أشرنا في الحلقة السابقة إلي حرق مكتبة السفارة الأمريكيةبالقاهرة احتجاجًا من المتظاهرين الأفارقة في مصر علي تدخل الولاياتالمتحدة في الكونغو. وهنا يتحدث السفير لوسيوس باتل السفير الأمريكي عن تداعيات هذه الأزمة وكذلك موضوع إسقاط طائرة أمريكية صغيرة في مصر، في اليوم التالي ذهب باتل كما يقول لكي يحتج لدي السلطات المصرية علي غياب الحماية الضرورية لمبني السفارة ورد الفعل البطيء من جانب البوليس والمطافئ المصرية. كانت الخارجية المصرية مستاءة جدًا من احتجاجه، ولذلك لم ترد عليه أو تعتذر. أعربوا عن أسفهم عن وقوع الحادث وهو أمر لم يكن كافيا. بعد ذلك بأيام تلقي تعليمات من واشنطن تطلب منه مقابلة الرئيس عبدالناصر وكانت هذه المقابلة أطول مقابلة جرت بينهما. كان قد قدم من قبل أوراق اعتماده إلي الرئيس ولكن الأمر كان مراسميا إلي حد كبير. تقابل السفير مع الرئيس علي انفراد في منزل الأخير الذي قال له: «إنك صغير جدًا علي أن تكون سفيرا للولايات المتحدة»، وهنا يقول السفير أنه بالفعل يبدو أصغر من سنه الحقيقي ولكنه أجاب عبدالناصر: «ولكنك أيضًا صغيرًا علي أن تكون رئيسًا فنحن في نفس السن تقريبًا وأنت في منصب أفضل بكثير من منصبي». ضحك عبدالناصر الذي رأي أن الأمر مضحك بالفعل، وبعد ذلك تعود الاثنان أن يضحكا سويا. أعرب عبدالناصر عن أسفه العميق وقال إنه سيعطي ألف كتاب باسمه الشخصي إلي المكتبة بل سيعطي السفارة مبني جديدًا للمكتبة يتم اختياره. يعتقد باتل أن المصريين لم يتصوروا مطلقا لهذه المظاهرة المدمرة أن تقع، ولو أنه غير متأكد من ذلك، إذ كانوا يعلمون أن هناك مظاهرة ستحدث، علي أن هذا الأمر لم يساعد في أي شيء. وفي النهاية فإن المبني الذي أعطاه المصريون كان قريبًا جدًا من منزل السفير وكان أفضل من مبني المكتبة القديمة، إلي جانب أن زوار المكتبة الجديدة لم يكن يتعين عليهم المرور داخل السفارة من أجل الوصول إلي المكتبة كما كان يحدث من قبل. المبني الجديد بالقرب من الكورنيش بجانب فندق النيل كان مريحا. كانت المقابلة مع عبدالناصر مفيدة جدًا. ويري باتل أنه لو كان المصريون قد تصرفوا بهذا الأسلوب من قبل لكان الأمر أفضل بالنسبة للجميع. حدثت المقابلة مع عبدالناصر في 14 ديسمبر 1964 وتناولت عدة موضوعات ولذلك طالت. لم يكن هو أو أنا أثناء المقابلة علي علم بأن طائرة أمريكية قد تم إسقاطها في مصر، إذ لم يعلم السفير بالأمر إلا في ساعة متأخرة من نفس اليوم، لأنه حضر عرضا لمسرحية أمريكية بالجامعة الأمريكية وأخذ معه عائلته لمشاهدتها. وعندما وصل إلي منزله أخبرته المربية أن السفارة حاولت مرارًا الاتصال به، وعندما اتصل بالسفارة علم بأن أمرًا خطيرًا قد حدث ولذلك استقل سيارته علي الفور إلي السفارة حيث تم إعلامه بإسقاط الطائرة الأمريكية. يقول باتل إن هناك عوامل عديدة ساهمت في هذا الحادث وإن كانت كلها لم تتجمع معا في نفس الوقت، ولكنه يمكنه أن يقول الآن بالرغم من عدم علمه بكل التفاصيل في وقتها، أنهم ظنوا أن هناك أمريكيين قد قتلا في الحادث، في الواقع فإن أحدهما كان أمريكيا والآخر سويديا. وقع الحادث في مكان ناء في الصحراء المصرية، لم تتصل بهم الحكومة المصرية ولم يرد كبار المسئولين المصريين علي استفساراتهم بالرغم من أنهم كانوا علي علم بما حدث، ولم يستطع باتل التحدث مع أي شخص في مصر عندما أراد أن يرسل مسئولا بالسفارة إلي مكان الحادث للتأكد مما وقع للطائرة ومن كانوا بها. عندما يستعرض الحادث بعد مدة ظهر له أن جون ميكوم الذي كان صديقا مقربا للرئيس جونسون كان هو صاحب الطائرة وهي من طراز قديم من الحرب العالمية الثانية، كان يفترض أن تطير من عمان بالأردن إلي بني غازي في ليبيا لنقل بعض المواد البترولية، ولكن كما يبدو فإن هذه الرحلة كانت قد تكررت عدة مرات قبل، ولذلك فإنها كانت مجرد رحلة روتينية. خط الرحلة تم وضعه، ولكن عندما بدأت الطائرة في الصعود إلي الجو واجهت عدة صعوبات في الذيل مما اضطرها للعودة إلي المطار مرة أخري. كان برج المطار قد أرسل إلي مصر وآخرين برنامج وخط الرحلة، ولكن المصريين اعتقدوا أن الرحلة قد ألغيت، ولكن حقيقة الأمر أن إصلاح الطائرة قد تم وأقلعت دون إخطار برج المطار بأنها ستقوم باتباع خط الرحلة الأصلي، ولذلك فإن أحدا لم يعلم بالفعل أن الطائرة قادمة إذ طارت علي مقربة من مطار القاهرة، ولسوء الحظ فإن الإسرائيليين كانوا يستخدمون نفس طراز الطائرة من أجل الاستطلاع ولأغراض التجسس وهو أمر احتج عليه المصريون واشتكوا من ذلك كانوا يقظين لمثل هذا النوع من الطائرات. ولما لم يكونوا علي علم بهذه الرحلة فإنهم اعتقدوا أن الطائرة هي طائرة إسرائيلية، كل ذلك وجده الأمريكيون فيما بعد حيث كانت المعلومات في ذلك الوقت شحيحة جدًا. عندما دخلت الطائرة الأمريكية المجال الجوي المصري أرسل المصريون طائرتين مقاتلتين لاعتراضها ولأمرها بالهبوط فورًا، لم يستجب قائد الطائرة الأمريكية اعتقد أن الطائرتين قد «فقدته» ولذلك بدأ بالصعود بالطائرة مرة أخري وهو ما اكتشفته الطائرتان ومن ثم أسقطتا الطائرة الأمريكية. عندما وصلت بعثة هيئة الطيران المدني الأمريكية إلي القاهرة كان المصريون في غاية التعاون وأعطوها أشرطة توضح الجهود التي بذلت لجعل الطائرة تهبط إلي الأرض، ولذلك فإن القصة حول الحادث كانت مقبولة بالكامل بعد معرفة التفصيلات، ولكن لم تكن كذلك في البداية. ولذلك فإن جون ميكوم أرسل مبعوثا عنه لمقابلة السفير الأمريكي، أما زوجة الطيار الأمريكي التي كانت حاملا فقد كانت مستاءة جدًا وهي سيدة صعبة جدًا، وبالرغم من إخطارها بكل التفاصيل إلا أنها كانت تهدد بالانتحار، كانت تقيم في أحد الفنادق بالقاهرة وتوجب علي اثنتين أو ثلاث من زوجات المسئولين بالسفارة الأمريكية أن يبقوا معها للتأكد من أنها لن تقدم بالفعل علي الانتحار، كما قال السفير كان وضعا سيئًا بكل المقاييس.. في الحلقة القادمة يحدثنا السفير باتل عن تأثير هذا الحادث علي العلاقات المصرية الأمريكية. أمين عام الجمعية الأفريقية