حينما تسأل القاصة والروائية سلوي بكر: لماذا انسحبت من معركة الأتيلييه؟، سترد مؤكدة أنها لم تنسحب وأنها قامت بالمعركة علي أكمل وجه، وأقالت المجلس القديم، وكذلك محامي ومحاسب المجلس، وسترفض قراءة تعرض مجلس إدارة الأتيليه للحل لثالث مرة قراءة بعيدا عما حدث، وستضعها ضمن إطار عام، تغيب فيه فكرة العمل العام حتي بين المثقفين أنفسهم. لسلوي بكر روايات ومجموعات قصصية كثيرة، كان آخرها مجموعة "وردة أصبهان"، الصادرة حديثا عن الهيئة المصرية للكتاب، وهو الاسم الذي تحمله إحدي قصص المجموعة، وفيها ينفصل رجل عن امرأة كان قد انجذب لها لأنها تضع عطرا يحمل اسم "وردة أصبهان" ثم ابتعدا بعدما نفدت زجاجة العطر، ويبدو إطلاق هذا الاسم علي المجموعة غريبا، لأن للمجموعة موضوعات متنوعة، فهي تناقش انتشار الغيبيات لدي الشعب، وتوارث العادات والتقاليد الفرعونية، والآثار النفسية للعدوان الإسرائيلي علي لبنان، ومشوار رجل قضي شطرا من حياته في السجن قبيل ثورة يوليو ثم اتهام إحدي الفتيات له بالانتهازية، والعلاقة مع الوطن وغيرها، إلا أن سلوي بكر تفسر: "ربما اخترت عنوان وردة أصبهان لأنها رمز للأشياء الجميلة، التي تزول سريعا وتصبح ذكري وتاريخا، وربما أوحي لي بتلك القصة، ذلك الفيلم القديم الذي أخرجه المجري زولتان فابري تحت عنوان "السندباد"، وعرض في القاهرة أثناء فترة السبعينيات، وترتكز فكرته علي عادة قديمة عند بعض سكان القري الجبلية في المجر، وفيها يكتبون علي شواهد القبور أن فلان عاش ثلاث دقائق أو أربعا، وأثناء نوبة قلبية وقبل أن يموت بطل الفيلم يتذكر كل اللحظات السعيدة التي مرت بحياته، وقد كانت تلك اللحظات قليلة". بالمجموعة قصة واحدة تؤرخ لها بكر بتاريخ عام 1977 وهي "أما قبل وأما بعد" وهو ما يدعو للتساؤل عن تواريخ كتابة قصص المجموعة، فتجيب بكر: "المجموعة تتضمن قصصا قديمة بعضها كتب في القاهرة وبعضها أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، حيث كنت موجودة هناك أشارك في العمل الموجه ضد هذا العدوان مع المقاومة الفلسطينية ومجموعة من المصريين، حينها كنت أعمل بالصحافة بمجلة اسمها بيروت المساء كانت تصدر يوميا أثناء الحرب، وحينما كنت لا أجد مادة للكتابة، كنت أكتب قصة وتنشر بها، وكانت تلك القصص من موقع مشاهداتي الحياتية لما يحدث في هذه الحرب، وقد خشيت عليها من الافتقاد والضياع فنشرتها في هذه المجموعة". وكان اشتراك عدد من المثقفين المصريين مع المقاومة الفلسطينية أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، يمثل نوعا من الفعل الجماعي من قبل المثقفين تجاه أزمة تخص شعب بأكمله، وهو الأمر الذي كاد أن يختفي الآن في ظل أزمات عدة يشهدها المجتمع المصري تتعلق بحرية الرأي والتعبير، وتبرر سلوي بكر ذلك الغياب وتقول: "السبب الأساسي في غياب الفعل الجماعي عند المثقفين هو ظهور أجيال جديدة، تفتقد لفكرة العمل السياسي، لأن أي عمل جماعي هو عمل سياسي، وما ينطبق علي المثقفين ينطبق علي غيرهم، وأي تحركات ترينها الآن ما هي إلا مطالب فئوية تعبر عن مصالح فئة بعينها، ونحن لدينا مثقف بطوله، أي وحده بعيدا عن وجود تيار فني أو ثقافي عام، إلي جانب الانشغال بالحياة الخاصة والتكالب علي المكاسب الشخصية والفردية، والأخطر من ذلك هو ازدهار فكرة النخبة داخل النخبة، فهناك من الكتاب من يصفون أنفسهم بأنهم كبار الكتاب وكبار الشعراء والفنانين، ويفصلون أنفسهم عما يسموه ب"الرابش"، وهؤلاء يؤمنون أن المكاسب والجوائز وعضوية اللجان لهم وحدهم ، وهو ما يؤدي إلي تشرذم وغياب حقيقي لوجود أي تجمعات ثقافية عامة، إلي جانب علاقة المثقف بالسلطة وسيادة منهج "الكولسة" من الكواليس، فالمثقفون يقضون حاجاتهم واحتياجاتهم من الكواليس وليس بشكل مباشر". في قصة "ملكة الفولي"، تضطر البطلة إلي ارتداء "برنيطة"، حتي تتقي ضغط زميلاتها عليها بلبس الحجاب، لكن سلوي بكر لا تري أن ما فعلته بطلة القصة هو نوع من الخضوع لطلبات الزميلات، ولكنه موقف يطرح سؤالا علي القارئ، بخصوص معني ودلالة ورمزية وضع غطاء علي الرأس، وتقول: "كما هو شائع فإن وضع غطاء للرأس هو رمز إسلامي يرتكز إلي فكرة أن صوت المرأة عورة وشعرها وغيرهما، وبالتالي تعتبر المطالبة بتغطية شعر المرأة من باب القيمة الدينية، والسؤال هو: ماذا إذا غطت المرأة شعرها بطريقة أخري تحمل رمزية أخري، مثل القبعة التي تعطي رمزية تتعلق بالمجتمعات الأوروبية علي سبيل المثال؟، هذا سؤال مطروح علي القارئ وعليه أن يجيب عليه بنفسه". ولا تنظر بكر إلي المشاهدات اليومية التي تبرز التناقض في ملبس الفتيات علي حدة، بل تربط هذا التناقض بوجود أزمة أفكار كبري في المجتمع، ومأزق الهوية، وتراه تناقضا موجودا في كل شيء، وليس في الملبس فقط، ففي الأكل مثلا نجري علي محلات البيتزا والأكل الأمريكاني، وفي الوقت نفسه نتمسك بأكل البيت وهكذا". وحينما سألتها عن رأيها في الكتابات التي صدرت مؤخرا لفتيات وغيرهن من قبيل: "إني أحدثك لتري" و"يوميات عانس"، التي صدرت منها 8 طبعات، قالت: "8 طبعات أو عشرة لا قيمة لها فعدد الطبعات من قبل دور النشر الخاصة هو نوع من الأكذوبة وتزييف الوعي وتسييد قيمة تجارية تخدم الناشر، وطبعة واحدة في الهيئة العامة للكتاب بعشرين طبعة من القطاع الخاص"، وأضافت في لغة لاذعة: "هذا المجتمع متهافت جنسيا، فهناك أزمة جنسية طاحنة السبب فيها هو طبيعة الحياة والقيم السائدة وما هو مطروح في الفضائيات وغيرها، وهي أزمة نري تجلياتها في الطبيب الذي حول عيادته لبيت للدعارة، والناس تنتظر من ترفع الفستان أو الجونلة، حتي تري ما تحتها، والأمر نفسه بالنسبة للرجال، وهذا سر تهافت الكتاب الشباب علي كتابة المشاهد الجنسية التي لا لزوم لها، ويمكن قراءة ذلك من الناحية السياسية، فهذه الكتابات ظاهرها الرغبة في الحرية وباطنها الخنوع والركوع، لما هو سائد قيميا فيما يتعلق بالمرأة، في حين أن حرية الإنسان لا تبدأ إلا بحرية العقل، أي لا حرية للجسد إلا إذا تحرر العقل، كما أنها كتابات شكلانية تتماهي مع تسطيح كل ما هو قيمي في المجتمع، وهي الوجه الآخر للزي الإسلامي، والوجه الاخر للتعامل مع الظاهرة الدينية علي نحو شكلاني دون السعي للجوهر". وتابعت: "وهي ظاهرة كرس لها نقاد السلطة والدولة والأنظمة، فهناك تهافت من بعض النقاد خصوصا العجائز منهم للرؤية الشكلانية لكتابة المرأة، والبحث عن المخبوء داخل المرأة، والمسكوت عنه في الجانب الجنسي".