تشهد العاصمة اللبنانية بيروت خلال هذه الأيام نشاطاً عربياً مكثفاً، وذلك في إطار الجهود المبذولة من قبل جميع الأطراف لاحتواء الأزمة التي أثارها مؤخراً حزب الله في إطار تهديده للمحكمة الدولية التي تبحث في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير عام 2005، وذلك بعد أن تسربت أنباء مرجعها إحدي المجلات الألمانية «دير شبيغل» الألمانية، حيث رجحت أن هناك اتهاماً ما سوف يوجه لبعض قيادات حزب الله لضلوعهم في هذه الجريمة، وقد رفضت قوي 14 آذار جمعاء الأخذ بهذه الأنباء بل أدانتها ووصفتها بأنها محاولة تسييس للمحكمة الدولية. «حزب الله» وبكل بجاحة وبعد أن دمر لبنان مراراً وتكراراً نتيجة دخوله في حروب فاشلة مع إسرائيل، أعلن بكل وضوح القيام بحملة شعواء علي المحكمة مهدداً أنه إذا طالت المحكمة أحد قيادات الحزب سوف يدمر لبنان ويحرقها كلية! هذه الحملة تهدف إلي إثارة الرعب في صفوف اللبنانيين لدفعهم إلي مربع المفاضلة بين سلامة كل منهم والقرار الظني (علي اعتبار أنه سيتهم أفراداً من «حزب الله» بالضلوع في الجريمة)، كما تهدف إلي مزيد من التقويض لبنية الدولة وللقانون في لبنان حيث تبرز فئة علي أنها فوق القانون والأعراف والشرائع.. وحتي البشر، فالتهديد ضمناً بحرق البلد قبل صدور القرار هو ضرب من ضروب الاستقواء علي اللبنانيين بالقول لهم إن الحزب المذكور وكل من ينتمي إليه ليسوا من طينة البشر، وبالتالي هم خارج إطار المحاسبة. ما يحدث اليوم علي الساحة اللبنانية ليس مناسبة لتقديم الحساب بل للفت النظر إلي أن لبنان لا يمكن أن يؤخذ رهينة لأجندة «حزب الله» من دون حسيب أو رقيب، ولذلك فإن القمة الثنائية أو الثلاثية أو الرباعية التي عقدت نهاية الأسبوع الماضي مع الرئيس اللبناني ميشال سليمان، والتي ضمت كلاً من راعي «الطائف» الملك عبد الله بن عبد العزيز، و«الدوحة» الأمير حمد بن خليفة، والرئيس السوري الطرف الآخر في المظلة العربية للبنان، ستكون بمثابة رسالة عربية جامعة بمباركة مصرية لجميع الأطراف وتحديداً «حزب الله» والإيرانيين، بأن اللعب باستقرار لبنان، أو انتهاج مسار عنفي في التعبير عن أي موقف سياسي ممنوع عربياً، والأهم أنه لا يحظي بتغطية الحليف العربي الحاضن للحزب، من هنا فإن التلاعب بأمن الناس، والهجوم علي الاستقرار في لبنان، أو العمل كما يشاع علي تنفيذ انقلاب في الشارع ضد المؤسسات والشرعية له ثمن كبير جداً، لا يقدر حتي تنظيم في حجم الحزب المذكور وقوته أن يتحمله، وخصوصاً إذا صار في وضعية انقلابية، أكثر من ذلك، لا يخفي علي هؤلاء وهم يقدمون تصوراتهم للمرحلة المقبلة، أنه بعد التفاهم الذي نسج ما بين رئيس الوزراء سعد الحريري والرئيس السوري بشار الأسد، حاجة الأخير إلي الأول لكي يكتمل تفاهمه مع القيادة السعودية ويصير هذا التفاهم محققاً ومنجزاً علي نحو يفضي إلي اللاعودة إلي زمن عزلة سوريا إبان كانت هي المحاصرة الوحيدة بتهمة الضلوع في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولم يعد خافياً أيضاً أن هذا الفريق نفسه يتصرف علي أساس أن سوريا التي غطت في السابق كل سلوكيات «حزب الله» وأدائه في الأعوام الخمسة الماضية، لم يعد في مقدورها وليس مصلحتها أن تعيد تكرار التجربة إياها، وهذا يعني أن حقل حسابات سوريا الدولة لم يعد متطابقاً مع حسابات «حزب الله». الأمين العام لحزب الله الذي يهدد بما يشبه امتلاك القدرة النووية الحربية الإيرانية، بالسيطرة علي البلاد، فهذا هو أقل وصف لما يهدد به في وجه أطراف عزل، فالفتنة التي يلوح بها لن تتحول إلي حرب أهلية، ما دام الطرف المقابل لا يملك السلاح الموازي، فهل تقبل طبيعة المنطقة وهويتها بانقلاب يحمل طابع حزبه حتي لو نجح، ربما في تلوينه بقوي خارجية؟ وهل سيدفع لبنان ثمناً جديداً لأهم ما يميزه في محيطه العربي وهو التعددية المذهبية والسياسية والعرقية والثقافية، التي تفرز بدورها تنوعاً في همومه وأوجاعه وتناقضاته؟