بالتأكيد أنت تذكر عبدالفتاح الكهربائي الذي حدثتك عنه بالأمس، الذي قام بمفرده بتركيب شبكة التوصيلات الكهربية في المسرح، والذي كان يستعين بكتاب باللغة الألمانية في التوصيلات، ولابد أنك تذكر أيضا أنه قام بتركيب قضبان حديدية في أعلي المسرح لحماية الشواية فأمكن بذلك تركيب ستائر ثقيلة عليها، ركب هذه القضبان في ساعات، جاءني عبدالفتاح يستأذن لأنه سيغادر أسوان.. هو ذاهب إلي أوغندا ليشترك في تركيب محطة كهرباء. فشكرته علي كل مجهوداته وطلبت منه أن يكتب لي، فرد علي بابتسامة عجزت عن فهمها ثم قال: واضح إن حضرتك لا تعرف إني لا أقرأ ولا أكتب.. يا إلهي.. عبدالفتاح العبقري الذي يجيد قراءة الرسوم الهندسية الكهربية في كتاب باللغة الألمانية، والذي أشهد أنه قام بمفرده بتركيب كل توصيلات المسرح الجديدة بأكبر قدر من معاملات الأمان.. هذا العبقري الذاهب إلي أوغندا للاشتراك في تركيب محطة كهرباء جديدة.. لا يعرف القراءة والكتابة؟.. يا إلهي.. لماذا لم يفكر أحد من رؤسائه في إقامة فصل دراسي خاص به لمحو أميته؟ وسافر عبدالفتاح ومنذ ذلك الوقت البعيد منذ ثلاثة وأربعين عاما في أسوان، انقطعت أخباره عني. نعود إلي التدريبات، في كل فرقة هواة ستجد ممثلا يجيد أشياء أخري إلي جوار التمثيل، ستجده يفهم في الإخراج وربما مارسه من قبل وفي الديكور، ويجيد صنع الاكسسوار ولديه حلول جاهزة أو علي الأقل مبتكرة لأي مشكلة تطرأ أثناء العرض أو التدريبات، هذا هو أحمد الخليلي الذي قام بعمل كل ما نحن في حاجة إليه علي خشبة المسرح، لا أعرف إن كنت تذكر أم لا أنني لم أطلب من إدارة الثقافة الجماهيرية ان ترصد لي مبالغ لتغطية الانتاج، كنت واثقا أنني سأقوم بتغطية ذلك من المحافظة، أضف الي ذلك أن الديكور لم يكن له أهمية كبري في المسرحيتين «بير القمح» و«أغنية علي الممر»، فالأولي تدور احداثها في الصحراء أي فيما نسميه المسرح العاري، والثانية في موقع عسكري يمكن إقامته بشكائر رمل تعطيك ما تريده من تشكيل، ثم ماسورة مدفع بازوكا صنعها الخليلي بسهولة، وماذا عن تكلفة الملابس العسكرية؟ ولماذا نشتريها؟.. من المؤكد أنه يوجد معسكر قريب للقوات المسلحة، علي أن أشرح لهم موضوع المسرحية واقترض منهم الملابس المطلوبة، فوافقوا علي الفور، بل كانوا كرماء معي عندما طلبت منهم ضابطا يحضر التدريبات علي مسرحية «أغنية علي الممر»، لمراقبة الحوار والحركة للتأكد من عدم وجود خطأ، لقد خدمت في القوات المسلحة، سلاح الإشارة قبل ذلك بعشرة أعوم، غير أنني لم أشترك في قتال فعلي. نأتي للشئون الإدارية، اتفقت مع إحدي المطابع علي أن تطبع لي التذاكر ودفاتر البردروه، أما تخوف الممثلين من أن أحدا لن يحضر الافتتاح، فقد تعاملت معه بجدية، الإعلانات التي ستنشرها الجرائد اليومية لمدة يومين ستكون مؤثرة للغاية في إقناعهم بأهمية العرض، أضف الي ذلك بطاقة الدعوة الفاخرة التي سأقوم أنا بنفسي بالذهاب الي مكاتبهم وتسليمها لهم، لا تنس انني كنت قد حققت بعض الشهرة من خلال العروض المسرحية التي قدمتها قبل ذلك في القاهرة والأقاليم، أنا تقريبا جاهز للافتتاح ينقصني فقط أن أدفع مائة وستين جنيها للمطبعة، طلبتها من المحافظ فدفعها علي الفور وفلوس الايرادات؟ ماذا أفعل لكي أتمكن من وضعها في البنك ثم السحب منها؟ اتضح أن هناك حساباً اسمه حساب الاتحاد، ما تودعه فيه تستطيع السحب منه، وجاء الافتتاح.. يا إلهي.. كل هذا النجاح؟