تواجه موسكو وللشهر الثاني علي التوالي موجة حر شديد تنغص لا حياة الموسكوفيين فقط, بل وايضا حياة من ظن انه سيقضي صيفا هادئا في العاصمة الروسية فجاء إليها ملتحفا بصورة نمطية عن الصقيع الشتوي والأمطار الصيفية, لقد دفعت درجة الحرارة التي تتراوح بين35 و40 درجة مئوية بأعداد هائلة من السكان إلي السباحة في الأنهار والبحيرات, مما أدي إلي غرق أكثر من100 شخص إلي الآن, ومن ناحية اخري تتلقي فرق الاسعاف حوالي20 الف طلب يوميا لمساعدة الذين يتعرضون لضربة شمس او لنوبة قلبية أو اضطراب ضغط الدم, وغير ذلك من الأعراض المرضية, وبالإضافة إلي ما يعانيه الإنسان مباشرة من ارتفاع درجات الحرارة. ثمة اعطال في المعدات والآلات للسبب نفسه, بينها التماس الكهربائي الذي يحدث في المحولات وما ينجم عنه من انقطاع التيار عن العديد من المباني, ففي17 يوليو الجاري فقط تحركت فرق الاطفاء اكثر من30 مرة في موسكو بعد انبعاث الدخان من محولات كهذه, كما أن احد خطوط مترو الانفاق توقف عن العمل يوم السبت قبل الماضي لبضع ساعات نتيجة خلل اصاب سكة الحديد المكهربةالغريب ان مترو أنفاق موسكو المصمم في الاساس لأن يصبح ملجأ للسكان في حال اي عدوان نووي ضد روسيا, اصبح غير مهيأ لتحمل وطأة درجات حرارة الطقس. ان هذه الموجة اثرت بشكل او بآخر علي جميع سكان روسيا, ووصل مجموع الغرقي في جميع انحاء البلاد إلي1200 شخص منذ بداية موسم الصيف الحالي, وفي مدينة سانت بطرسبورج أدت الحرارة المرتفعة إلي ظهور تشققات في برج السلام الذي اهدته فرنسا للمدينة بمناسبة الذكري المئوية الثالثة لتأسيسها, كما انعكست الظروف المناخية الاستثنائية علي حركة المرور في جميع انحاء البلاد فازداد عدد حوادث السير بسبب انصهار الاسفلت وزوال العلامات الأرضية وزيادة مسافة الفرملة, اما في ضواحي موسكو فارتفع عد حالات التعرض للدغات الأفاعي السامة, إلي جانب ذلك اعلنت السلطات المحلية حالة الطواريء في23 اقليما روسيا, كل ذلك يجري علي خلفية انتعاش حالة مصنعي وبائعي المثلجات. حيث أكد رئيس اتحاد مصنعي المثلجات الروس ان حجم مبيعاتهم خلال الشهرين الأخيرين فاق حجمها خلال العام الماضي كله, بينما اكدت مديرة أحد مصانع مشروب الكفاس الشعبي الروسي الشهير انهم كانوا يبيعون في الطقس الصيفي العادي من2 إلي3 ملايين لتر شهريا, ولكن حجم المبيعات وصل الآن إلي مليون لتر في اليوم الواحد, وكان المشهد الطريف عندما وضعت بائعة الآيس كريم إلي جانب ثلاجتها في الشارع كولدير وعلقت عليه ورقة مكتوب عليها كوب الماء بعشرة روبلات اي ما يعادل جنيهين. قد تكون موجة الحر في هذا العام عاملا مشتركا بين جميع دول العالم, ومن بينها دول اوروبا التي لم تتوقع هذه الموجة, لكن موسكو والموسكوفيين لم يتصوروا ابدا ان يأتي عليهم الدور فكل شيء تقريبا مصمم علي العمل لمواجهة الصقيع ودرجات الحرارة المنخفضة, بما في ذلك اجهزة التدفئة المركزية, وخلال اسبوعين فقط من بداية موجة الحر خلت الأسواق تماما من اجهزة التكييف والمراوح. وحدث رواج غير عادي في اسواق هذه الأجهزة بالذات لدرجة ان العاملين فيها يعملون علي مدار24 ساعة يوميا, فيما تباع الأجهزة حاليا في حال وجودها بأربعة اضعاف سعرها, ونصح القائمون علي سوق أجهزة التكييف بأن يبدأ المواطنون في حجز اجهزتهم لا في مايو او يونيو, بل في مارس وابريل من كل عام في إشارة واضحة إلي استمرار موجة الحر في هذه السنة وامكان تكرارها في العام المقبل, المدهش ان الروس بدأوا يشعرون بأنهم مختلفون عن بقية الاوروبيين, فقد اشار احد المواطنين الروس, بعد أن وصف حالته وحالة كلبه بأنها لا تحتمل في هذا الطقس ووصف كيف يقوم بوضع الكلب كل ساعتين تحت الماء البارد, اشار إلي ان الموسكوفيين لا يمكنهم ان يحتلموا هذا الطقس المرعب كبقية سكان العواصم الجنوبية مثل روما وميلانو وباريس! وقالت احدي زائرات العاصمة الروسية, التي كانت تأمل بقضاء وقت ممتع هناك, انها تفضل العودة إلي القاهرة بحرارتها الصيفية حتي وان كانت حتي ان كانت أعلي منها في موسكو لأن هناك علي الأقل جهاز تكييف يمكن ان تلجأ اليه, اما انا فقد فكرت بالعودة إلي الخرطوم التي قضيت فيها اكثر من اسبوعين لظروف العمل, فهناك درجة الحرارة تصل إلي الخمسين درجة مئوية وتتجاوزها احيانا ولكن بدون رطوبة, اي ان الإنسان يمكنه ان يتنفس بهدوء ويتفادي لسعات الافعي, ويجد جهاز تكييف في كل مكان. أجهزة التكييف اصبحت بضاعة نادرة في موسكو, لا يمكن ان يدفع المواطن الروسي100 روبل, مثلا كمقدم لشراء جهاز تكييف ويقسط الباقي علي5 أو10 سنوات. هذا لأن أجهزة التكييف اصبحت غير موجودة اصلا, وطابور الحجز طويل ولن تقبل طلبات خلال الشهرين المقبلين, اما السبب الأخطر فهو ان انظمة البيع والشراء في روسيا عجيبة وغريبة, ولم يفكر الروس في نظام التقسيط الا من عدة سنوات فقط وبفوائد قد تصل إلي اكثر من نصف قيمة البضاعة وبشروط اقل ما يمكن ان يقال عنها انها لعينة, اما إذا كان الحديث يدور حول شراء شقة من غرفة واحدة بدون صالة او شقة مكونة من غرفة وصالة فالفوائد, في حالة التقسيط, تصل في المتوسط إلي ضعف الثمن الذي لا يقل عن150 ألف دولار اذا كانت غرفة واحدة متواضعة في حي متواضع, او300 الف دولار إذا كانت شقة متواضعة ايضا من غرفة وصالة, هذا طبعا إذا نجح الانسان في اجتياز مراحل تجهيز واعداد الاوراق والمستندات والوثائق اللازمة للحصول علي قرض واثبات انه قادر علي دفع الاقساط! وبالطبع لا حديث يدور حول وجود جهاز تكييف او مروحة في هذه الشقة او تلك والا قفزت الأسعار والفوائد إلي ارقام فلكية!