كان القدر رحيماً بالمصريين، قاسياً على المسئولين هذه المرة فى حريق المسرح القومى، مقارنة بما حدث فى الخامس من سبتمبر عام 2005 فى قصر ثقافة بنى سويف، والذى أودى بحياة أكثر من 50 شخصاً، إضافة إلى إصابة نحو 36 آخرين. ورغم الدمار الواسع الذى لحق بالمبنى التاريخى، ولا تزال رائحة دخانه تزكم أنوف الجميع، إلا أنه لم يسفر عن وقوع قتلى، كان يمكن أن يتزايد عددهم بشكل كبير لو أن الحريق شب أثناء عرض إحدى المسرحيات، ولو كان المكان بعيداً عن مقر أحد أهم نقاط الإطفاء الرئيسية فى القاهرة، كما كان المسرح مزوداً بأجهزة إنذار وطفايات حريق بمبلغ يتجاوز الخمسة ملايين جنيه، والتى تكبدها الشعب وسيتكبد أضعافها بشكل أو بآخر مع ترميم المسرح وأعادته، وهذا صعب، إلى تحفة فنية كما كان. وفى الوقت الذى انفرجت فيه أسارير وزير الثقافة فاروق حسنى الأسبوع الماضى لاستقالة المرشحة المغربية التى كانت تنافسه على منصب مدير عام منظمة اليونسكو، طاردته تصريحاته التى كان أدلى بها أثناء حريق مجلس الشورى الأخير حين قال "نحزن للحريق لأنه قيمة أثرية ولكنه ليس تحت إشرافنا"، مطبقاً بذلك المثل القائل "بيتنا أهم من بيت الجيران" متناسيا أن الجيران مسئولون معه عن مصير شعب كامل يتوق إلى أن يهنأ يوماً من دون أن تقع كارثة بفعل التسيب والإهمال الحكومى وإلقاء التهم جزافاً على أسباب واهية مثل الماس الكهربى أو الشرارات المتطايرة أو أعقاب السجائر وغيرها. المسرح القومى كان الأمل الوحيد الباقى فى مواجهة الغث من الأعمال المسرحية التى لم تعد لها أية قيمة، وكان بمثابة الصرح العملاق الذى لا يمكن لأحد من المؤلفين أو الممثلين أو المخرجين الاقتراب منه، إلا إذا كانوا يمتلكون أدواتهم الإبداعية بشكل جيد، وفى المقابل كان يمنحهم شهادات الميلاد والتفوق. الحريق رغم أنه أسفر إلى الآن عن إصابات بسيطة تمثلت فى اختناقات عدد العاملين فى المسرح ورجال الإطفاء، إلا أنه فتح الجرح الغائر لضحايا حريق بنى قصر ثقافة بنى سويف الذى وقع فى الخامس من سبتمبر عام 2005. ومعروف أن المسرح قدم إلى مصر بشكله الحالى مع قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798م بقيادة نابليون بونابرت، وفى عام 1869م شيد الخديوى إسماعيل دار الأوبرا ومسرحاً ملحقاً بها، وأعدهما لاستقبال الوفود المشتركة فى الاحتفالات الأسطورية التى أقامها لضيوفه بمناسبة افتتاح قناة السويس، كما شيد الخديوى فى تلك الفترة مسرحاً آخر فى الطرف الجنوبى من حديقة الأزبكية المطل على ميدان العتبة عام 1870، وعلى هذا المسرح ولد أول مسرح وطنى، وشهد هذا المسرح عام 1885 ميلاد أول موسم مسرحى لفرقة أبو خليل القبانى فى القاهرة، كما قدمت فرقة إسكندر فرح وبطلها سلامة حجازى أشهر أعمالها على نفس المسرح من عام 1891 إلى 1905. وكان عام 1905 هو أول موسم لفرقة الشيخ سلامة حجازى على تياترو الأزبكية. ومنذ عام 1914م تراجع المسرح الجاد وازدهر المسرح الهزلى وحققت الفرق الكوميدية نجاحاً هائلاً، خاصة فرقة نجيب الريحانى وفرقة على الكسار. ومع تزايد المطالبة باستقلال مصر وإنهاء الاحتلال الإنجليزى تزايدت المطالبة بإنشاء مسرح قومى، حتى جاء 1921م لافتتاح المسرح القومى بأربع مسرحيات دفعة واحدة بمعدل يومين لكل مسرحية. وفى عام 1935 تم إنشاء الفرقة القومية المصرية بقيادة الشاعر خليل مطران تتويجاً للجهود المبذولة لحل أزمة المسرح، وافتتحت الفرقة معهداً للتمثيل وأرسلت البعثات للخارج. وفى أغسطس 1942 صدر قرار بحل الفرقة، وعندما قامت الثورة كان هناك فرقتان مسرحيتان كبيرتان هما "الفرقة القومية المصرية" و"فرقة المسرح المصرى الحديث". وفى الخمسينيات ظهر جيل جديد من كتاب و مخرجى المسرح يختلفون عمن سبقوهم وبدأوا بالفعل مرحلة جادة فى تاريخ المسرح المصرى الحديث ومنهم لطفى الخولى ويوسف إدريس ونعمان عاشور وسعد الدين وهبة وألفريد فرج ومن المخرجين نبيل الألفى وسعد أردش وعبد الرحيم الزرقانى وحمدى غيث. وفى الستينيات من القرن الماضى بدأ الفكر المسرحى فى البحث عن هوية مسرحية متميزة عن القالب التقليدى المستعار من المسرح الغربى، وجاءت آراء توفيق الحكيم ويوسف إدريس وغيرهما كمساهمات جادة فى هذا الطريق، وفى السبعينيات واصل الرواد عطاءهم، فقدم المسرح القومى عام 1972 مسرحية توفيق الحكيم "الأيدى الناعمة"، وقدم يوسف إدريس مسرحية "الجنس الثالث"، وقدم ألفريد فرج "النار والزيتون". لمعلوماتك من أبرز الأعمال المسرحية التى عرضت على خشبة المسرح القومى "وطنى عكا" و"عودة الغائب" و"السبنسة" و"سكة السلامة" و"كوبرى الناموس" و"رابعة العدوية" و"واقدساه" و"الخديوى" و"سليمان الحلبى" و"الزير سالم" و"ليلة مصرع جيفارا" و"ليلى والمجنون" و"الفتى مهران" و"دنشواى الحمراء" و"سقوط فرعون" و"أنطونيو وكليوباترا" و"هاملت" و"الملك لير"و"الأميرة والصعلوك" وغيرها.