قرأت منذ عدة أيام تصريح الأنبا بيشوي (سكرتير المجمع المقدس) الذي نشرته "روز اليوسف" اليومية حول تحذيره من دق الصليب علي المعصم، ثم قرأت بعد ذلك المقال المهم للصديق عبد الله كمال (رئيس تحرير روز اليوسف) الاثنين الماضي، والذي يحلل فيه ظاهرة دق الصليب من جميع جوانبها. وأود أن أسجل هنا بعض الملاحظات العامة عن تلك الظاهرة، والتي أتفق فيها مع ما كتبه رئيس تحرير "روز اليوسف"، كما أختلف مع بعضها الآخر. أولاً: إن ظاهرة دق الصليب ليست ضمن ما هو ملزم في العقيدة المسيحية؛ فهي مجرد ظاهرة اجتماعية.. ارتبطت بالموالد. كما أن ظاهرة دق الوشم بوجه عام لا تقتصر علي الموالد المسيحية فهي ظاهرة منتشرة في جميع الموالد المسيحية والإسلامية بمختلف محافظات الجمهورية. وإذا كان البعض يدق الوشم ليعبر عن دينه، فإن البعض الآخر يدق الوشم ليدلل من خلاله بإيحاءات تعبر عن القوة أو الجبروت مثل: الأسد أو الثعبان. بالإضافة إلي أن هناك من يرسم علامات وأشكالاً يعجب بها بدون أن يعرف ما ترمز له هذه الأشكال في حقيقة الأمر. ثانياً: أعلن الأنبا بيشوي في تصريحه الذي أكد عليه رئيس تحرير "روز اليوسف" أنه لم يدق صليباً علي معصمه، وأضيف إنني قد سألت البابا شنودة الثالث في لقاء شخصي معه سنة 1996 حول هذا الأمر تحديداً، وقال لي حينذاك إنه لم يدق صليباً علي يده. وهو ما يعني أن ظاهرة دق الصليب هي ظاهرة اجتماعية واقتصادية. أي أنها ترتبط باللهو الذي يحدث في تلك الموالد من جهة، كما ترتبط بشكل من أشكال البيزنس لمن يقوم بدق الوشم علي غرار الرسم (بالحنة) للسيدات في فنادق شرم الشيخ والغردقة. ثالثاً: إن العديد من أتباع الطائفتين الإنجيلية والكاثوليكية خاصة من ينتمي إلي محافظات الصعيد.. قد قاموا بدق الصليب علي معصمهم. ليس من منطلق ديني وذلك لسبب بسيط هو أن غالبيتهم من جذور أرثوذكسية من الأصل، فضلاً عن أنها ظاهرة مرتبطة في الوعي المسيحي لدي البعض بأنها نوع من التمسك بالإيمان المسيحي وعدم إنكاره، وهي أفكار تعود إلي عصور الاستشهاد. كما أنني قد شاهدت علامة الصليب علي معصم العديد من القساوسة الإنجيليين. رابعاً: أعتقد أنه قبل أن نطالب وزارة الصحة باتخاذ الإجراءات المطلوبة لمنع ظاهرة دق الوشم في الموالد.. أعتقد أنه من المفيد أن يصدر المجمع المقدس قراراً بالتحذير من تلك الظاهرة، كما يصدر قراراً بمنع تأجير أي مكان لمن يقومون بدق الوشم.. خاصة أن غالبية الموالد المسيحية تتم علي أراضي تابعة للكنائس أو الأديرة. وعلي أن تكون قرارات وزارة الصحة مرتبطة بعقوبات قانونية يتم تنفيذها علي من يتم القبض عليه متلبساً بهذه الجريمة التي من شأنها نقل العديد من الفيروسات والأمراض. خامساً: بالطبع إن اتخاذ مثل تلك القرارات هو دعم لقضية المواطنة، وليس من أجل المسيحيين فقط.. لأنه قرار يمس جميع الموالد المسيحية والإسلامية، كما أنه قرار مرتبط بالحفاظ علي صحة المصريين جميعاً. إن الإيمان الحقيقي بأي دين لا يرتبط بمظاهر خارجية.. بقدر ما يرتبط بسلوك يرتكز علي قناعات شخصية.