شاهدت هذا الفيلم وأنا «أتكتك» وأرتعش من البرد والصقيع في صالة العرض المكيفة المدهش أنه عندما تطلب السيطرة علي جهاز التكييف ينظر إليك المسئول عن الصالة باستغراب إذ أن هؤلاء المسئولين يعتبرون أن التكييف نوع من إكرام الضيف أو المتفرج تماما كما يقوم البدو بنحر الذبائح في الصحراء! عموما ليس لهذه الظروف القطبية أي دخل في حكمي علي الفيلم إذ تعودت منذ سنوات طويلة علي أن أفصل نفسي - بقدر الاستطاعة - عما يحدث في الصالات بل أن الفيلم لو كان جيدا أو ممتازا لكنت مستعدا أن أحضره في القطب الشمالي للمرة الثانية أو الثالثة ولكن الفيلم الهندي «TEEN PATTI» للمخرجة «لينا ياراف» وكما عرض تجاريا تحت اسم العبقري والمراهق زاد المشاهدة برودة علي برودتها، وقدم نموذجا سيئا للأفلام الهندية المتواضعة بعد الصورة الجيدة التي تركها فيلم «اسمي خان» عندما شاهدت صورة «اميتاب باتشان» علي الأفيش لم اتفاءل كثيرا حيث احتفظ له في طفولتي بذكريات غير سارة بالمرة بسبب أفلامه الساذجة التي كان يعرضها التليفزيون المصري في الأعياد، في هذه الأفلام كانت تقنية تنفيذ الخدع والمعارك شديدة التواضع فكنت تضحك وأنت تشاهد «أميتاب» يحمل تمساحا علي كتفيه في حين يبدو «الكاوتشوك واضحا تماما»! كما كان يضرب أحد الاشرار باتجاه اليمين فيقفز الشرير إلي عكس اتجاه الضربة، بما يخالف كل قوانين ونواميس الطبيعة! ووصل الأمر أحيانا إلي درجة قيام «اميتاب باتشان» باصطياد طائرة عن طريق حبل رعاة البقر الشهير.. ولا تعليق! أصارحكم القول إن صورة الممثل الانجليزي «بن كينجسلي» بجوار «باتشان» هي التي حسمت ترددي، ولكن المؤسف حقا أنه إذا كان نجم الهند الشهير العجوز قد اجتهد كثيرا في دوره إلا أن «كينجسلي» كان مرفوعا تماما عن الخدمة، بل إن دوره الشرفي كان عليه أن يلعبه أي ممثل انجليزي من الفئة الثالثة أو الرابعة، ولكن مشكلة «العبقري والمراهق» ليست في ممثليه علي وجه العموم، إنها في هذا السيناريو الساذج الذي «يلت ويعجن» ويعيد ويزيد ليقول نفس الأشياء فيلم تستطيع أن تحذف ثلاثة أرباع مدته دون مبالغة لتنتهي إلي نفس النتيجة، وبعد كل ذلك لن تجد لديك سوي هذا المعني المتكرر في الأفلام المصرية: «لقد نجحت العملية ولكن المريض مات»، بطل الفيلم عالم الرياضيات ابتكر نظرية تجعله يفك رموز ألعاب الورق مما جعله وتلاميذه يكسبون الملايين ولكن الجميع بدأوا يفقدون أنفسهم وأخلاقهم بل وحياتهم ايضا في سبيل الحصول علي المال.. نجحت النظرية الرياضية ولكن الذين طبقوها خسروا كل شيء.. كلمتين وبس! ولكن السيناريو يضم تلالا من المشاهد من العجيب أنها لا تفلح كثيرا في الإضافة ولا حتي في رسم شخصيات الأستاذ وطلابه بطريقة مقنعة ومؤثرة البداية عندما يتلقي عالم الرياضيات الهندي «فنكات» «اميتاب باتشان» يسأله من عالم الرياضيات البريطاني في كامبريدج «مستر بيرس» «بن كينجسلي» للحضور إلي لندن، وهناك بدلا من أن يعلن «بيرس» عن سر الاستدعاء فإنه يتحول بسذاجة منقطعة النظير إلي حكاية البروفيسور فنكات مع نظريته وطلابه من الألف إلي الياء، وبعد كل فترة نعود إلي حوار جديد بين «بيرس» و«فنكات» يتحول إلي تأملات فارغة أحياناً حول أسباب اتجاه الناس للقمار، وحول العلاقة بين الحساب والسحر، وكلها ثرثرات لا معني لها علي الاطلاق سوي إدعاء وجود أعماق في حكاية هزيلة تم مطها لتتحول إلي ملحمة علي الطريقة الهندية! في حكاية البروفيسور العبقري وطلابه ستجد ثغرات واضحة. واستطرادات كثيرة، عميد المعهد الذي يعمل به يهاجمه ويعتبره - لسبب لا نعرفه - مجرد مدرس رياضيات متوسط. يقدم «فنكات» ورقة علمية عن استخدام نظرية الاحتمالات في ألعاب الورق ولكن دراسته يتم رفضها كل مرة مع أن البروفيسور نجح في إثبات نظريته في جلسة واحدة مع طلابه. الأكثر غرابة أنه سيتفق مع طلابه علي تجربة النظرية - التي أشك أن «اميتاب باتشان» يفهمها - في صالات القمار. وهنا يتنكر البروفيسور وطلابه بطريقة شديدة السذاجة، ولكنهم ينجحون في الفوز وجمع الأموال. ومنذ تلك اللحظة تزيد تطلعات الطلاب لحصد المزيد وسط رفض البروفيسور لاستكمال المغامرة. ولأن الفيلم لابد أن يتحول إلي ملحمة فإن البروفيسور يتلقي تهديدًا من شخصية خفية تجبره علي مواصلة استخدام حساباته الغامضة - التي لم نعرفها أبدًا - لجني المزيد من الأرباح من الصالات ثم الحصول علي نسبة من هذه الأرباح. وإذا رفض البروفيسور ذلك سيتم الانتقام من أحد الطلاب. هنا سيرضخ الأستاذ، وستبدأ سلسلة طويلة من المشاهد المتكررة التي يظهر فيها الأستاذ وهو يمارس لعب القمار متنكرًا مع طلابه. دائمًا يكسبون، ودائمًا يحمل نسبة الأرباح للرجل الغامض الذي يأخذ كيس النقود وهو داخل سيارته في مشهد كوميدي. ولك أن تتخيل أننا لن نفعل شيئًا في معظم وقت الفيلم إلاّ الذهاب مع «فنكات» وطلابه إلي صالات القمار علي اختلاف مستوياتها لممارسة اللعب، قد نعود أحيانًا إلي الحوار السقيم بين «فنكات» ونبيرس» في لندن، ولكننا سرعان ما نعود من جديد إلي اللعب والفوز ومنح النسبة للرجل الغامض، ولا أعلم كيف يمكن أن ينجرف رجل مخضرم وعالم رياضيات وراء شباب يبحثون عن المال بهذه الصورة الغريبة؟ الحقيقة أن شخصيات الطلاب رسمت أيضًا بسطحية شديدة، فهذا شاب مديون، وهذا فقير، وهذا الشاب يحلم مع حبيبته بأن يكرر أسطورة المجرمين المشهورين «بوني» و«كلايد»، وهذا شاب يكتشف وجود زملائه وأستاذه في صالة قمار فيعلن الشعار المعروف: «فيها لاخفيها»، وطبعًا يصبح «فيها» حتي يزيد طول الفيلم. والطريف أن الأغنيات الهندية لها مكان أيضًا لأن صالة القمار لاتخلو من الحظ والفرفشة، واللعب يحب الغناء والرقص، والمشاهد تتكرر مع تغير اللاعبين بما يثير الملل والغضب، وفجأة نكتشف أن اثنين من فريق الأستاذ وراء الابتزاز المادي له، ويقوم أحدهما بشنق نفسه تكفيرًا عن ذنبه مثل «يهوذا» الخائن، يحدث ذلك في الجزء الأخير من الفيلم الممل، وبعد أن تكون القلوب قد وصلت إلي الحناجر! لكن الفيلم لديه ما هو أسوأ، تصوروا أن البروفيسور البريطاني الذي يرأس قسم الرياضيات في «كمبريدچ» بعث إلي زميله الهندي ملك القمار لكي يمنحه جائزة «اسحاق نيوتن» في الرياضيات! وفجأة يظهر الطلاب المقامرون في لندن في حفل تكريم «فنكات» الذي يعلن اعتذاره عن قبول الجائزة. لماذا؟ لأن العلم - كما قال - يجب أن يكون لصالح البشرية كلها وليس فئة واحدة. ولأن الجائزة لن تعيد الحياة إلي تلميذه المنتحر! ولكن العالم البريطاني يصرّ علي أن يقبل «فنكات» الجائزة بالعافية؛ فيقبلها الأخير ويعود إلي قريته للتدريس بقية حياته. وأظن أن اسحاق نيوتن لو كان علي قيد الحياة لرفع قضية علي الاثنين: العالم الهندي الذي طاف بكل صالات القمار.. والعالم البريطاني الذي منحه الوسام بدلاً من أن يبلغ عنه البوليس الدولي (الانتربول)!