يكاد يصل إلي أسماعنا جميعا في المشرق العربي إن لم يكن في كثير من بلاد المسلمين هذا المقطع من أغنية ضمن عشرات الأغنيات التي نهلّل بها في استقبال شهر رمضان! نحن نعرف من قبل وفي بضع آيات فقط من القرآن الكريم، القوانين التي بسببها كتب علي المسلمين الصيام كما كتب علي الذين من قبلهم . هذه القوانين التي تصلح من حياة الفرد والمجتمع لاندري ولانحاول أن ندري كيف تطمرها المواقف والعادات وتأويلات الدين التي تجعلنا في حالة ثبات ( استاتيكي). وذلك بالنسبة لما يدّعيه المسلمون وفقهاؤهم ودعاتهم وجماعاتهم المجاهدة بتفسيرات القرآن والحديث أو تلك التي تقاتل بالسلاح، بأنّهم علي معرفة بما يصلح أحوال النّاس، كلّ النّاس في الدنيا والآخرة. وكما سأستدلّ " برمضان جانا .. أهو جه ياولاد " فإنّنا إذا لم نكتشف في المستقبل وفي زمن قريب عاجل -حلاّ حقيقيا وجادّا - فسنظلّ علي حالنا بالنسبة لأحلامنا في مواكبة هذا العصر. وأكثر المنظومات دلالة علي أنّنا غير جادّين هو هذه الفكاهة السقيمة في أنّنا نزداد في كلّ رمضان من آلاف الأعوام التي مرّ علينا فيها هذا الشهر، برّا وتقوي وإحسانا وتسامحا وأخلاقا وفضيلة وصدقا ومسئولية في الانتقال من التخلّف ومواجهة ومحاربة الفقر وإسعاف الفقراء والمحتاجين ! والمفروض علي هذا المنوال أن نكون أنقي وأفضل أمّة ظهرت علي وجه هذا الكوكب! نحن ندّعي ذلك، لكن غالب الظنّ أنّه يمرّ علينا شهر في كلّ عام اسمه رمضان يباركنا بزيطة الأطفال " حلّوا ياحلّّوا.. رمضان كريم ياحلّوا، وتطويح الفوانيس التي ترفع من ازدهار الاقتصاد الصيني،وزخرفة الشوارع ومداخل البيوت بالزينات، وفرقعة البمب وغيره من الألعاب النارية، و تسلية الكبار بهذا الكمّ الهائل من المسلسلات التليفزيونية، ولغط الحوار والجدل مع النجوم والنجمات ومن اشتهر من قومنا غالبا بأشياء لاتمتّ بصلة لتقدّمنا ورقينا ، وما أحلاها! أحاديث وخناقات شوبير ومرتضي منصور. وأيضا وفي الشهر الفضيل علي وجه التحديد نمضي كأكفأالمستهلكين علي وجه هذه الأرض، تزيد تكاليفنا ومصاعبنا الاقتصادية . حيث تشعر الحكومات بالقلق من زيادة استهلاك الكهرباء والمطالبة بأن تقوم السلطات بدعم المواد الغذائية لضمان وصولها إلي جميع الأسر، وفرض الرقابة علي أسعار يرفعها تجّار مسلمون صائمون ،غالبا ما تسول لهم أنفسهم الاستفادة من زيادة استهلاك السكّر والزيت والدقيق والياميش . وترصد مجلّة الايكونومست أنّ ثلث عائد الإعلانات التجارية علي مدار العام يتحقّق في شهر رمضان وحده وبما يحظي به من مسلسلات وأحاديث رمضانية. وفي نفس الوقت فلقد عرف عنّا ونكاد نشهد العالم علي أنّنا أقلّ المنتجين في شهر الصيام، وتنخفض في بلادنا وعن عمد وترتيب ومواعيد خاصّة برمضان وباسم راحة الصائمين ساعات العمل. ويطول الحديث عن المخالفات والرذائل التي لايحدّها ما نردّده: وإن أحد شاتمك أو خاصمك أو نازعك فلتقل اللهمّ إنّي صائم! وحدّث ولاحرج عمّا تمتلئ به شوارع الصائمين المصلّين المتعبّدين المتهجّدّين من رذائل .. دعونا لاندخل في جدل عقيم حول أثر الإسلام ومناسباته، في المساعدة للانتقال نحو المستقبل، لكنّه حسب الأفكار والممارسات والوعظ الدائر حاليا، فإنّني لاأري أفضل من شهر رمضان لتركيز تملّق المشاعر الدينية لدي العوام والمتعلّمين أيضا! ويبدو أنّنا ليس لنا مستقبل في الصورة المريحة التي يرسمها الوعّاظ معمّمين وأفندية، في وسع المرء أن يشكّ في هذا المنتشر علي الفضائيات. وليس لك أن تعجب من وجود نفس الصيغة تقريبا علي كلّ القنوات وإن تعدّدت صور المعدّين والمتحدّثين! فكّر في مصلحة القنوات وعظمة الدين كمصدر للرزق والانتشار. والصور التي تبدو مختلفة ظاهريا، كلّها تقريبات للنظرية الأساسيةّ الأصليةّ نفسها في حدودمختلفة " الإسلام هو الحلّ" . أرجوك لا تجعل لذكاء جماعة " الإخوان " قيمة كبيرة في انتشارهم .. سوف تريحك أغنية "أهو جه ياولاد " ! وإذا كنت مولعا بالتاريخ فسيقفز إلي ذاكرتك أنّ نابليون بونابرت لم يجد أفضل من رمضان لمحاولة خداع المصريين، اهتم بمجاملتهم كمسلمين، حين وافق أوّل رمضان اليوم الذي بدأ فيه تحرك الحملة التي جردها لغزو بلاد الشام يوم 6 فبراير 1799م، فأقام احتفالا كبيرا باستطلاع الهلال، ليكتب بعد ذلك في منفاه في سانت هيلانة بأن ّ الأمر كان قطعة من الدجل الحقيقي.