تسليم شهادات انتهاء البرنامج التدريبي لتأهيل وتدريب المعيدين الجدد بجامعة العريش    البنك المركزي المصري يكشف أسباب خفض أسعار الفائدة    موعد انتهاء العمل بالتوقيت الصيفي وبداية تطبيق التوقيت الشتوي 2025    بوتين يرد على مزاعم ترامب بأن روسيا "نمر من ورق"    «اهدأوا».. بوتين للنخب الغربية: حاولوا التعامل مع مشاكلكم الداخلية    "الديموقراطي الأمريكي": الجمهوريون يسعون لفرض هيمنتهم عبر الإغلاق الحكومي    نتائج مُبشرة.. ماذا قدم بيراميدز مع صافرة محمود إسماعيل قبل مباراة السوبر الأفريقي؟    «بنتي انهارت».. عمرو زكي يرد على شوبير: «أنا بخير.. وكان أولى يتصل عليا» (خاص)    الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا الجمعة 3 أكتوبر 2025.. كم تسجل درجات الحرارة نهارًا؟    «عملتها من ورايا».. نجل غادة عادل يعلق على إجراءها عملية تجميل    نيللي كريم عن ترشيح فيلمها «هابي بيرث داي» للأوسكار: «يناقش الطبقية» (تفاصيل)    خالد الجندى: كثير من الناس يجلبون على أنفسهم البلاء بألسنتهم    غدًا.. مساجد المنيا تستعد لاستقبال المصلين في صلاة الجمعة    ما حكم الصلاة بالحركات دون قراءة؟.. أمين الفتوى يجيب    المنشاوي يعقد اجتماعًا لمتابعة المشروعات الإنشائية بجامعة أسيوط    هيفاء وهبي تفاجئ جمهورها بطرح 5 أغاني من ألبومها الجديد «ميجا هيفا» (فيديو)    وزير الخارجية يتوجه إلى باريس    الدوري الأوروبي.. التشكيل الأساسي لفريق ريال بيتيس أمام لودوجوريتس    سعر السولار اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025    وظائف خالية اليوم.. فرص عمل جديدة في الأردن بمجال الصناعات الخرسانية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2أكتوبر 2025 في المنيا.... تعرف عليها    رئيس الوزراء يوافق على رعاية النسخة التاسعة من مسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الديني    محافظ البحيرة تفتتح معرض دمنهور الثامن للكتاب بمشاركة 23 دار نشر    قرار عاجل من التعليم لطلاب الثانوية العامة 2028 (الباقين للإعادة)    نجل زيدان بقائمة منتخب الجزائر لمواجهتي الصومال وأوغندا بتصفيات المونديال    وائل السرنجاوي يعلن قائمته لخوض انتخابات مجلس إدارة نادي الزهور    المنصورة يفوز على مالية كفر الزيات.. وبروكسي يتعادل مع الترسانة في دوري المحترفين    استشهاد 53 فلسطينيًا فى قطاع غزة منذ فجر اليوم    مصر تبحث مع البنك الدولي تعزيز التعاون بمجالي الصحة والتنمية البشرية    ضبط طن مخللات غير صالحة للاستخدام الآدمي بالقناطر الخيرية    حزب العدل ينظم تدريبًا موسعًا لمسئولي العمل الميداني والجماهيري استعدادً لانتخابات النواب    تركيا.. زلزال بقوة 5 درجات يضرب بحر مرمرة    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية مكثفة على مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة    المجلس القومي للمرأة يستكمل حملته الإعلامية "صوتك أمانة"    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    السيطرة على حريق فى سيارة مندوب مبيعات بسبب ماس كهربائي بالمحلة    14 مخالفة مرورية لا يجوز التصالح فيها.. عقوبات رادعة لحماية الأرواح وضبط الشارع المصري    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    لهجومه على مصر بمجلس الأمن، خبير مياه يلقن وزير خارجية إثيوبيا درسًا قاسيًا ويكشف كذبه    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    برناردو سيلفا: من المحبط أن نخرج من ملعب موناكو بنقطة واحدة فقط    المصري يختتم استعداداته لمواجهة البنك الأهلي والكوكي يقود من المدرجات    ما يعرفوش المستحيل.. 5 أبراج أكثر طموحًا من غيرهم    وزير الري يكشف تداعيات واستعدادات مواجهة فيضان النيل    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    تفاصيل انطلاق الدورة ال7 من معرض "تراثنا" بمشاركة أكثر من 1000 عارض    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    السفير التشيكي يزور دير المحرق بالقوصية ضمن جولته بمحافظة أسيوط    رئيس الوزراء: ذكرى نصر أكتوبر تأتى فى ظل ظروف استثنائية شديدة التعقيد    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    تحذيرات مهمة من هيئة الدواء: 10 أدوية ومستلزمات مغشوشة (تعرف عليها)    مصر والسودان تؤكدان رفضهما التام للإجراءات الأحادية فى نهر النيل    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوار بين العِلمانيين والإسلاميين في العالم العربي يتقدم.. ولكن ببطء
نشر في المصريون يوم 01 - 02 - 2010

قبل بضعة أسابيع، وتحديدا يوم 12 ديسمبر 2009، عَقد مُلتقى الحريات الفلسطيني مؤتمره "الأكاديمي" الثالث بمدينة رام الله تحت عنوان (العِلمانية والنظام السياسي الفلسطيني). وقد عكست النقاشات، حسب ما ذكر أحد المشاركين، إقرارا بأن العِلمانية الفلسطينية تمُر بأزمة وجود.
ومن مظاهر هذه الأزمة، التي دار نقاشٌ مُستفيض حول أسبابِها وتداعِياتها "اتِّساع نِطاق الأسْلمة داخِل المجتمع الفلسطيني، حيثُ طغت مظاهِر التدَيُّن على كافّة الأنشِطة المجتمعية، الأهلية والرسمية، مقابِل تراجُع مظاهِر العَلمَنة، حتى في المواقع التي كانت سابِقاً حِكراً على العِلمانية وتعبيراتها المُختلفة"، وهو ما جعل وزير العمل الفلسطيني أحمد مجدلاني "يتحدّث (بمرارة) عن تهاوي قِلاع العِلمانية ووصول تأثير قِيم الأسْلمة، حتى داخل الحكومة الفلسطينية في رام الله".
لكن في مقابل هذا الخوف من عودة اكتساح الدِّين للفضاء العام في المجتمعات العربية، اتّجه علمانيون عَرب آخرون نحْو مُراجعة مواقِفهم من قضايا التُّراث، ودخلوا في حِوارات سياسية وفِكرية مع إسلاميين، أدركوا بدَوْرهم أنّ مساهمَتهم في تغيِير مجتمعاتهم، لا يُمكن أن تتِم إلا من خلال المشاركة في إقامة أنظِمة ديمقراطية بالمنطقة، ومن هنا، تكثّفَت تجارِب الحِوار العلماني الإسلامي في المنطقة العربية على مدى العشرين سنة الماضية.
وقبل أربعة أعوام جاء في بيان تأسيسي صدر في العاصمة التونسية أن "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات، وهي تكرِّس وِحدة العمل حوْل الحدّ الأدنى من الحريات وتفتَح حِوارا حول مُقتضيات الوِفاق الديمقراطي، تبقى مفتوحة على كافّة القِوى المعنِية بمعركة الحريات والتغيير، وتؤكِّد احترامها لاستقلالية كلّ الأطراف المُتشاركة وقَبولها للاختلاف، ولا تُلزم هذه الأطراف إلا بالاتفاقات والمواثيق المشتركة".
حوارات ونصوص وفاقية غير مسبوقة
وبالرغم من أن انسِداد أفُق التحرّك السياسي أمام هذه الأطراف المشارِكة في هذه المبادرة، هو الذي دفعها إلى الالتِقاء والتنسيق فيما بينها، إلا أن عُمق التباينات الأيديولوجية القائمة بين حركة النهضة، ذات التوجُّهات الإسلامية، وبين بقية الأطراف، ذات المُنطلقات العلمانية – وبالأخص حزب العمال الشيوعي التونسي - قد دَفع بالمؤسسين إلى تنظيم سلسلة من الحِوارات الفِكرية والسياسية، كان الهدف منها "البحث عن نِقاط التَّقاطُع والالتِقاء بين مكوِّنات المُعارضة التونسية، التي تستجِيب للحدِّ الأدْنى من مُتطلّبات الانتِقال إلى الديمقراطية وتفتح طريقا لاستقْرارها وتطوُّرها في بلادنا، والتّحضير من خلال هذا الحوار لصِياغة عهْد ديمقراطي، يتضمّن مبادِئ وأسُس النظام الجمهوري، التي يتقيَّد بها جميع الفُرقاء، وتشكِّل مدوّنة سلوك للمواطنة في ظِل نظام يقوم على الحرية والمساواة والتعدُّدية والتداوُل الديمقراطي على الحكم".
وبالرغم من أن هذه الهيئة قد عجَزت عن تحقيق ما كانت تصبُو إليه على صعيد الفِعل السياسي لأسباب لا تتعلّق فقط بالحِصار المحكم الذي فرضته السلطة عليها، إلا أنها في المقابل تمكّنت من التوصُّل إلى إصدار ثلاث نُصوص وِفاقية بين إسلاميين وعلمانيين غير مسبوقة فيما نعلم، لا فقط في تاريخ العمل السياسي التونسي، وإنما أيضا في تجارب العمل الجبهوي بالمنطقة العربية، بمشرقها ومغربها.
اللافت للنظر، أن النُّصوص الثلاثة المتعلِّقة بالمُساواة بين الجِنسيْن وبحرية المُعتقد وبعلاقة الدِّين والدّولة، لم تُثر اهتِماما كبيرا في الساحتيْن، التونسية والعربية، باستِثناء تعليقات محدودة صدَرت هنا وهناك.
لقد تعامل مَن اطَّلعوا على هذه النصوص، وكأنها مجرّد بيانات سياسية قد ينساها الناس بعدَ أن يجِفّ حِبرها. وليست هذه المرّة الأولى التي يتِم التعامل بها مع عدد من النصوص ذات الطابع الاستِثنائي، حيث سبق أن صدَر عن الإسلاميين التقدّميين في تونس نصٌّ يُحدِّد عددا من المقدِّمات النظرية التي تلخِّص مُنطلقاتهم الفِكرية. وبالرغم من أن ذلك النصّ كان ولا يزال متجاوِزا المرحلة التي وُلِد في رحِمها، إلا أن أغلَب العِلمانيين التونسيين لم يُدركوا خُطورة الأفكار التي أفصَح عنها ذلك النصّ القصير ولم ينتبِه له إلا عدد قليل مِنهم. فالسياسة دائما تُسيْطر على الأذْهان ولا تسمح بالتِقاط ما يمكِن أن تُحدثه بعض الأفكار.
قد تكون الحِسابات السياسية لعِبت دورا في تأسيس هذه الهيئة وفي إقناع جميع مكوِّناتها، بأن تَقدُم على تنازُلات مُتبادلة من أجل إنقاذ المبادرة من فشَل قاتل، لكن ما تمّت صياغته من أفكار بعد عرض المسودّات ومراجعة الفَقرات وشطْب بعض العِبارات وممارسة الإلْحاح من هذا الجانب وذاك، لا يُمكن أن يتملّص منها أصحابها فيما بعد، وحتى لو حصل ذلك، فإن جزءً من أنصارِ هذه الأطراف الموقِّعة على تلك النُّصوص، ستأخذ المسألة بجدِّية. فالتّكتيك له حدود، وما تمّت صياغته ستكون له تبِعات فيما بعد.. حتى ولو جاء ذلك بعد حين.
"الإستبداد باسم الحداثة أو باسم الدين.. مرفوض"
فالأطراف العِلمانية التَزمت في النصّ الثالث بمواجهة "الإستِبداد باسم الحدَاثة، الذي يعمَل على إلغاء الدِّين من الحياة العامّة بوسائل قهرية من داخل أجهزة الدولة وخارجها، ويدفع نحو التّصادم بين الدولة والدِّين". وأكّدت على أن "مِن واجِب الدولة الديمقراطية المنشُودة، إيلاء الإسْلام مَنزِلة خاصّة، باعتِباره دِين غالبية الشعب".
والتَزمت أيضا بأن الهُوِيّة مسألة حيَوية وإستراتيجية، وهو ما يقتضي منها "تجذير الشعب التونسي في حضارته العربية الإسلامية، بكل ما فيها من رصيد إيجابي"، وبهذه التّأكيدات، تكون هذه الأطراف العِلمانية الموقِّعة قد قطَعت مع الراديكالية اللائيكية، التي سيْطرت في مراحِل سابقة على جزءٍ هامٍّ من النُّخبة الحديثة في تونس، سواء داخل أوساط الفِئات الحاكمة أو في صفوف جزءٍ حيويٍ من المُعارضة اليسارية وغيرها.
أما بالنسبة للإسلاميين الذين وقّعوا على هذه النُّصوص، فيُفترض أن يكونوا واعِين تماما بأنهم قد قطعوا بذلك الحبْل السرّي الذي كان يربِطهم بمُجمل الرُّؤى والمفاهِيم التي لا تزال الحركات الإسلامية العربية تتمسّك بها وتُعيد إنتاجها، وإن بأشكالٍ مختلفة. بمعنى آخر، لم يعُد الإسلام هو الحلّ، وإنما التّسليم بأنّ الأخْذ بعيْن الاعتبار، الإسلام هو جزءٌ من الحلّ.
إذا انتقلنا إلى العالم العربي، لاحظنا بأن العلاقة المتوتِّرة بين العِلمانيين والإسلاميين شهِدت خلال الحِقبة الأخيرة، لحَظات من التّهدئة والتّقارب. وإذا كان العديد من هذه اللّحظات محكوماً بظروف استِثنائية جعلت الحِوار بينهما لا يستمِر طويلا، فإن مُحاولات أخرى اكتَسبت أهمِية خاصة، حيث بذلت فيها جهود جدية وأدّت إلى نتائج إيجابية في مسار العلاقة بين الطّرفيْن.
ويمكن الإشارة هنا إلى بعض التّجارب التي أثارت اهتِمام المُتابعين لجهود تقريب المسافة بين هاذيْن التيّارين الرئيسييْن، بعضها تمّ على الصّعيد الإقليمي، والأخرى أنجِزت داخل بعض الأقطار العربية.
من تجارب الحوار الإقليمي
فعلى الصعيد الإقليمي، تجدُر الإشارة إلى الحوار القوْمي الإسلامي، الذي جرى في القاهرة قبل 20 عاما، وتحديدا في سنة 1989، بمبادرة من "مركز دراسات الوِحدة العربية"، بغرض تجاوُز حالة الصِّراع والنّفي المُتبادَل بيْن القوميِّين والإسلاميِّين. وبما أن التيّار القومي يصنّف ضِمن التيارات العِلمانية، فإن ندوة القاهرة قد اعتُبرت من أهمّ المُحاولات لتأسيس حِوار جدّي بين العِلمانيين والإسلاميين.
وممّا زاد في أهمِية تلك المحاولة، أنها اختارت أن يكون المدخَل فكريا قبل أن ينتقِل إلى المجال السياسي، بعد أن تمّ تأسيس هيْكل تنسيقي بين التياريْن، أطلقت عليه تسمية (المؤتمر القومي الإسلامي)، الذي انبثقت عنه سكرتارية قائِمة على مبدإ التّداول بين التياريْن، وتصدر بيانات ومواقِف من أبرز الأحداث الإقليمية التي تشغل التياريْن. وإذ لا تزال الخلافات قائمة بين التياريْن، وهي تطفُو على السطح من حين إلى آخر، لكن الذي حافَظ على استمرار الرّوابط بينهما، هو الانشِغال بالدِّفاع عن القضايا السياسية المُشتركة، وفي مقدِّمتها "القضية الفلسطينية والدِّفاع عن المقاومة".
في سنة 2005، وبمبادرة من (مركز دراسة الإسلام والديمقراطية - مقره واشنطن)، تأسست في الدار البيضاء (شبكة الديمقراطيين في العالم العربي)، التي جمعت العشرات من الشخصيات ذات المُيول الإسلامية والعِلمانية، مثل د. صادق المهدي، زعيم حزب الأمة السوداني، ود. سعد الدين إبراهيم، مدير مركز بن خلدون وسعد الدين العثماني، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية في المغرب ومصطفى المعتصم، الأمين العام لحزب البديل الحضاري ومحسن مرزوق والسفير التونسي السابق أحمد ونيس. ومن أهم ما توصل إليه المؤسّسون، هو صياغة ميثاق جامِع لهم يستنِد إلى "العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتراث الإنساني، وما دعت إليه الأدْيان من قِيم سامية، إلى جانِب مبادِئ الإسلام وقيَمِه، وقِيم التّسامح والتّعايش والعدالة في الثقافة العربية"، وهي صيغة توفيقية جمَعت المؤسسين على أرضِيَة واحدة، رغم تبايُن مرجعِياتهم. كما أعلنوا عن تمسّكهم "بقِيَم التعايُش ورفض كل أشكال التّمييز والإقصاء والإيمان بكرامة الإنسان وحُرمته الجسدية والدفاع عن حقوقه الأساسية، كما وردت في المواثيق الدولية".
كما شددوا على تمسُّكهم "بالتغيير الديمقراطي والتداول السِّلمي على السلطة، في ظل احتِرام السِّيادة الوطنية وما تُجسِّده دولة القانون والمؤسّسات من احترام لحقوق المواطنة. ومَهما اختلفت توجّهاتنا السياسية والفِكرية، إسلاميين وعِلمانيين، ليبراليين أو مُعتدلين، زعماء سياسيين أو نشطاء المجتمع المدني، طلبة ومثقفين، فإننا جميعا رجالا ونساءً، شباباً وشيوخاً، نُؤمن بالعمل الديمقراطي كحلّ، للمُضي قُدما بشعوبنا والخروج من دوّامة التخلّف".
وبالرغم من حالة التعثّر الذي تُعاني منه هذه الشبكة، إلا أنها أبرَزت قُدرة التياريْن على إمكانية بناءِ وِفاق يسمَح بالعمل المُشترك.
مبادرات مماثلة.. من مصر إلى المغرب
أما على الأصعِدة المحلية، فيُمكن الوقوف عند أمثِلة عديدة، من بينها (حركة كفاية)، التي برزت في مصر خلال سنة 2005، باعتبارها حركة اجتماعية احتجاجية مُناهضة للسلطة. ولم تكُن حزبا جديدا، وإنما كانت ترمي إلى إقامة تجمّع لقِوى وفعاليات تنتمي إلى تيارات مُختلفة، بادَر بتأسيسها مثقفون مستقِلّون، معظمهم من العِلمانيين، وقد أشركوا عناصِر من الإسلاميين، مثل قياديِّين في حزب الوسط، ذي التوجّه الإسلامي المعتدِل، وكذلك شخصيات قيادية في حركة الإخوان المسلمين أو قريبة منها. وبالرغم من أن هذه المبادرة قد تراجَع حجمُها وحماسُها، إلا أنها كشفت عن وجود أرضِية مُشتركة، يُمكن أن تجمع بين العِلمانيين والإسلاميين، خاصة وأن الحركة رفعت خلال تحرّكاتها شعارات ومطالِب أيّدتها جميع أطْياف المعارضة المصرية، مثل إقامة النظام الديمقراطي ورفض توريث الحُكم ومحاربة الفساد وإطلاق الحريات.
وفي لبنان تأسّس تحالُف 8 آذار، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من البلاد، جمع قِوى سياسية مُختلفة في عقيدتها وفي تاريخها السياسي، وبالأخصّ حزب الله وحركة أمل من جهة، والتيار الوطني الحُرّ بقيادة الجنرال عون إلى جانب مجموعات أخرى، مثل تيار التوحيد والحزب السوري القومي الاجتماعي من جهة أخرى.
وإذ اعتبر البعض أن هذا التّحالف غيْر طبيعي، بحُجة أنه جمَع بين حِزب ماروني وآخر يُؤمن بولاية الفقيه، إلا أن ذلك قد كشف على صعيد آخر، حجم المرونة أو البرغماتية السياسية، التي يُمكن أن يتمتّع بها العِلمانيون والإسلاميون، عندما يجمعهم برنامج سياسي مُوحّد.
وفي الجزائر، دخل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد انتخابه رئيسا في دورة أولى، في حوار معمّق مع حركة مجتمع السِّلم، ذات التوجّه الإسلامي التي أسّسها الراحل الشيخ محفوظ نحناح، وقد أدّى ذلك إلى انخراط الحركة الإخوانية التوجه في تحالف مع حزب التجمّع الوطني الديمقراطي، وكذلك جبهة التحرير الجزائرية.
وبالرغم من الانتِقادات التي وجّهت لهذا التّحالف، وبالأخص للطّرف الإسلامي فيه، إلا أن الأحزاب الثلاثة لا تزال تشكِّل الكُتلة الحاكمة في الجزائر. وتدُل هذه التّجربة الجزائرية على إمكانية أن يرتقي الحوار بين العِلمانيين والإسلاميين إلى درجةٍ تسمَح بإشراك حركةٍ إسلامية في السّلطة، دون أن يُغيِّر ذلك من موازين القِوى القائمة.
وفي اليمن، تأسس عام 2003 تحالُف أطلق عليه اسم "أحزاب اللِّقاء المُشترك"، جمع هو أيضا بعض خصوم الأمْس، الحزب الاشتراكي من جهة وحزب الإصلاح، ذي التوجه الإسلامي، من جهة أخرى، عِلما وأن هذا الأخير دعا إلى الجِهاد ضدّ الاشتراكيين في الحرب التي اندلعت باسم حماية الوِحدة عام 1994، لكن الأيام دارت فيما بعد لتجعَل منهما خصوما مُوحَّدين ضدّ السلطة الحاكمة.
أما في المغرب، فقد تم إطلاق سلسلة من الحوارات بين العِلمانيين والإسلاميين، استمرّت لمدة سنة، وذلك بمبادرة من الفرْع المغربي لمجلس المواطنين بالشرق الأوسط المعروف باسم (Meca)، وبدعمٍ من مجلس السلام الهولندي (IKV)، إلى جانب عدد من الجمعيات المغربية. وقد استمر هذا الحِوار ما بين مارس 2007 إلى شهر يونيو 2008، كما شارك فيه حواليْ 600 شخص وواكبتْه الصحف المحلية والدولية. وقد نجح هذا الحوار في إتاحة الفرصة لتيارات معادِية لبعضها البعض للتلاقي وتبادَل الرأي.
وفي مداخلة له، وصف عمر أحرشان، رئيس شبيبة العدل والإحسان سابقا وعضو الدائرة السياسية لهذه الجماعة، الرِّهان المطروح على اليسارِيين المغاربة بقوله: "هناك ما يجمعنا وهناك ما يفرِّقنا، وبما أن المصلحة العامة تقتضي الإقرار بما يجمعنا والديمقراطية تقتضي الإقرار بما يفرِّقنا، فلنتعاوَن فيما يجمعنا ولنتنافس فيما يفرِّقنا".
ألا يدُلّ هذا الكلام على أن الكثير من الإسلاميين والعِلمانيين في العالم العربي قد تعلّموا من دُروس الماضي؟
المصدر: سويس انفو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.