أحد المشاهد التي لا ينساها أي إنسان في حياته هو السيرك الوطني لبلاده، ومنذ سنوات الطفولة من أول مرة شاهدت فيها سيركا شعبيا يتجول بين القري في الستينيات، يمثل السيرك بالنسبة لي عالماً خاصاً حرصت علي متابعته كلما ذهبت إلي أي مكان في العالم، كما أحرص أيضا علي اصطحاب أولادي للمرور بهذه التجربة الممتعة. لكن السيرك القومي في العجوزة، الذي أنشئ في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فقد بريقه، وأصبح رتيبا مملاً، وكاد يقترب من السيرك الشعبي الذي شاهدته في قريتنا من عشرات السنين، وقبل عامين ذهبت إلي السيرك القومي، فشعرت بالإحباط، من حالة السيرك، ومن ضعف مهارات لاعبيه.. بصراحة كانت تجربة تدعو للأسف. ومنذ عدة أشهر أقرأ أخبارا في الصحف عن إعادة تطوير السيرك، وتجهيز خيمته، وإعادة افتتاحه بشكل جديد، فعدت إليه أمس الأول لأري تجربة مختلفة، حيث شهد السيرك تجديدا في بنيته التحتية، أي الخيمة والمقاعد والإضاءة والموسيقي المصاحبة للفقرات. كما شهد أيضا مشاركة عدة لاعبين من أوكرانيا وروسيا والصين إلي جانب اللاعبين المصريين، مما منح السيرك مذاقاً مختلفاً هذه المرة، وشكلاً جديداً، ينبغي أن نشيد به، كما نشد علي يد المخرج شريف عبد اللطيف رئيس البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية.. فما حدث خطوة مهمة لكنها تحتاج إلي المزيد. كان أحد أبرز مشاكل السيرك القومي أنه تحول إلي مصلحة حكومية، يعاني من يعملون فيها من ضعف الرواتب والبدلات والحوافز، مما أدي إلي غياب الاحتكاك بالخارج وإرسال البعثات للتدريب في مختلف دول العالم، وبينما تطورت عروض السيرك العالمي، وتحولت إلي لوحة فنية أو عرض مسرحي متكامل حافظ السيرك المصري علي فقراته التقليدية الرتيبة دون أي تطوير أو تحديث. وأخيرا وضع السيرك قدمه علي بداية الطريق بالتطوير، ومشاركة لاعبين أجانب في عروضه، لكن يبقي أننا في حاجة إلي إعادة بناء مدرسة السيرك القومي، وإرسال لاعبين موهوبين في بعثات خارجية، واستقدام مدربين ومخرجي عروض من الخارج، حتي تكتمل منظومة تطوير السيرك. السيرك القومي مثل مسرح الطفل، ليس رفاهية، بل هو حاجة أساسية لكل طفل، ومن حق أطفالنا أن يتركوا العنان لخيالهم، ويشاهدوا هذه العروض الفنية التي تفتح مداركهم، وتطلق خيالاتهم علي عوالم جديدة.. وهذا دور ينبغي علي وزارة الثقافة القيام به، بنفس القدر الذي تهتم به بمهرجانات المسرح التجريبي والسينما، والأوبرا والسمبوزيوم.