تتسم حالة النشر في مصر بصدور العشرات من المجلات التي تحمل دلالات دينية.. رغم كونها غير ذلك؛ فهناك مجلات اجتماعية لها صبغة دينية، وأخري سياسية توظف الدين لصالحها.. وفي أي الأحوال لا تضيف أي منها للفكر الديني أي اجتهاد أو تطوير. ومن هنا تأتي أهمية تلك المجلة التي اقتنيتها مؤخراً.. إنها مجلة "دار الإفتاء المصرية"، ولم أكن قد شاهدتها قبل ذلك.. رغم أن العدد الذي قمت بشرائه هو العدد الرابع. ومن الواضح أنها مجلة لها طابع خاص ليس فقط من حيث جهة إصدارها؛ ولكن أيضاً من مستوي الأبحاث التي تقوم بنشرها.. خاصة إننا في الفترة الأخيرة لم نصدر مجلة دينية متخصصة بهذا الشكل لتعبر عن المؤسسة الإسلامية المصرية أمام العالم. يضم العدد المذكور 4 دراسات فقهية متخصصة فقط.. تأتي في مقدمتها دراسة أصولية متميزة عن (الحرية وتطبيقاتها.. قراءة في الفقه الإسلامي المقارن). وهو بحث يتناول الحرية في الفكر الإسلامي من حيث تعريفها وأنواعها وضوابطها. ويتناول بالشرح القواعد والضوابط الفقهية للحرية، وهي: أن الأصل في الناس الحرية، وأن الأصل براءة الذمة، وأن الأصل في الأشياء الإباحة حتي يدل الدليل علي التحريم، وأن التصرف علي الرعية منوط بالمصلحة، وأن الناس مسلطون علي أموالهم. ولقد انتهي البحث المذكور بأن الحرية منحة إلهية، وحق طبيعي للإنسان لممارسة أعماله، ولقد شرح بشكل جيد حرية المرأة في الاختيار خاصة في مسألة الزواج واختيار الزوج. ولقد رصدت ملاحظة عابرة لها دلالتها، وهي أن المجلة قد استكتبت أحد أساتذة أصول الفقه لكتابة كلمة العدد.. رغم أنه من خارج هيئة التحرير واللجنة الاستشارية. ولم يكتب كلمة العدد كما هو معتاد رئيس تحرير المجلة أو رئيس مجلس إدارتها؛ بل لم يكتبا فيها من الأصل. وهو إجراء يزيد من قيمة المجلة ومن الذين يسهمون بأفكارهم فيها.. لأنها تعتمد سياسة النشر لما يستحق من أبحاث ودراسات قبل أي معيار آخر. مجلة "دار الإفتاء المصرية" هي مجلة فصلية علمية محكمة للبحوث الفقهية والأصولية حسبما كتب عليها. وتضم في هيئة تحريرها العالم الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة (رئيس مجلس الإدارة)، والصديق العزيز الأستاذ الدكتور سامي عبد العزيز (رئيس التحرير). وهو ما يزيد من أهميتها العلمية وقيمتها البحثية. إن أهم ما يميز هذه المجلة.. إنها تعيد الريادة الدينية الإسلامية لمصر بعد أن حاولت بعض الدول المجاورة أن تقوم بهذه المهمة من خلال إصدارها العديد والعديد من المجلات الدينية. ولذا أعتقد أنه من المفيد أن يتم ترويج هذه المجلة بشكل جيد خاصة للمهتمين والمتخصصين ورجال الدين لأهمية قراءة ما تنشره علي نطاق واسع. وربما يضع القائمون عليها خطة قريبة المدي لتتحول إلي مجلة شهرية.