لم يكن الفراعنة ليعتقدوا أبدا انه سيأتي يوم تتحول فيه تماثيلهم الجرانيتية والحجرية الثقيلة الضخمة المنحوتة إلي تماثيل من البلاستيك الذي تم تدويره من مخلفات الزجاجات البلاستيكية.. ولم يكن الفراعنة يعرفون البلاستيك أصلا.. ولكن واحدة من أحفادهم الجدد استطاعت أن تقوم بهذا العمل المختلف والمتميز والذي يشمل عدة نواح قيمة ذات مغزي.. هذه الحفيدة هي الدكتورة ماجدة اميل الأستاذ بالمعهد القومي للبحوث وهذا العمل المتميز هو إعادة التدوير ثم عمل التماثيل وقد نشرت جريدة «روزاليوسف» تحقيقا عن هذا الأمر هذا الشهر.. والبلاستيك مادة مصنعة وقد ظهرت للعالم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر علي عكس ما قد يظن العديد من الناس ويعتقدون أنها من مساوئ القرن العشرين.. والحقيقة أنها قد أعلن مخترعها ألكسندر باركز عنها في عام 1862 في المعرض الدولي بلندن.. وقد تطورت صناعة البلاستيك والمواد المستخدمة فيه حتي صارت له أنواع عديدة اكتشف فيما بعد أن معظمها يحتوي علي مواد سامة.. وصار الهم الأكبر لمؤسسات ومنظمات الصحة حول العالم توعية الناس بخطورة هذه المواد وخاصة إذا تم حفظ الأطعمة فيها باردة أو ساخنة.. وفي منتصف القرن العشرين كان هناك توجه كبير ضد استخدام البلاستيك وخاصة بعدما تسبب في اختناق بعض الأطفال الذين كانوا يلعبون بعبوات بلاستيكية كبيرة وأدخلوا رؤوسهم فيها فأدت إلي اختناقهم.. ولكن فوائد البلاستيك الكثيرة ودخوله في صناعات عديدة صارت تعتمد عليه ولا يمكن الاستغناء عنه، جعل من الضروري التعامل معه بحذر وبفكر جديد دون التخلي عن وجوده.. وصارت أكبر المشكلات هي التخلص من البلاستيك المستهلك إذ أن حرقه يتسبب في تصاعد أدخنة سامة.. وهو لا يتحلل إذا ترك دون معالجة.. وبالتالي صارت فكرة التدوير هي تقريبا الحل الوحيد للبلاستيك.. وفي 1990 بدأ العمل بالفكرة في الولاياتالمتحدة ومنها إلي بقية أنحاء العالم المتحضر.. وأما عندنا فالأمر ما زال يحتاج إلي خطوات كبيرة وسريعة.. قد تكون أبحاث الدكتورة ماجدة إميل وربما غيرها من المؤشرات علي أننا لا نواكب العصر فحسب بل ونستطيع استغلال ما هو جديد بما يتناسب مع ثقافتنا وتطويع البلاستيك لفراعنتنا. ولكن هل ستتوقف الأبحاث عند المركز القومي للبحوث؟ أم تتم ترجمتها إلي حيز ضيق من التنفيذ المعرضي؟ أم يبدأ تعميم تنفيذ الفكرة علي مستوي كبير وعلي خطة عمل زمنية تجعل من الممكن تدوير البلاستيك بوجه عام في مصر كلها بحلول شهر كذا من عام كذا؟ هل من الممكن أن يطور أبناء الفراعنة أداءهم للوصول إلي التخلص بطريقة سليمة من بعض ملايين الأطنان من المخلفات بدلا من تراكمها في الشوارع بتلك الصورة المخيفة؟ صحيح أن البلاستيك قد يكون مفيدا، وأن تدويره سيكون أكثر إفادة.. ولكنه كان ولايزال وسيكون دائما رمزا لما هو غير طبيعي (وش بلاستيك)، ولما هو ضعيف ولا يحتمل الضغط، وللذي ينكسر بسهولة.. ولن يمت لحضارة الفراعنة بشيء أكثر من التماثيل التي تصنعها الدكتورة الفنانة ماجدة إميل.