عدت إلي القاهرة بعد تنفيذ عقدي مع الثقافة الجماهيرية الذي استغرق ستة شهور قدمت فيها عرضين مسرحيين، كانت هناك مفاجأة في انتظاري، تم التخلص من كل زملائي الذين عملوا مشرفين فنيين في كل القصور، كما تم التخلص من هؤلاء الذين أرسلوهم إلي مواقعهم، أقصد الأساتذة سعد كامل وألفريد فرج وحمدي غيث، وفي اجتماع حاشد في مسرح الزمالك قال المسئول الجديد الدكتور عبد الحميد يونس: لقد أنقذت الثقافة الجماهيرية في اللحظة الأخيرة من الشيوعيين.. كانوا علي وشك الاستيلاء عليها. مناخ آخر بدأ يسود، الرغبة في رفض الهزيمة بالمزيد من النشاط الإبداعي والعمل بين الناس بدأت تختفي ليحل محلها ذلك النوع من الخوف الذي يدفعك للبحث عن عدو وهمي توجه إليه ضرباتك، كانت أياما خانقة فكل ما تكتبه من السهل إساءة تفسيره، ساد الاعتقاد عند الرسميين بأن كل عمل مسرحي بداخله قنبلة وعلي الرقيب البحث عنها وإبطال مفعولها، في تلك الفترة كتبت مسرحية عفاريت مصر الجديدة، ولم أقدمها إلي أي مسرح، كتبتها لكي أتقدم بها إلي مسابقة أقامتها اليونيسكو، اثنان فقط مرشحان للفوز بها، محمود دياب وكاتب هذه السطور، استبعدت لجنة القراءة المسرحية، قابلت بالصدفة الأستاذ نبيل الألفي الذي كان عضوا في لجنة القراءة الخاصة بالمسابقة، قلت له: أنا أفهم أن ترفضها الرقابة.. ولكنني أعتقد أن المقاييس الفنية وحدها ستكون المعيار الوحيد في مسابقة كهذه. فأجابني: المسرحية الفائزة سوف تنشر باللغة الانجليزية.. ماذا سيحدث عندما تنشرها إسرائيل بعد أن تكتب لها مقدمة تشرح ما فيها.. ألا يسيء ذلك لسمعة مصر؟ لذلك استبعدنا مسرحيتك. هكذا بدأت إسرائيل تقود قافلة الخوف في قلوب المثقفين وعقولهم، وبدأ النقاد يفقدون مقاييسهم الفنية في الحكم علي الأعمال بعد أن حلت محلها المعايير السياسية، هكذا بداوا يشيدون بالأعمال الزاعقة ذات الزوايا الحادة التي تخلو من أي إبداع. غير أن صدفة تاريخية أنقذت مسرحية عفاريت مصر الجديدة من الموت باسفكسيا الخنق في درج مكتبي، حدثت ثورة التصحيح التي قام فيها الرئيس السادات بوضع الحكومة كلها في السجن، فطلب المسرح القومي وكان يديره سعد أردش أن أقدم لهم المسرحية ليخرجها جلال الشرقاوي الذي أخرج لي من قبل «ولا العفاريت الزرق» في المسرح الكوميدي و«أنت اللي قتلت الوحش» في مسرح الحكيم، جاء عرض المسرحية في نفس الوقت الذي كانت فرقة الفنانين المتحدين تقدم عرض مسرحية مدرسة المشاغبين أيضا من إخراج جلال الشرقاوي في موسمها الشتوي بعد أن قدمتها في الاسكندرية صيفا، وبدأ موسم الهجوم علي كاتب هذه السطور، ولعل أظرف ما قيل في هذا الوقت هو: نعم.. هو كاتب مسرحي جيد، غير أنه ليس راسخا، والمسرح القومي يجب أن يكون للكتاب الراسخين، الناقد هنا لا يناقش العرض ولا يناقش النص بل يقدم بحثا عن الرسوخ في المسرح، ولم يتوقف الهجوم حتي الآن إلي أن جاءت حكاية السلام فحولته إلي حرب مقدسة بعد أن ظهرت تهمة جديدة مرعبة هي التطبيع. وفي عام 1996 وفي اجتماع للجمعية العمومية لأعضاء نقابة المهن التمثيلية ظهر الأستاذ حمدي غيث ليطلب من الحاضرين فصلي من النقابة، كنت عضوا في الشعب الثلاثة، التمثيل والتأليف والإخراج، حدث ذلك بعد شهور من التحقيق معي الذي قام به مستشار من مجلس الدولة داخل النقابة وانتهي إلي أنه لا توجد أي مخالفة قانونية في زيارتي لإسرائيل.. والعرض ما زال مستمرا.. يحيا الفن.. ويسقط الأغبياء.