ساعات قلائل ويطل علينا شهر رمضان بوجهه المشرق وتبتسم السماء من غرة الهلال رمز النور المبين. الله أكبر الله أكبر ربي وربك الله، هلال خير ورشد إن شاء الله. إنه رمضان، فاصلة من الفواصل التي قدرها الله بين الشهور. شهر التغيير في النفوس والأرواح، كما هو شهر التغيير في السلوك والعادات، إنه شهر القرآن كما هو شهر الصيام. وقدر روي ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليها وسلم أنه قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام، أي رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب، منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان" ويكفي للملازمة بين رمضان والقرآن قول الحق تبارك وتعالي (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًي لِّلنَّاسِ وبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَي والْفُرْقَانِ) (البقرة :185) صدق الله العظيم. ولقد ازداد اهتمام المسلمين بالقرآن في السنوات الأخيرة، خاصة في رمضان وانتشرت مؤسسات تحفيظ القرآن، وزاد عدد القرّاء الذين يختمون القرآن في رمضان في صلوات التهجد والقيام، وهذا كله من بشائر الخير وملامح التغيير لكن هلا توقفنا عند التلازم بين الصيام والقرآن؟ إن مهمة القرآن في الوجود أن يهدي للتي هي أقوم (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم الإسراء، وأن يخرج الناس من الظلمات إلي النور (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلي النور بإذن ربهم إلي صراط العزيز الحميد) إبراهيم، وأن يرشد إلي سبل السلام. ويحتاج القرآن ليؤثر في النفوس والعقول إلي استعداد خاص، واسمع إلي الإمام الشهيد حسن البنا وهو يشرح لماذا نزل القرآن في رمضان "وإنما نزل القرآن في رمضان؛ لأنه روح من الله يجب أن تجهز لها الأرواح بهجران المآثم والصوم من الشهوات جملة حتي يصادف وعاء خاليا فيتمكن، وتقع القلوب والأفئدة مبصرة علي ضوء واضح ساطع من سناه فترق وتخشع، فكانت المناسبة بين القرآن ورمضان" خواطر رمضانية للإمام الشهيد. ولقد غير القرآن حياة المسلمين، وصنع جيلا قرآنيا فريدا، حمل رسالة الإسلام إلي آفاق الدنيا، وفتح بالقرآن القلوب والعقول قبل أن يفتح بالدعوة البلاد والأمصار. لماذا؟ اسمع إلي البنا مرة أخري "كان القرآن في أمة خلت عند سلفنا الصالحين، ربيع قلوبهم، وقرة أعينهم، وحياة أرواحهم، ومشكاة صدورهم، وطيب أفواههم، وشهرة ألسنتهم، وغذاء عقولهم وأفكارهم، يقرأونه بالعشي والإصباح، ويتلونه بالليل والنهار، وهم حين يقرأون يفهمون، وحين يفهمون يعملون، وحين يعملون يخلصون، فيكشف الله عن قلوبهم الحجب، ويفك عن أفئدتهم الأقفال والأغلال، فيدركون ما يريد القرآن الكريم منهم، ويتوجهون إلي ما وجههم إليه، وما هو إلا سعادة الدنيا والآخرة: (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلي ذكر الله ذلك هدي الله يهدي به من يشاء...) الزمر. فما بالنا اليوم وقد قل تأثير القرآن في نفوسنا وأرواحنا؟ إن رمضان فرصة لا تعوض لاستعادة التأثير القرآني لإحداث التغيير الحقيقي في الفرد والجماعة، في الأمة والدولة. إن الإمساك عن الشهوات والعادات في رمضان يهيئ النفوس للإقلاع عن القعود عن التغيير والإصلاح في حياة الناس. إن امتلاك الإرادة في رمضان يجب أن يظهر أثره في تقوية إرادة التغيير في الأمة كلها للخروج من نفق الأزمات المظلم إلي نور الهداية الربانية، من ظلم العباد الجاثم علي الصدور إلي رحمة الله الواسعة التي ساوت بين الجميع، من استبداد الحكام وانفرادهم بالأمر إلي الشوري التي أمر بها الإسلام ونتلوها في آيات القرآن. أيها المسلمون في رمضان : إنه شهر التغيير فلماذا لا تكسروا حاجز الخوف من الظالمين والمستبدين وتقاوموا الظلم والفساد؟ إنه شهر الإرادة فلماذا لا تجمعون إرادتكم وتنضمون إلي قوافل التغيير من أجل الإصلاح وتشاركوا في "حملة التوقيعات" التي جاوزت نصف المليون مواطن بل زادت عن ذلك. إنه شهر القرآن، والقرآن يدعوكم إلي تطبيق القاعدة الأساسية في التغيير (إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم) الرعد. اسمع معي إلي البنا في خواطره الرمضانية التي كتبها في مقالاته في الثلاثينيات والأربعينيات من القرآن الماضي ينادي المسلمين "أيها الصائمون القائمون من المسلمين، إن القرآن لفظ، ودعوة، ودولة». ولست أخشي علي شيء منه الضياع والفناء، فإن معني الحفظ الإلهي محيط بها جميعا. فألفاظ القرآن باقية، ودعوته وأحكامه خالدة، ودولته أبدا قائمة، ولن يخلي الله الأرض من قائم لله فيها بحجته، ولا تزال طائفة من الأمة علي الحق ظاهرين لا يضرهم من ناوأهم، يقاتلون حتي تقوم الساعة، كما بشر بذلك الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم» واليوم أخي المسلم. . أختي المسلمة. . وأنتم علي مشارف شهر القرآن. . هل تدبرتم ماذا ستفعلون في رمضان؟ هل ستتخذون خطوة إلي الأمام في علاقتكم بالقرآن؟ إذا كنت أخي، أختي، حافظا متقنا، فكن فاهما متدبرا، متأثرا عاملا، داعيا واعيا بمقاصد القرآن ودعوة القرآن. وإذا كنا قادرين علي الحفظ، ورزقنا الله وعاءً جيداً، فأتم في رمضان حفظ القرآن لأقصي درجة لأن النفوس مهيأة ليس فقط للسماع ولكن للحفظ والإتقان. وإذا كنا أقل درجة فكن تاليا بتأن وليس بسرعة المتلهف علي إنجاز أكبر قدر من ختمات القرآن، لتقف أمام الآيات والأوامر والنواهي لتسأل نفسك: أين أنا من هذه الآيات وتلك الأوامر والنواهي؟ فالقرآن حجة لك أو عليك؟ وأقل درجة أن تكون مستمعا بخشوع إلي صوت حسن بالقرآن خاصة في صلاة التروايح، وفي التهجد بالليل والناس نيام، ولا تشغل نفسك بالنظر في المصحف لتتبع أخطاء وزلات الإمام، بل اشغل نفسك بالنظر في سلوكك إزاء ما تسمع من تعاليم وهداية القرآن. والله الموفق والمستعان.