عكست الخلافات التي وقعت بين قيادات ما يسمي بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين خلال جمعيته العامة الثالثة في اسطنبول عدة تقاطعات في القضايا المتعلقة بالجماعات الاصولية في المنطقة، أول هذه التقاطعات يتعلق بعلاقة الاصوليين بقيم الديمقراطية وتداول السلطة التي لا يكفون عن المطالبة بها وهم ابعد الناس عنها، وثانيها كون اسطنبول اصبحت معقلاً لغالبية اجتماعات التيارات والتنظيمات الدينية خاصة تلك التي تحمل طابعا اقليميا أو دوليا. وثالثها يتعلق بنظرة الاصوليين بصفة عامة وجماعة الإخوان بفروعها في المنطقة علي وجه التحديد إلي حزب العدالة والتنمية التركي باعتباره راس حربتها للوصول إلي غايتها المعلنة وهي اعادة بعث الخلافة الإسلامية، وربما من هنا جاء اختيار اسطنبول تحديدا دون العاصمة "انقرة" لتكون مقرا لاجتماعاتهم، يضاف إلي ذلك طبيعة الدور الذي باتت الحكومة التركية تمارسه في الفترة الاخيرة. بطموح لا يمكن اغفال الجانب الشخصي فيه اعلن الشيخ يوسف القرضاوي قبل ست سنوات في لندن تأسيس ما يسمي بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ككيان غير حكومي ساعدته في ذلك هيئة المسلمين في بريطانيا، بهدف معلن هو"تنظيم مواقف العلماء البارزين حول مسائل تعني المسلمين في العالم" ورغم ان الاتحاد اتخذ من العاصمة الايرلندية "دبلن" مقرا له، الا ان القرضاوي نفسه اعرب عن سعادته باستضافة اسطنبول لجمعيته العامة الثالثة مشيرا إلي ان هذه ليست المرة الأولي التي تقوم فيها المدينة والحكومة التركية بهذا الدور. رغم تأكيد القرضاوي في البيان التاسيسي للاتحاد، علي انه سيكون منفتحا علي الاديان والثقافات الاخري لانه يؤمن بحزم باهمية اعطاء دفع للحوار مع الآخرين وانشاء جسر بين الشعوب وقادتهم الا ان ما جري خلال الجمعية العامة قبل ايام اثبت فشل الاتحاد في أول اختبار حقيقي، حيث جاء اختيار القرضاوي بالتزكية رئيسا للاتحاد لاربع سنوات اخري قادمة ليكشف عدم ايمان الاصوليين بالتداول الحقيقي للسلطة، كما كان إعلان محمد علي تسخيري انه فضل الاستقالة من منصب نائب رئيس الاتحاد بسبب "ضعف" رئيس الاتحاد، أمام "ضغوط الأعضاء السلفيين والتكفيريين"ومن قبله محمد سليم العوا أستاذ القانون السابق بجامعة الزقازيق، دليلا علي زيف دعاوي الحوار وقبول الاخر. منذ وصل حزب العدالة والتنمية ذو الاصول الدينية للسلطة اصبحت اسطنبول مقرا للاجتماع السنوي للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المحظورة من خلال مؤتمرات تدعو اليها مؤسسات خيرية تركية متنوعة، كما استضافت اجتماعات النواب الإخوان في البرلمان المصري مع نظرائهم في15 برلمانًا اخر تحت لافتة المنتدي العالمي للبرلمانيين الإسلاميين. يرتبط هذا بنظرة التيارات الدينية في مصر وغيرها إلي حزب العدالة والتنمية الذي تعتبره جماعة الإخوان في مصر امتدادا طبيعيا لها وهللت كثيرا لوصوله إلي السلطة وهي لا تختلف في ذلك عن الجماعة الإسلامية التي اثنت علي الاجراءات التي اتخذها العدالة والتنمية للعمل علي تقويض تدريجي لدعائم الدولة العلمانية في تركيا من خلال تقليص صلاحيات المؤسسة العسكرية والذي انعكس في القبض علي ثلاثة من قيادات الجيش ومحاكمتهم بتهمة التخطيط لانقلاب ضد السلطة وهي سابقة في تاريخ الجيش منذ سقوط الخلافة العثمانية في 1925- إضافة إلي بعض الاجراءات الشكلية الاخري مثل السماح بارتداء الحجاب في المدارس وما شابه. تظهر رؤية الاصوليين للعدالة والتنمية من اطلاق كثير من عناصر التيارات علي رجب طيب اردوغان رئيس الحزب لقب "الحاج رجب" وهي تسمية لا تخلو من دلالة، يضاف إلي ذلك قيام وفد من الجامعة الاسلامية في غزة وهي تابعة لحركة حماس بزيارة تركيا في ابريل الماضي لتكريم رجب طيب اردوغان ومنحه درجة الدكتوراه الفخرية، وكذلك بيان الشكر الذي صدر عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لاردوغان بسبب جهوده في دعم القضية الفلسطينية. في هذا السياق يمكن النظر إلي طبيعة الدور الذي باتت تركيا تسعي للقيام به في المنطقة عقب تاكدها من غلق ابواب الاتحاد الاوروبي في وجهها، علي انه سعي من جانب الاصوليات في المنطقة لاعلان دولة الخلافة الثانية انطلاقا من اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية.