تقريبا اتفقنا معًا علي أن التليفزيون هو «علي بابا» هذا الزمان ونحن مشاركوه في سرقة كنوز المغارة وأهمها الوقت الذي تحول إلي فيض من مياه غير صالحة للاستهلاك الآدمي!، وفي المقال السابق بينت أن علي بابا اصطحب معه أربعين مسلسلاً خلال شهر رمضان، لكن نظرا للضعف العام الذي أعاني منه في علم الإحصاء وعلوم الإدارة والشطارة اكتشفت أنهم كانوا أكثر من أربعين مسلسلاً بمقدار الضعف أي أكثر من الهم علي القلب وعلي المخ وعلي الطحال أيضا!، ولم يتضمن العدد ما نتج عن سوريا والخليج بل وتركيا، عام كامل من التحضيرات والتجهيزات ومئات من الاستعدادات في ماسبيرو ومدينة الإنتاج الإعلامي بل وفي جميع المواقع الداخلية والخارجية التي يتم فيها كل هذا التصوير لعدد من الساعات بالآلاف كي يلحق أصحابها شهر الصوم ويعرضوا هذا الكم الهائل من الدراما في ذلك السوق أو المولد الذي غاب صاحبه وترك جحافل العاملين في قطاع الإنتاج يهجمون علي بيوت الناس كي يسرقون وقتهم وأموالهم وصحتهم أيضا! تجاوزت ساعات العرض عدة أيام متصلة والمال عدة جنيهات لفاتورة الكهرباء والصحة بعض ساعات من وقت النوم والراحة والعمل ضاع كل هذا مع كل مسلسل، ولم يقتصر الأمر علي تلك البلايا ولكن صاحبها بعض برامج السفاهة والتفاهة وطق الحنك بين الضيف والمذيع وكلاهما خبير في علم السماجة وفنون الاستظراف!، مع استنباط أجزاء متتالية لتمثيليات تتفوق علي بعضها البعض في الإسفاف، وكل منها عبارة عن معمل تفريخ لجيل جديد من المهرجين الذين يمارسون الانحطاط في لغة الحوار والتخاطب والتواصل بينهم وبين الجمهور. لم يدرك القائمون علي جهاز »علي بابا» أنه من المستحيل متابعة كل تلك المسلسلات سواء علي التوالي أو علي التوازي!، علي التوالي أي يراها المشاهد الواحد تلو الآخر دون أي فاصل للطعام والشراب وما يستتبع من ضرورات تبيح المحظورات!، أما المشاهدة علي التوازي فهي وضع عشرات من أجهزة «علي بابا» بجوار بعضها البعض وكل منها علي قناة مختلفة كما لو كان ذلك هو رصيف شارع عبدالعزيز!، وعلي المشاهدين مراعاة فروق الرؤية بين تلك المسلسلات، وقد أعاد الكتاب والمؤلفون اكتشاف قارة أفريقيا ممثلة في صعيد مصر!، توالت المسلسلات عن الصعيد وما فيه منذ عهد المماليك وحتي عهد سوق البلح وانتعشت اللهجة الصعيدية التي ابتكرها أهل الفن ما بين كلام «إمبابة» شمالا وحتي «دراو» جنوبا في خلطة سحرية لا يستوعبها أي من أبناء الصعيد حتي لو كان عبدالرحيم كبير الرحمانية قبلي وولده عبدالموجود! ولو سمح بعضنا البعض بالتعليق علي عينة من تلك المسلسلات نجد أن مسلسل الجماعة الذي كتبه وحيد حامد ووضع موسيقاه عمر خيرت كان له تأثير خاص علي كل من حاول فهم طبيعة عمل الإخوان المسلمين في مصر وخارجها، قام المؤلف بوضع قائمة المراجع التي استعان بها في كتابة الحلقات وغالبيتها من الأعمال المنشورة، واستعان كذلك بما قدمته الأحداث التي جرت في التاريخ القريب ونحن شهود لها. ومن المتوقع رفض الجماعة للمسلسل جملة وتفصيلا ورميه بكل نقيصة، أقلها تزوير التاريخ كما لو كان تزوير الانتخابات وأن الحكومة هي وراء ذلك العمل خاصة حزب الأغلبية، وسوف يمتعض جميع الكارهين للحكومة من ذلك المسلسل وسوف يتهمون القائمين عليه بالكفر لتطاولهم علي الجماعة وعلي الدين لأنهم فقط المسلمون أما بقية أهل الدنيا من الزناديق!، أما مسلسل شيخ العرب همام انعكست أحداثه خلال حقبة تاريخية لم يصل إليها الكثيرون عن تاريخ الصعيد وبه من الموضوعات من أشباه الأساطير التي يعشقها التراث المصري، ألا تتفقون معي أن علي بابا ونحن معه كلنا لصوص.. أي والله؟! *كاتب وأستاذ جامعى