إذا استمرت تكنولوجيا الإعلام الجديد في تطورها الذي نري آفاقه حاليا، فإن "المحتوي حسب الطلب" سيكون هو السياق المهيمن علي استهلاك المادة الإعلامية، فكل خدمات الإنترنت والموبايل والآيباد وخدمات الآي بي تي في (IPTV ) التي تقدمها شركات الاتصالات من خلال ربط شبكاتها بالمنازل وأجهزة التلفزيون وغيرها من التكنولوجيات الحديثة، تقوم علي التركيز علي تحويل المحتوي إلي قائمة من خيارات الفيديو يختار منها المشاهد ما يريد، حسب مذاقه وجدوله الزمني اليومي. لكن في حالة مثل هذه، من سيسيطر علي السوق؟ هل سيستمر الحال علي ما هو عليه الآن من سيطرة كبيرة لمؤسسات البث التلفزيوني وسيطرة أقل لمؤسسات الإنتاج وللمعلنين أم أن المعادلة ستتغير؟ هناك ثلاثة اتجاهات سائدة في الدراسات الإعلامية والاستراتيجية التي تتناول مستقبل الإعلام، حيث يري أحد هذه الاتجاهات أن المحتوي سيسيطر، وآخرون يرون أن شركات التكنولوجيا والاتصالات سيطر، بينما اتجاه ثالث يري أن الغلبة ستكون للمعلن. الذين يقولون بأن المحتوي الإعلامي الناجح سيكون هو من يقرر مسار اللعبة فإنه ينطلق من المقولة الشهيرة "المحتوي ملك" (Content is King ) فهناك استثمارات ضخمة في مختلف منصات التكنولوجيا، وهذه المنصات لن تؤتي ثمارها إلا بعد إيجاد المحتوي المميز والمناسب، ولذا فمن يملك هذا المحتوي الذي يجذب الجمهور وبالتالي يجذب المال من الجمهور أو من المعلن سيقبل الجميع عليه ويشتري رضاه، وهو سيظهر علي مختلف الوسائل التكنولوجية، وسيبحث عنه الجمهور أينما ذهبوا، ومن لا يملك المحتوي الجيد يخسر اقتصاديا ثم يمت!! المقابل فهناك من يقول إن شركات التكنولوجيا والاتصالات التي تسيطر علي جميع خدمات الإعلام الجديد هي من سيفوز في اللعبة لأنهم يرون أن المحتوي الجيد موجود وكثير وله ثمنه بالطبع، ولكن البقاء في النهاية للشركات التي تملك القدرة علي توزيع المحتوي ومنحه للجمهور، ولو تجاهلت هذه الشركات برنامجا أو مسلسلا أو فيلما معينا فإنه لن يكون له البقاء، تماما عندما تقرر شركات توزيع الأفلام السينمائية الكبري عدم تبني فيلم سينمائي معين وتوزيعه في مختلف أنحاء العالم. الخيار الثالث هو الأقل شعبية بين المحللين والنقاد وهو أن الاستثمار في المحتوي والتكنولوجيا وتوفر المحتوي بالمجان في كل مكان وبخاصة علي شبكة الإنترنت وانتشار نموذج عرض المحتوي مجانا بالاعتماد علي الإعلان سيعني أن المعلن هو الذي ستكون له الكلمة الفاصلة. هذه التنبؤات تقول أيضا بأن المادة السياسية أو الاجتماعية المشاغبة والخارجة عن المقبول عموما لن تكون لها شعبية - إلا إذا وزعت بالمجان- لأن شركات التكنولوجيا لن تدعمها والمعلنين لن يرغبوا في ربط أنفسهم بها. في النهاية اللعبة ما زالت في بداياتها، وما زال أمامنا عدة سنوات لنعرف من سيسيطر علي الساحة، حيث ما زال الأمر في الفترة الحالية موزعا بين شركة الإنتاج التي تملك المحتوي، وشركة التكنولوجيا التي تدير الوسيلة، مع غياب كامل لسيطرة المعلن.