فتحت سرقة لوحة «الخشخاش» العديد من الأبواب المرصودة علي ما نعانيه من إهمال واضح لكنوزنا الفنية والأثرية والثقافية في مختلف المجالات.. وكالعادة لا يستيقظ السادة المسئولون من سباتهم العميق إلا بعد حدوث الكارثة، وتبادل الاتهامات، وتحميل المسئولية كاملة لشخص غير مسئول.. هنا نبدأ في تشكيل اللجان للحصر والبحث، وبالتالي تظهر الاعتمادات لصرف البدلات لأعضاء اللجان الموقرة، وينتهي عمل اللجنة بعد عقد عشرات من الجلسات بأن كل شيء تمام يا أفندم. بعد سرقة «الخشخاش» أثارت بعض وسائل الإعلام قضية أخري لا تقل خطورة عن سرقة لوحة الخشخاش، وهي اختفاء خبيئة رواد فن الخط العربي المعروفة باسم «خبيئة الغوري»، التي تم اكتشافها بوكالة الغوري قبل 17 عاما علي يد الفنان عزالدين نجيب، ثم اختفت منذ عشر سنوات تقريبا، وهي تتكون من 80 لوحة «يذكر البعض أنها كانت تضم 83 لوحة»، وتعد واحدة من أندر لوحات الخط العربي حسب تقرير خبراء المتحف الإسلامي، فقد كتبت علي يد مجموعة من أشهر وأبرع الخطاطين الأتراك والمصريين، وتمثل نماذج للخط الإسلامي منذ عهد الدولة الإسلامية حتي بداية القرن العشرين، حيث يرجع أقدمها إلي الحقبة العثمانية وبالتحديد عام 1558 بينما أحدثها يعود لعام 1916، وتتنوع ما بين آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأبيات من الشعر وحكم وأمثال. المثير في هذا الموضوع «كعادة وزير الثقافة» تأكيده أنه لا يعلم عنها شيئًا، وهو وبحسب ما نشرت جريدة «الأهرام» يتعارض تماما مع الواقع، فوزير الثقافة نفسه افتتح معرضها الوحيد الذي أقيم قبل 14 عاما وبالتحديد في 20 أكتوبر 1996 بمتحف الفن المصري الحديث بدار الأوبرا المصرية «نشرت الأهرام صورة زنكوغرافية للدعوة».. وفور النشر تشكلت اللجان الخاصة بجرد المتاحف والمخازن، وبعد أيام قليلة أطل علينا المسئولون بالوزارة بالعثور علي «الخبيئة» مختفية بمخازن الجزيرة وفي حالة جيدة! مهزلة بكل أشكال المهازل التي لا يجب أن تصدر عن موظف صغير، لا عن وزير مسئول أو رئيس للإدارة المركزية للمتاحف، التي تبين حجم اللامبالاة لدي بعض كبار المسئولين في الدولة.. ناهيك عن الخشخاش والخبيئة، السيد وزير الثقافة قام يوم الثلاثاء الماضي بزيارة متحف الجزيرة بصحبة كوكبة من الإعلاميين للتأكيد علي العثور علي «الخبيئة» التي زعم البعض بحسب تصريحات السيد الوزير للصحفيين بأنها غير موجودة، حيث قام سيادته بفتح أحد الصناديق التي تحتوي علي البعض منها، وأكد سيادته بالنص: أن البعض يقول إنها تضم 83 لوحة، لكننا اكتشفنا أنها تضم 80 لوحة فقط، ولا نعرف من الذي أخذ الثلاث الأخري «بدون تعليق».. واستطرد السيد الوزير في الحديث للصحفيين مؤكدًا أن سرقة لوحة الخشخاش لا يعني ضياع الدنيا والمطالبة باستقالة الوزير، مشيرًا إلي أنه تم سرقة 4 لوحات من متحف الفن الحديث في باريس في مايو الماضي، من بينها لوحة للفنان العالمي بيكاسو1 ولم يقف السيد الوزير عند هذا فقط، بل جدد انتقاده لمؤتمر المثقفين المستقلين وبيانهم الذي طالبوا فيه بإقالته، معتبرا أنهم لا يمثلون المثقفين لأن المثقف «بحسب تعريفه» لابد أن يكون مدركا للحضارات والثقافة المصرية في كل العصور! «أرجو أن يراجع السيد الوزير أسماء الموقعين علي البيان عله يعثر ولو علي شخص واحد تنطبق عليه مواصفات المثقف». أما بالنسبة لرد السيد الوزير علي اتهامات محسن شعلان المتهم الأول في قضية الخشاش، فكان ردا منطقيا ينبغي الوقوف أمامه للتأمل، فقد قال سيادته: بيننا وبينه القانون وسنري ما تسفر عنه التحقيقات، وإحنا شايلين عنه بلاوي كثيرة، وحاجزين عنه الكثير من الاتهامات.. ولم ينس السيد الوزير التأكيد أنه هو الذي عمل وافتتح متحف محمود خليل الذي سرقت منه اللوحة وكان مجهزا بأحدث وسائل التأمين، لكن موضوع تشغيله ده مسئولية الإدارة. تعليقي الأخير: إذا كان السيد الوزير يقر ويعترف بأنه شال عن شعلان بلاوي كثيرة، لم يتحدث عنها إلا بعد اتهام شعلان له بأنه المسئول الأول عن السرقة، فلماذا لم يحاسب الوزير شعلان الذي كان أحد المقربين منه قبل هذا الحادث، ولماذا تركه في منصبه؟ وما هي طبيعة هذه البلاوي؟ وربنا يكفينا شر البلاوي.