حينما يجد ابني الأصغر الذي لم يكمل عامه السادس بعد، أمرا يستعصي علي فهمه، أو يناقض منطقه، يسارع قائلا: عبثي.. هزلي! أعتقد أنه لا يعرف معني الكلمتين، وربما سمعهما في أحد أفلام والت ديزني الناطقة بالعربية للأطفال، لكنه علي الأقل يجيد توظيف الكلمتين بشكل يبدو دقيقا جدا. وهو بالطبع لا يتابع ما يحدث في مصر الآن من أزمات بين الكنيسة والقضاء الإداري، والمحامين والقضاء، والداخلية والإعلام الخاص والمنظمات الحقوقية حول سبب وفاة الشاب السكندري خالد، وربما لو كان يتابع ويستوعب ما يدور علي ساحتنا الداخلية لقال كلماته المأثورة: عبثي هزلي! مصر تعيش حالة عبثية غير مسبوقة.. فيها الكثير من الأمور الهزلية.. ويمكن للبعض الحديث عن نظرية المؤامرة.. فما يحدث الآن يؤثر علي سمعة أهم مؤسسات الدولة، القضاء والكنيسة والداخلية، وينال من وجودها وقيمتها في الوطن. في أزمة القضاة والمحامين، ورغم احترامي الشديد للقضاء، وأهمية الحفاظ علي هيبته، باعتباره الحصن المنيع والأخير الذي يلجأ له الناس، فإن تفاصيل هذه الأزمة نالت كثيرا من هيبة القضاء، خاصة أن تعامل القضاء والنيابة العامة مع الأزمة جعل الناس يتساءلون: لماذا تمت إحالة المحامين المعتدين علي وكيل النيابة بهذه السرعة إلي القضاء؟ هل يجوز أن تكون النيابة العامة هي الخصم والحكم في نفس الوقت؟ لماذا صدر الحكم بسجن المحاميين لمدة خمس سنوات بعد جلسة واحدة بينما نعاني من بطء إجراءات التقاضي؟ ثلاثة أسئلة مهمة يطرحها الرأي العام.. لكن في كل سؤال منها الكثير من الشكوك التي تنال من هيبة رجال القضاء والنيابة العامة، وتهز من ثقة الناس فيهم. وغني عن القول أن بعض رجال النيابة حديثي العهد بالعمل وصغار السن، يتعاملون بنوع من التكبر ويأخذهم الغرور إلي حد كبير.. وهو ما يطرح سؤالا حول نظام العمل بالنيابة العامة: هل يجوز لشاب حديث السن لم يتجاوز عمره 23 أو 24 عاما العمل وكيلا للنائب العام، والتمتع بكل صلاحياته؟. ما هي الخبرة التي اكتسبها في الحياة؟. وما هي خبرته القانونية التي تمكنه من التصدي والتحقيق في قضايا الناس والعباد؟ من المؤكد أن أزمة القضاء والمحامين ستنتهي مثل غيرها من الأزمات، لكن التجاوزات التي رافقتها من بعض المحامين علي رجال القانون ستبقي في الذاكرة، وهي تصيب القانون والعدالة في الصميم.. خاصة أنها تحولت إلي موضوع انتخابي، تتحكم فيه مصالح ضيقة. وكل ما أرجوه من رئيس مجلس القضاء الأعلي المستشار عادل عبد الحميد، والنائب العام المستشار عبد المجيد محمود، ورئيس نادي القضاة المستشار أحمد الزند، أن يضعوا مفردات الأزمة، والأسئلة التي طرحت خلالها علي مائدة بحث هادئ، بعد انجلاء الغمة، والبحث فيها بجدية، لإصلاح نظام القضاء والنيابة العامة، من حيث سرعة التقاضي، وثقافة رجال القضاء والنيابة العامة.. فنحن نريد من القضاء أن يعود حصنا أمينا ومنيعا للوطن والمواطنين علي السواء. ونواصل غدا