تابعت باهتمام شديد حوار الأنبا بيشوي (سكرتير المجمع المقدس) مع جريدة المصري اليوم في 11 أبريل الماضي، كما تابعت ردود الأفعال سواء من خلال المقالات التي كتبها احمد الصاوي بالمصري اليوم في 12 و14 و15 و17 أبريل الماضي، أو من خلال التعليقات علي شبكة الإنترنت. كما توقفت كثيراً عند تعقيب صديقي أسامة سلامة علي صفحات مجلة "روز اليوسف" يوم السبت الماضي تحت عنوان (الأنبا بيشوي.. المطران الطائفي). إن أخطر ما حمله حوار الأنبا بيشوي هو النبرة الدينية في مضمون إجاباته عن الأسئلة.. خاصة أن الإجابات كلها لم تخرج عن المساحة (الرمادية) بين الدولة المدنية والدولة الدينية.. للدرجة التي جعلت الحوار يتضمن بعض الكلمات التي تأتي علي النقيض من مفهوم دولة المواطنة التي لا خلاف عليها مطلقاً. وعلي سبيل المثال: الدولة المسيحية - مسلم معتدل - رئيس مسلم.. وهي الألفاظ التي يقابلها في وعي من يقرأ الحوار الألفاظ المتناقضة. وأود هنا أن أتناول قضيتين محوريتين في حوار الأنبا بيشوي، وهما: 1 الحديث عن آية الكتاب المقدس التي تقول (إن السلاطين الكائنة هي بترتيب من الله ومن يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله) حسب بولس الرسول في الكتاب المقدس لا تعني بأي حال الموافقة علي الخضوع لحكم مستبد، وأتفق هنا مع ما ذهب إليه أسامة سلامة: لماذا توافق الكنيسة علي مظاهرات الأقباط عند اختفاء فتاة أو الاعتداء علي أي كنيسة؟، وأسأل: لماذا إذن توافق الكنيسة علي تنظيم المظاهرات داخل مقراتها مثلما يحدث أمام المقر الباباوي بالعباسية؟. ولا يعني بأي حال من الأحوال التأكيد علي مبدأ أن الكنيسة القبطية تعمل علي التعايش السلمي مع المجتمع ومع النظام الحاكم.. أن تتحكم الكنيسة في انخراط المواطنين المسيحيين المصريين في العمل العام المصري. 2 قال الأنبا بيشوي إن (ما يهمنا في الدستور هو حرية الاعتقاد، فإذا كانت حرية الاعتقاد موجودة في الدستور القائم فلا يعنيني تغييره). وهي عبارة خطيرة تختزل مفهوم الدولة في جانب حرية العقيدة. رغم أن واقع الأمر يؤكد أن حرية العقيدة هي جانب ضمن جوانب عديدة ضمن منظومة المواطنة، كما أن حرية العقيدة ليست هي أساس دولة المواطنة. إن دولة المواطنة لا تتحقق إلا بقوة مؤسسات الدولة وتفاعلها مع مشاكل المجتمع اليومية في إطار من المساواة التامة بين جميع مواطني الدولة. كما أن المفهوم الحاكم لدولة المواطنة هو سيادة القانون من خلال تنفيذ أحكامه من أجل حماية منظومة الحريات العامة والشخصية للمواطنين، والذي يأتي من ضمنها حرية الاعتقاد. ويأتي قبلها العديد من مجالات الحرية (الفكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية..) لأنها في النهاية منظومة متكاملة لا تتجزأ، ولكنها تعمل مع بعضها البعض لترسيخ دولة المواطنة. أتفق مع صديقي أسامة سلامة في رفض اقتراح الأنبا بيشوي بتكوين مجلس حكماء نصفه مسلم ونصفه مسيحي، يقوم بتعيينهم شيخ الأزهر وبطريرك الأقباط.. لأنه تأكيد وتكريس للدولة الدينية التي تزيد من الأزمات والتوترات الطائفية. ولقد كنت أتمني أن يطالب الأنبا بيشوي بتفعيل دور المجلس القومي لحقوق الإنسان أو لجنة المواطنة وحقوق الإنسان بالمجلس الأعلي للثقافة أو لجنة حقوق الإنسان والمواطنة بالحزب الوطني أو منظمات المجتمع المدني المعنية بهذا الملف.. لتحويله لقضية وطنية بالدرجة الأولي. وبعد، لا يعني استخدام تعبيرات الدولة المدنية والمواطنة في حواراتنا.. إننا نعنيها، بل أحياناً كثيرة تكون النتيجة علي النقيض تماماً.