البخلاء.. عنوان لكتاب كله بخل وبخلاء والأغاني.. عنوان كله أغان ومغنون، وألف ليلة وليلة.. عنوان لكتاب كله نيللي وفهمي عبدالحميد وجمال عبدالحميد وأشعار لعديدين وفساتين لعديدات، ويذكرنا بأرزاق طيبة تهل علي صانعيه في رمضان الكريم كل عام «اللهم لا حسد» كان العنوان دلالة دقيقة في الزمان القديم علي موضوع الكتاب.. وقالوا لنا «إن الكتاب يقرأ من عنوانه».. لكن ثبت مع مرور الزمان وتعدد العناوين العشوائية أن العنوان لم يعد «دلالة قوية ولا علامة أساسية» علي الموضوع.. لقد انفصلا تماما حتي بات الموضوع في ناحية والعنوان في ناحية، وأصبح العنوان في العديد من الأعمال «إثارة» لا إشارة ولا دلالة علي مضمون الكتاب أو محتواه. فمثلا المحل المشهور والمعروف باسم «كباب الأمانة» باع في الشهر الماضي لحم كلاب من باب التجديد والتحديث واكتشاف نوعيات جديدة من اللحوم «الطليعية والحداثية».. غير أنه من وجهة نظر الشرطة والزبائن المخدوعين قد أصبح محلا «خائنا للأمانة» وأصبح صاحبه «بائع كلاب» لا بائع كباب إذن فالكباب أصبح مثل الكتاب لا يظهر من العنوان ولا يدل علي محتواه. وأسماء السيمفونيات وأرقامها لا تنقل لك تفاصيل العمل كله بكل نغماته وحركاته ووقفاته وآلاته.. فما هي إلا أسماء وأرقام تصنف وترتب وتبرز تلك الأعمال العظيمة في «رمز» وهذا الرمز ليس دلالة كافية عن مضمون هذه الأعمال. وقصيدة الشاعر فلان «قال الشتاء» هذا عنوانها الأصلي.. وعندما تقرأ القصيدة كلها تجدها شديدة الحرارة فيها شمس حارقة وشاطئ ورمال وشماسي وبائع «جيلاتي» ومايوهات.. إذن فالقصيدة منفصلة من الناحية «الطقسية» عن عنوانها البارد الممطر الثلجي المنذر بالتجمد.. إذن فالكتاب لا يعرف من عنوانه، والقصيدة لا تعرف من عنوانها، والدكان لا يعرف من لافتته. ولقد سألت صديقي العارف بالأمور والفاهم لما بين السطور أحمد أفندي بعرور، عن مفهومه عن هذه المسألة الغامضة التي هي انفصال العنوان عن محتواه وانشراخ الكتاب عن فحواه.. فقال رعاه الله اسمع يا صديقي.. لكي ترتاح من الشك وهذا العك عليك أن تقرأ الكتاب قبل العنوان، وأن تأكل الكباب ثم قيم اسم الدكان وفي كل عام - يأتي لنا ناقد أو ناقدة شاهد أعمالا في لندن وباريس يأتي ليقول شاهدت لكم عددا من الروائع الخواجاتية من أمثال المسرحيات العالمية الشهيرة أمثال «قطط» ومسرحية «شعر» ومسرحية «شحم» إنها أعمال رائعة راقية محترمة. وهي من وجهة نظر الناقد أعمال راقية رغم عناوينها «الواطية» فالذين قدموها خواجات ولها أسماء بالخواجة رغم أن عنوانها وأسماءها هباب والحق أقول يرتبط عنوانها بموضوعها. ويأتي فنان عربي ومتحمس.. يقلد هذه الأسماء والمسميات العالمية غير أنه يراعي مفاهيم أمته وتقاليدها ويسمي فيلمه أو مسرحيته باسم أشياء نافعة مثل «قبقاب» أو «طشت» أو «مكنسة الحب» أو يسمي عمله الفني باسم شيء حلو مثل «حلاوة» أو حادق مثل «ملح أو فسيخ» أو حار مثل فلفل - أو شطة فتحاصره مأساة السباب والإعدام الفوري. والمأساة تكمن في أن البعض ممن يجدون كل «غريب» يأتي من الغرب لا يوافقون علي أي أغرب يأتي من الشرق. ومن هؤلاء ناقد أشاد ومجد وأرغي وأزبد عندما هاجمنا اسم أحد العروض العالمية المسمي «أقذر عرض مسرحي في العالم»، واتهمنا بالجهل والجهالة - والعرض لا شيء سوي السقوط - سقوط العنوان وسقوط الموضوع وكذلك سقوط الناقد.. تكمن الأزمة في وقوف النقاد صفا واحدا في التصفيق لاسم عمل أجنبي غريب أو «رخيص» وهم يحمدونه ويهللون له «بحماس» لأنه «مستورد» وبنفس الحماس يقفون أمام اسم عمل آخر «عربي» يهاجمون اسمه قبل البحث في موضوعه وهدفه ومحتواه.. الأمر يا سادة يحتاج إلي مشاهدة العمل قبل قذفه بالطوب- والكتاب لم يعد يعرف من عنوانه.