الوضع الإقليمي لا يساعد في التحرك علي مسار القضية الفلسطينية في ضوء القضايا الداخلية التي تفرض نفسها علي أجندة كل دولة عربية علي حدة، كما أن قوي الممانعة التي تطالب بانتهاج خيار المقاومة قررت فعليا التحول إلي سلطات حاكمة، وتوجيه سلاحها إلي مخالفيها في السياسة في لبنان وغزة.. ناهيك عن أن سوريا خارج المعادلة العسكرية بالأساس، لذلك أعتقد أن السؤال الذي فرض نفسه علي الإدارة المصرية: هل نكتفي بالصمت ونترك إسرائيل تبتلع ما تبقي من الضفة الغربية أم نحاول تحريك الوضع الجامد؟ أعتقد أيضا أن قرار الرئيس الذهاب إلي واشنطن كان محاولة للإجابة عن السؤال السابق، وعدم ترك الوضع الراهن علي حاله، حتي ولو كانت نسب نجاح وفشل المفاوضات المباشرة تكاد تكون متساوية كما قال وزير الخارجية لصحيفة الأهرام قبل يومين.. وحتي لو كانت نسب النجاح تقل كثيرا عن خمسين بالمائة فإنه يجب التمسك بها لأنه لا يوجد بديل آخر في الأفق. لكن الرؤية المصرية لا تستند فقط لتحليل معطيات الواقع الإقليمي العربي فقط، وإنما تتسع لمناقشة الأوضاع في دول العالم المختلفة ذات التأثير في قضية الشرق الأوسط، فتركيا التي كانت تطرح نفسها باعتبارها وسيطا مقبولا بين الإسرائيليين والعرب، وسبق لها استضافة مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل، خرجت فعليا من المعادلة بعد ضرب أسطول الحرية.. وقد بدا واضحا أن التصرف الإسرائيلي العنيف تجاه السفن التركية هو رسالة إسرائيلية واضحة لأنقرة بأن دورها لم يعد مطلوبا. وبينما كان الصراع العربي الإسرائيلي هو القضية المحورية في الشرق الأوسط، عملت إيران علي تجيير هذا الملف إلي صالحها وتحويله إلي مجرد ورقة ضغط لحسم خلافاتها مع الغرب، سواء سلميا أو عسكريا، أو حتي لتثبيت أركان الحكم في طهران.. وهو ما قاله الزعيم الإصلاحي الإيراني مير حسين موسوي أول أمس حين قال ان نجاد يستخدم قضية القدس لتثبيت وضعه السياسي الداخلي. عالميا صحيح أن هناك اتفاقا دوليا علي ضرورة إقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا إلي جنب مع إسرائيل، فإن الآليات الأوروبية والدولية لتنفيذ هذا الوعد لا تبدو واضحة.. وباستثناء الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تسعي في هذا الملف يبدو أن الأوروبيين قرروا الاكتفاء بالوقوف خلف واشنطن فقط. وعلي الصعيد الأمريكي سيدخل الرئيس باراك أوباما عما قريب مرحلة الاستعداد للانتخابات الرئاسية، وهو بالطبع يريد البقاء فترة ثانية في البيت الأبيض، لكن عليه تقديم مبررات لهذا البقاء بعضها يتعلق بالسياسة الخارجية، وهو فعليا لم ينجز أي شيء في أفغانستان ملفه الأهم، بينما الانسحاب من العراق هو تنفيذ لما تم الاتفاق عليه في عهد خلفه بوش الابن.. لذلك فإن الرئيس الأمريكي سيسعي جاهدا لاستغلال ماتبقي من رئاسته الأولي لإحداث اختراق في الملف الفلسطيني.. لذلك ذهب الرئيس إلي واشنطن.. ليس لدعم أوباما.. وإنما لأنه الوحيد الذي يريد التحرك.. ويملك القدرة.. ولديه أوراق ضغط إذا استخدمها.