الموسيقي الحية تضفي علي العرض المسرحي جمالا، كان هناك بيانو في نهاية قاعة المسرح، سألت عن عازف بيانو فجاءوني بمدرس موسيقي، طلبت منه أن يراقب جيدا التدريبات علي مسرحية بير القمح،وأن يقدم علي البيانو عزفا مصاحبا لها من تأليفه، أما أغنية علي الممر فكانت موسيقاها مسجلة، هي ذاتها موسيقي الأغنية التي تدور حولها أحداث المسرحية من تلحين إبراهيم رجب وتأليف محمد العجمي. في معظم الأحيان هناك مفاجأة محبطة قبل رفع ستار الافتتاح، قبل العرض بساعة اعتذر أحد الممثلين، علي الفور ارتديت ملابس الدور، تكررت هذه المفاجأة غير السارة أثناء العرض وبعد أن تأكد الممثلون أنه لا شيء يوقف العرض المسرحي انتظموا في الحضور، في تلك الليلة الجميلة، وبعد نهاية العرض جاءني في الكواليس عدد كبير من مديري الشركات والهيئات المسئولة في أسوان لتهنئتي بالعرض فكان سؤالي لهم جميعا: هل تحب لموظفيك وعمالك أن يشاهدوا هذا العرض؟ فكانت الإجابة: طبعًا طبعًا.. في الصباح، مررت عليهم في مكاتبهم وبعت لكل منهم عددا من الحفلات، حددت مبلغ خمسين جنيها ثمنا للحفلة، غير أن المهندس محمد محمود رئيس المقاولين العرب قال: لأ.. سنشتري ليلة العرض بمائة جنيه. متوسط عدد العروض التابعة للثقافة الجماهيرية كان عادة لا يتجاوز ثلاثة أيام، اتصل بي حمدي غيث في اليوم التالي للافتتاح وسألني: حا تعرض كام يوم؟ فأجبته: شهر علي الأقل.. فصاح: يا مجنون.. حا تقدر تعرض شهر؟ فأجبته: علي الأقل.. لأن العرض محجوز لمدة شهر. أودعت الإيرادات البنك في حساب الاتحاد ، وكان من حقي بتوقيعي وأحد موظفي القصر أن أصرف منه ما أشاء، لذلك صرفت للممثلين مكافآت عن أيام التدريب وأيام العرض، أجمل ما يحدث للممثل الهاوي هو أن يتناول أجرا أي أجر عن العروض التي يشترك في تقديمها. كان الوقت شتاء، وما أجمل أسوان في الشتاء، كل يوم كان يأتيني وفد من الصحفيين والنقاد والإذاعيين، لمشاهدة العرض وتغطيته إعلاميا ونقديا، تحول الممثلون إلي نجوم يجرون الأحاديث مع الصحافة وأجهزة الإعلام، لذلك كان من السهل علي بعضهم أن يعملوا محترفين في القاهرة، اثنان علي الأقل، أحمد الخليلي الذي عمل مع الأستاذين فؤاد المهندس ومحمد عوض، وعثمان عبد المنعم الذي قدم أدوارا كثيرة في السينما والتليفزيون، ثم عمل لسنوات في فرقة المتحدين مع الأستاذ عادل إمام. جاء لزيارة الفرقة ومشاهدة العرض الدكتور فوزي فهمي وكان يعمل في ذلك الوقت معيدا بمعهد الفنون المسرحية، جاء ومعه عدد من طلبة المعهد وقال لي شيئا أزعجني بشدة، كانت بير القمح وأغنية علي الممر تقدمان في عرض واحد في نفس الوقت علي مسرح الزمالك بواسطة نجوم الفرقة المحترفين، قال لي الدكتور فوزي: لقد شاهد الطلبة العرض الذي تقدمه القاهرة، ويقولون إن العرض هنا أفضل بكثير، يقولون إن عرض أغنية علي الممر في القاهرة جيد، غير أن عرض أسوان أفضل منه، أما عرض بير القمح كما قدم في القاهرة فهو سيئ للغاية. بعد هذه الأخبار المزعجة نزلت من فوري إلي القاهرة، بالفعل كان عرض بير القمح التي أسموها ( البريمة) رديئا لدرجة مؤلمة. الكارثة تحدث علي خشبة المسرح عندما يتصور الممثل أنه يقدم كوميديا تحتم عليه أن يعمل كمؤلف، وبذلك يفسد العرض ويخسر الضحك. أنا أعتقد أن هذه المرحلة هي المسئولة عن فساد العلاقة بيني وبين المخرجين بوجه عام، معظمهم يوجد بداخله مؤلف فاشل عاجز عن التحقق.