من جديد عادت أفلام التحريك لتتصدر إيرادات السينما الأمريكية لأسبوعين متتاليين بفيلم «السماء تمطر لحما» الذى حقق إيرادات بلغت 83 مليون دولار. وهو ما أكد للجميع أن المصادفة لم تكن صاحبة الفضل فى نجاح فيلم «أب» الذى اعتلى شباك التذاكر فى أمريكا لعدة أسابيع متواصلة، وحقق شهرة واسعة فى كل دول العالم.. كما أكد أيضا أن الأطفال ليسوا فقط هم جمهور هذه الأفلام التى أصبح لها جمهور عريض من الكبار، مما جعل بعض الباحثين السينمائيين يرددون جملة «هل تختفى السينما التى نعرفها»، خاصة فى ظل النجاحات المتتالية لهذه الأفلام، وتطورها الكبير فى الفترة الأخيرة.. السؤال الذى يفرض نفسه عندنا: هل تجد السينما المصرية صدى لنجاح هذه التجارب أم سوف تظل فى مكانها رافعة شعار محلك سر؟ «الشروق» فتحت ملف الحراك السينمائى الأمريكى والجمود المصرى وأسبابه فى هذا التحقيق. فى البداية لابد أن نشير إلى أن الاهتمام بهذه الأفلام ليس حديثا وإنما بدأ منذ عدة سنوات وتخصصت فى إنتاجها مجموعة من الشركات الكبيرة فى هوليوود على رأسها «ديزنى»، و«دريم ووركس»، و«بيكسر» التى تستخدم استوديوهات شركة «ديزنى» فى إنتاجها، وغيرها من الشركات الضخمة التى تخصص ميزانيات ضخمه جدا لهذه الأفلام، وتعرف مقدما أن أرباح هذه الأفلام مضمونة جدا، وعلى سبيل المثال هناك فيلم «شيرك» حقق وقت عرضه 161 مليون دولار فى أمريكا، وفى العالم وصلت إيراداته إلى 363 مليون دولار فى حين أن تكلفته الإنتاجية لم تتعد 75 مليون دولار. وهناك أيضا فيلم «العثور على نيمو» الذى حقق أرباحا وصلت إلى 866 مليون دولار فى شباك التذاكر العالمى رغم أن تكلفته لم تتعد 94 مليون دولار، وهذه الأفلام تصدرت قمة الإيرادات عند عرضها فى السينمات. ولأن شركات الإنتاج وجدت فى هذه الأفلام ضالتها ورأت أن الجمهور يقبل جدا عليها، بدأت تستعين بأشهر نجوم السينما فى هوليوود للقيام بالبطولة الصوتية لهذه الأفلام مثل الفنانين «انجلينا جولى»، و«داستن هوفمان» اللذين قاما ببطولة فيلم «كونج فو بندا»، والنجمين «جيم كارى»، و«ستيف كاربل» اللذين قاما ببطولة فيلم «دكتور سويس». ولم يتوقف طموح شركات إنتاج أفلام التحريك عند سقف معين، بل بدأت فى استغلال بعض المسلسلات الكارتونية التى لاقت إعجاب الناس وتحويلها إلى أفلام سينمائية مثلما حدث مع مسلسل «عائلة سيمبسون» الذى تحول إلى فيلم سينمائى. وعن السبب فى نجاح هذه الأفلام، أكدت مجلة «هوليوود ريبورتر» أن الأفلام الكارتونية دائما تكون أكثر مرحا من الأفلام السينمائية العادية، أما «بيتر براد» الكاتب بصحيفة «الجارديان» فقال «إن هذه الأفلام تقدم بالفعل حياة رائعة يحلم الكثير بها»، بينما يصرح المخرج «بيتى دوكتير» بأنه يتوقع أن الجيل القادم من الأفلام سيكون لأفلام البعد الثالث. وتعتبر شركة «والت ديزنى» من أكثر منتجى هذه الأفلام وصاحبة الفضل فى ابتكار أشهر الشخصيات الكارتونية كشخصية «ميكى ماوس، دونالد داك، بلوتو»، كما قدمت أشهر القصص الكارتونية مثل «سنو وايت والأقزام السبعة»، وفيلم «بينوكيو»، ونجحت صناعة الأفلام المتحركة فى أمريكا حتى أصبحت أحد مصادر الدخل القومى هناك، ويعمل فيها آلاف المصممين والرسامين. ورغم نجاح هذه الأفلام عالميا ورغم إقبال الجمهور المصرى عليها إلا أن المنتجين المصريين مازالوا يهابون خوض التجربة حتى أن فيلم «الفارس والأميرة» للسيناريست بشير الديك والذى يعد أول تجربة مصرية فى هذا المجال لم يستطع استكماله رغم أنه بدأ تنفيذه منذ 15 عاما تقريبا.. ويقول بشير عن الفيلم: تم تصوير 10 دقائق منه فقط وكل من شاهدوا هذا الجزء القصير من الفيلم انبهروا به جدا.. وأضاف: لقد سجلنا كل أصوات الممثلين وهم محمد هنيدى، ودنيا سمير غانم، والسيدة الراحلة أمينة رزق، وعبلة كامل، كما انتهينا من تسجيل 7 أغنيات كاملة، والأزمة الآن فى التحريك، وأضاف لولا أننا انتهينا من تسجيل أصوات الممثلين والأغنيات منذ فترة طويلة لما استطعنا توفير أجور هؤلاء الممثلين الآن، فميزانية أفلام الرسوم المتحركة مرتفعة جدا لأنها أيضا تحتاج إلى جيش من المحركين لتنفيذها. وتدور قصة الفيلم عن محمد ابن القاسم الذى افتتح بلاد السند، بقيادته لجيش كبير وهو لم يتعد 17 سنه، فى عهد الدولة الأموية، وأحب أميرة هناك وتزوجها، فالفيلم يحكى قصة حب وبطولات ومغامرات جميله مشوقة. وعن صناعة أفلام الرسوم المتحركة بوجه عام يقول بشير: هذه الصناعة تطورت جدا فى أمريكا، وأصبحت تعتمد بشكل رئيسى على الكمبيوتر والتكنولوجيا الحديثه، كما أن القائمين على هذه الصناعه هناك أصبحوا يتميزون ببراعة فى إظهار التعبيرات على وجوه الأشخاص والحيوانات، وهذا صعب جدا، ومن المستحيل أن يكون عندنا مثل هذا لأن مساحة الإبداع عندنا غير موجودة ولا نسعى لتطويرها، وهى غير موجودة لأنها تتناسب طرديا مع حرية الإبداع.. ويضيف: مجال الرسوم المتحركة راق جدا، فهو يعمل على قصص بها حس طفولى، وهذه النوعية من الأفلام لا تخاطب الأطفال صغار السن فقط وإنما تخاطب الأطفال داخل الكبار، كما تعتمد على الموسيقى الجيدة، والاستعراضات الجميلة والتشويق أيضا، لذلك فهى تحتاج مساحة كبيرة من الإبداع والحرية، وهى ليست متوافرة فى مصر.. كما أن هذه لأفلام تحتاج إلى تمويل كبير جدا، والمنتجون فى مصر لا يقبلون عليها، ولا يشجعونها بل يخافون منها، ويذهبون إلى إنتاج الأفلام المضمونه، وإنتاج فيلم لنجم اسمه كبير يجذب الجمهور حتى قبل أن يعرف ما بداخل العمل، فمصر لا يوجد بها منتج مغامر، وهذه النوعية من الأفلام لن توجد فى مصر إلا من خلال تفكير مؤسسى، وليس تفكيرا تجاريا، لأن التفكير التجارى مناقض شكلا ومضمونا للإبداع والتطور والنمو الذى تعتمد عليه الرسوم المتحركة فى الأساس. وأضاف بشير لن يغامر المنتجون المصريون بإنتاج أفلام رسوم متحركة إلا إذا رأوا أحدها حقق 25 مليون جنيه، فإذا حدث هذا سنجد فى العام الذى يليه مباشرة كل شركات الإنتاج اتجهت إلى إنتاج أفلام الرسوم المتحركة!! أما المخرج والباحث سيد سعيد فبدأ حديثه بقوله إن أفلام الرسوم المتحركة أصبحت تشكل جزءا من الدخل القومى فى أمريكا كذلك فى روسيا واليابان والصين وغيرها وهذا يدل على أن هذه الأفلام لم تعد فقط تخاطب الأطفال مثل تلك النوعية التى نشاهدها عندنا ولم تخرج من دائرة الإرشادات، فهذه الأفلام أصبحت تتناول قضايا سياسية وفلسفية مهمة.. وأشاد سعيد بتجربة المؤلف بشير الديك التى لم تكتمل حتى الآن وقال إنه شاهد الجزء الذى انتهى من الفيلم، ووجده أكثر من رائع سواء على مستوى القصة أو شكل التنفيذ، ولكن المأساة الحقيقية أن بشير الديك لا يجد تمويلا يكمل به الفيلم الذى بدأه منذ 15 عاما.. وعن تفسيره لابتعاد المنتجين عن هذه الأفلام قال: نحن فى مصر نخاف من الأفلام الجادة بوجه عام، وأفلام الرسوم المتحركة تنتمى إلى الأفلام الجادة، لذلك فهم لا يقبلون عليها، أضف إلى ذلك أن هناك كثيرا من المنتجين مازالوا يستخفون بأفلام الرسوم المتحركة ويعتبرونها مجرد نكتة، وتسلية للأطفال، والمأساة عندنا ليست فى أفلام التحريك الطويلة فقط بل فى أفلام التحريك القصيرة أيضا. وبوجه عام يجب أن نعترف بأننا لا نستطيع منافسة أفلام التحريك العالمية فى ظل التطور التقنى والتكنولوجى الذى تشهده هذه الصناعة فى العالم، ففى أمريكا خصصوا لأفلام التحريك قاعات عرض مجهزة بأحدث التقنيات العالمية، والإقبال عليها شديد جدا. وأشار سعيد إلى أننا لا نفتقد الأجهزة الحديثة فقط بل نفتقد أيضا الخبراء والتقنيين، والمؤلفين المتخصصين فى كتابة أفلام التحريك القادرين على مخاطبة المشاهدين من خلال هذا الفن، كما نفتقد أيضا وجود نقاد تستطيع تقييم هذه الأفلام. والأزمة ليست فقط عند المنتجين وإنما العائق الأكبر عند الجمهور الذى تعود على مشاهدة النجم الذى يعجب به ويحبه وقد تحول إلى شخصية كارتونية، كما أن الدولة نفسها ليست حريصة على أن تدخل بالسينما المصرية السوق العالمية، وأرى أن عدم مساندة ومساعدة الدولة للمنتجين يعتبر عدم وعى بأهمية هذه الأفلام، التى أصبحت فنا قائما بذاته، ولها 30 مهرجانا حول العالم مخصص لها فقط.. وما سبق يعود بنا إلى نقطه مهمة جدا هى أن الدولة ليس لديها خطة سينمائية، بل إنها رفعت يدها عن السينما تماما. كما أننا وعلى الرغم من التطور الكبير الذى شاهدناه على مستوى التقنيات الفنية ودور العرض السينمائية، فإنه لا يشغلنا أن نصنع أفلاما ننافس بها السينما الإيرانية والعربية، سواء كانت هذه الأفلام تحريكا أو عادية، وأريد توضيح أننا بعد أن كانت لنا الريادة فى المنطقة العربية ولنا تقدير عالميا، أصبحنا ننتقد فى كل المهرجانات التى نشارك بها، وللتوضيح أيضا أقول إن كل الجوائز التى نحصل عليها فى المهرجانات هى جوائز هامشية وعادة ما تكون مجاملة لمصر!! ويقول المنتج منيب الشافعى ورئيس غرفة صناعة السينما: هذه الصناعه ليست موجودة فى مصر لأن السوق المصرية لم يعتد عليها، ولكنه اعتاد فقط على الأفلام الحية، التى يقوم ببطولتها نجوم أسماؤهم معروفة، والتى تعتمد على سيناريو أقرب إلى الواقعية. وأشار الشافعى إلى أن تكلفة إنتاج هذه الأفلام مرتفعه جدا ورأس المال المصرى المسيطر على السينما جبان، ومن رابع المستحيلات أن يخاطر ويقدم على تجربة لأول مرة ولا يعرف مصيرها، وجميع المنتجين لا يقبلون عليها لأنهم لا يتوقعون أن تغطى هذه الأفلام تكاليف إنتاجها. وعما إذا كان اللجوء إلى الدولة هو الحل، قال إن الدولة لم تعد تنفق على السينما شيئا، وبالنسبة لفيلم «المسافر» قال إنه تجربة وحيدة ونتمنى أن تستمر. وعن دور العرض المصرية ومدى قدرة هذه الأفلام على المنافسة فيها قالت المنتجة والموزعة إسعاد يونس: هذه الأفلام موجهه فى الأساس لجمهور الأطفال، لذلك فهى تحتاج إلى إجراءات خاصة جدا، فمثلا هذه الأفلام تعرض فى الفترات الصباحية، لأن هذا هو الوقت الذى يذهب فيه الأطفال إلى السينما ومن أجل هذا عملنا حفلة الساعة العاشرة صباحا، بالاضافة إلى حفلة ثانية فى الثانية عشرة ظهرا، لكن هذا يتعارض مع مواعيد ذهاب الأطفال إلى مدارسهم.. وتضيف: وهناك مشكلة ثانية تتمثل فى أن الأطفال لا يذهبون إلى السينما بمفردهم، فيصطحبوا معهم والديهم، ومن هنا نعود إلى نقطة أن الكبار لا يذهبون إلى السينما فى الصباح، ولذلك نقول إن العائد المادى لهذه الأفلام غير مضمون بالنسبة للموزع. لان انتعاش السوق السينمائية المصرية قائم على الحفلات الليلية بدءا من حفلة السادسة مساء، ويكون حفل التاسعة مساء هو الأقوى بين حفلات اليوم، وعندما يكون هناك رواج وانتعاش للسينما بوجود أفلام قوية فى موسم الصيف مثلا، تكون هناك حفلات بعد منتصف الليل وفى الرابعة صباحا أيضا، وطبعا هذه الأوقات غير مناسبة للأطفال بالمرة. وأشارت إسعاد إلى أن الإيرادات التى تحققها هذه الأفلام فى السوق السينمائية المصرية ضعيفة جدا ولا تساوى نصف الإيرادات التى تحققها الأفلام العادية، حتى إذا كانت هذه الأفلام تكون قد حققت أعلى الإيرادات فى أمريكا، وهذا يعرض الموزع للخسارة لأن إيجار دور العرض غال جدا. وأوضحت يونس أن عدم رواج أفلام التحريك ليس قاصرة فقط على الأفلام الأجنبية لأن هناك دولا عربية تنتج أفلام تحريك ولكنها تكون ناطقة باللغة العربية الفصحى فلا تلقى إقبالا. وعن سبب عدم تفكيرها فى خوض تجربة إنتاج فيلم متحرك قالت: ميزانية هذه الأفلام كبيرة جدا، كما أننى لا أعرفها جيدا لأنى لم أعمل فيها من قبل، فعندما يكون هناك 7 دقائق تحريك مثلا داخل فيلم عادى ترتفع ميزانية الفيلم بشكل كبير، وأشارت إلى أن من أسباب عدم انتشار هذه الأفلام فى مصر أننا لا نملك الأجهزة التى تستخدم لتنفيذ هذه الأفلام مؤكدة أنه عند وجود أى فيلم به مشاهد رسوم متحركة فإنه يتم تنفيذها خارج مصر. ويقول الناقد يوسف شريف رزق الله إن العامين الماضيين شهدا وجودا للأفلام المتحركة فى التليفزيونات والفضائيات المصرية، لأن شركات الإنتاج التليفزيونية هى التى تسهم فى تمويل عمل رسوم متحركة. أما بالنسبة للسينما فالقطاع الخاص لم يبد أى رغبة فى تمويل مثل هذه النوعية من الأفلام، ولن يحدث هذا إلا إذا وجد موضوعا شيقا ومكتوبا بطريقة جذابة جدا،إضافة إلى أن هذه الأفلام تحتاج إلى ميزانيات كبيرة، وتستغرق فترة إعداد طويلة جدا تتخطى العامين أو الثلاثة، لذلك لا يقبل عليها المنتجون. وأضاف رزق الله أن مصر لديها مخرجون تحريك مهمون جدا لكنهم مدفونون لا يعرفهم أحد بحكم حصر إبداعاتهم فى الأعمال التليفزيونية فقط. والحقيقة أن هذه الأفلام ليس لها جمهور فى مصر، والأفلام التى تحقق أرباحا فلكية فى أمريكا لا تحقق شيئا فى السوق السينمائية المصرية، لكن مؤخرا ومنذ عرض فيلم «أب» بدأت فئة محددة من الجمهور تتعلق بهذه الأفلام، وهذه الفئة تتمثل فقط فى أبناء الطبقات الغنية، لذلك يعرض فى سينمات المولات الكبيرة، أما سينمات وسط البلد فمن رابع المستحيلات أن تجد هذه الأفلام فيها.. واختتم رزق الله كلامه بأن الدولة يجب أن تتدخل فى إنتاج أفلام التحريك إذا وجدت سيناريوهات جيدة، فى محاولة لنشر هذه النوعية من الأفلام عندنا وتشجيع القطاع الخاص على إنتاجها.