوذكس وما أشيع داخل أروقة المجلس من اتفاق ما بين الأمين العام الثالث في ترتيب أمناء المجلس والكنيسة القبطية خاصة أن الأخيرة قامت بتعيين أحد الموالين رغم أنه كان بعيدًا عن الفكر والثقافة والعمل المسكوني وكان يوجد بالمجلس من هو أحق منه بذلك المنصب، وكان عمل الأمين المشارك هو الدفاع المستمر عن الكنيسة القبطية بداع وبغير داع مما أكد الإحساس بأن المجلس أصبح إحدي هيئات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وفقد استقلاله وزاد ذلك الإحساس اختيار أمين عام ينتمي إلي الكنيسة القبطية مما دعا بطريرك القدس للروم الأرثوذكس أن ينقل الإحساس إلي كلمات بقوله «أنه نادي البابا شنودة» This shenouda club وقام الأمين العام الحالي بنقل هذا الكلام إلي قداسة البابا شنودة الثالث ونيافة الأنبا بيشوي والذي اتخذ قرارًا بانسحاب الكنيسة القبطية من مجلس كنائس الشرق الأوسط - وأيده قداسة البابا ثم المجمع بعد ذلك. واشترطت الكنيسة القبطية لعودتها اعتذار كنيسة الروم الأرثوذكس بالقداس... والذي لم يحدث. • وما رأيك في هذا الانسحاب وما هي أضراره؟ - عمومًا إن اعتبرت مقولة بطريرك القدس للروم الأرثوذكس من قبيل الإهانة، إلا أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية جانبت الصواب بانسحابها لعدة أسباب منها: أولاً: أن المجلس هو شركة بين الكنائس الأعضاء وليس تابعًا لأي من الكنائس. ثانيًا: أن السلوك العام للكنائس الأعضاء داخل المجلس لابد أن يتسم بالروح المسيحية المحبة والمتسامحة. ثالثًا: أن الانسحاب ليس حلا، وإنما الانسحاب هو إهدار لجهد دءوب جاهد من أجله أناس آمنوا بالرسالة المسكونية والروح المسيحية المحبة وأسسوا مجلس كنائس الشرق الأوسط. رابعًا: أن المجلس هو مدرسة الحوار وقبول الآخر كما هو. ولو فشل الحوار بين اتباع المسيح فلا تكون هناك مصداقية للادعاء بالحوار المسيحي الإسلامي. خامسًا: أن الهجوم والانسحاب إن دلا علي شيء فإنما يدلان علي تضخم للذات الفردية التي تعوق الحوار بين الإخوة المتساوين القابلين بعضهم بعضا. سادسًا: إن الحركة المسكونية التي تؤكد علي الحضور المسيحي في الشرق الأوسط من خلال شراكة الكنائس المتمثلة في مجلس كنائس الشرق الأوسط وهدم الحركة المسكونية هو تلاش للحضور المسيحي ورفض للحوار القائم علي قيمة الإنسان وإعداد القضاء المسكوني للحروب والانتقاد. إن احترام الإنسان يستلزم الحوار وشرط الحوار هو التعايش والمحبة والتعايش والمحبة هدفا المسكونين والمسكونية تنتهي إلي أن جميع البشر هم أعضاء في عائلة واحدة.