عقدي مع الثقافة الجماهيرية كانت قيمته 500 جنيه مقابل إخراج عرضين مسرحيين خلال ستة شهور، الأول كان بير القمح + أغنية علي الممر والثاني كان الراجل اللي ضحك علي الملايكة الذي عرض قبلها بسنة في مسرح الحكيم أي في موسم 1966 من إخراج نجيب سرور، لم يكن يجب أن تضيع مني دقيقة واحدة لذلك طلبت من محجوب عبده مدير القصر أن يدعو كل هواة المسرح في أسوان إلي لقاء معي في المساء وهذا ما حدث بالفعل، كان نقاشنا عاما حول المسرح والمتاعب التي تواجههم في أسوان، كانت شكواهم الأساسية هي أن الناس لا تأتي إلي هذه العروض، وكان رأيي أن الناس لا تقبل علي العروض المجانية، لابد أن يدفع المتفرج ولو قروشا قليلة ليحترم العرض المسرحي، كل ما هو مجاني في الحياة لا يستحق الحفاوة به، من الممكن أن تكون ليلة الافتتاح فقط مجانية، فقال أحدهم: هم حتي لا يأتوا إلي عرض الافتتاح. أوضحت لهم أنه لابد أن يكون للعرض شباك تذاكر، وأننا يجب أن نعمل كالفرق المحترفة هذا إذا أردنا أن ننجح، الواقع أنني طوال النقاش كنت منشغلا بأمر آخر وهو دراستهم عن قرب والاستماع جيدا إلي أصواتهم وطريقتهم في التعبير عن أنفسهم، كنت في واقع الأمر أقوم بعملية توزيع لأدوار المسرحيتين (casting) وفي نهاية اللقاء قلت لهم: حسنا أيها السادة، لقد اخترت من بينكم عددا من الأشخاص، وأرجو في أقرب فرصة أن نعمل جميعا معاً.. فلان، ستلعب دور كذا.. فلان ستلعب دور كذا.. وبعد أن عرفت ظروف أعمالهم حددت موعد التدريبات بحيث لا تتعارض معها، وفي اليوم التالي لوصولي أسوان بدأت التدريبات علي العرض الأول، خصص لي مدير القصر غرفة في الدور الثاني، كان بها ثلاجة قديمة وجهاز تكييف في حالة سيئة ولكن أجمل ما فيها هو أنها تطل علي نيل أسوان، الواقع أن النيل في أسوان ليس هو هذا الذي تراه في القاهرة، النيل هناك بخيره بغير رتوش أو تدخل من البشر، إنه النيل الأصلي،إنه النيل كما صنعه الله سبحانه وتعالي أما نيل القاهرة ففي الغالب هو من صنع البلدية أو من صنع المحافظة في أحسن الأحوال. غير أن المسرح ليس تأليفا وإخراجا فقط، هناك الديكور والملابس والإكسسوار وهناك أيضا الموسيقي المصاحبة للعرض،وهناك المصاريف الإدارية مثل اللافتات وطبع التذاكر ودفاتر البردروة، إذا لم تكن من أهل المهنة فلاشك أنك لا تعرف ما هو دفتر البردروة، إنه الدفتر الذي يتم فيه رصد التذاكر المباعة كل يوم وهو دفتر معتمد من ضريبة الملاهي التي ستراجعه مع التذاكر المباعة كل يوم. لابد أنك تسأل نفسك الآن من أين عرف هذا المؤلف المغامر حكاية التذاكر والبردروة هذه، لا بأس.. في الأعوام 1953 1956 عملت في شباك التذاكر في سينما فاتن برأس البر وسينما اللبان في دمياط، كل خبرة تمر بها أو تمر بك، تكسبك شيئا ستكون في حاجة إليه يوما ما. واقع الأمر لقد مارست كل الأعمال المطلوبة في المسرح، حتي الفتونة في مواجهة هؤلاء الذين يريدون إفساد العرض المسرحي أو السينمائي. ولكن ماذا عن تكلفة الانتاج؟ لقد قلت لهم في القاهرة إنني سأقوم بتدبير نفقات الانتاج محليا من محافظة أسوان، وفي المقابل أنا أريد منهم شيئا واحدا.. إعلانا في الجرائد اليومية الثلاثة لمدة يومين، غدا الافتتاح الكبير ثم اليوم الافتتاح الكبير. كانت هذه هي المرة الأولي في الثقافة الجماهيرية.. خطوة علي طريق الاحتراف.