لظروف خاصة لم اتمكن من تلبيه دعوة الصديق د.منير مجاهد للمشاركة في مائدة مستديرة للحوار حول ميثاق شرف صحفي ضد التمييز علي أساس ديني.. وللحقيقة فإن الجمعية التي يترأسها تعد اضافة كبيرة لحركة التغيير في مصر ليست بالطبع علي الطريقة البرادعية! ولكن من حيث الاشتباك الحقيقي مع بعض الوافد والموروث في الثقافة المصرية. بمعني ان البعض يتوقف أمام ظاهرة التمييز الديني علي أنها مجرد ظاهرة وافدة.. هذا الافتراض علي وجاهته ليس صحيحاَ بل إن هناك العديد من الأقوال والأمثال الموروثة في الثقافة الشعبية تحمل كل تبادلات التمييز الديني.. ومن ثم اتمني أن تعقد الجمعية مؤتمرها القادم عن التمييز الديني في التراث والثقافة المصرية. أما فيما يرتبط بالدعوة الي الميثاق المنشود ضد التمييز الديني للصحافيين، فذلك مع احترامي الكامل مجرد رؤية غير عميقة لقضية الصحافة المصرية المعاصرة، فالصحفي إنسان ومواطن يفعل ويتفاعل مع المناخ السائد ومن جهة أخري فهو يعمل في مهنة افتقدت في العشر سنوات الأخيرة أغلب تقاليدها.. ويعود ذلك إلي حالة الانفجار الإعلامي الذي أوفد الي المهنة الآلاف من الشباب الجدد الذين لا يملكون إلا المهارات الصحفية بشكل نسبي ويفتقرون الي ربط المهارات بالقيم في معادلة: (قيم + مهارات = احترافية). وفي السابق كانت المؤسسات الصحفية بيوتات للتربية والتكوين الصحفي عبر صيغة التلمذة الأمر الذي تضاءل الآن بشكل مخيف، وحتي بعض المؤساسات التي تمتلك مراكز للتأهيل فكلها تستند الي التأهيل علي المهارات وليست القيم حتي أن جميع الجوائز التي تمنح للصحافيين الشباب سواء من الخليج أو حتي في نقابة الصحفيين تساهم بشكل غير مباشر في ترسيخ مفهوم إعلاء المهارات علي القيم ولم نسمع عن جائزة واحدة تمنح في ربط موضوعي ما بين المهارات والقيم علي غرار جائزة اليونسكو التي منحت للاعلامي عمرو الليثي بكل ما تحمل من مفاهيم إنسانية وقيمية راقية وبالطبع تحمل ايضاً مهارات احترافية. ولذلك كله فالميثاق هو نتيجة لمسيرة تكوينية وليس بداية لها بمعني أنه مجرد تجسيد لبناء من القيم يتم تكوين الصحفي الشاب عليه قبل أن يشرع في العمل. والأمر ايضاً ليس مقصوراً علي أخلاقيات المهنة فحسب بل علي تكوين وإيقاظ «الضمير المهني» ولذلك اعتقد أن كل المهن التي ترتبط ب(قسم مهني) مثل رجال القانون والصحافيين الخ يجب اعدادهم نفسياً وإنسانياً ومرورهم بعدة اختبارات ذلك الأمر الذي لا يتم في مصر.. بل أن الحصول علي رخصة قيادة أصعب من الحصول علي رخصة كتابة!! كما أنني لم أسمع في لجان القبول في نقابة الصحفيين علي مر تاريخها عن سؤال للمتقدمين للقيد حول ميثاق الشرف الصحفي. وحتي لا اكون متحدثاً بشكل نظري فهناك مراكز للتكوين الصحفي تقوم بتلك المهام تطوعياً ومجانياً مثل مراكز تكون الصحفي بجريدة وطني، والتكوين الصحفي في مراكز الجزويت في القاهرة والإسكندرية وتلك المراكز لمن لا يعلم تقوم بهذه المهمة منذ خمسة أعوام للشباب من الجنسين وأصحاب الديانات والمعتقدات المختلفة وقدمت نخبة من الصحفيين الشباب يعملون اليوم في وسائل الاعلام والصحف المختلفة. لذلك كان من الاولي علي النقابة بجانب دورات الكمبيوتر واللغات ان تقدم مثل هذه البرامج لمدة ثلاثة أشهر شرطاً للتقدم للجنة القيد جنباً الي جنب مع الشروط الاخري التي أراها لا تختلف كثيراً عن الالتحاق بأي مهنة أخري. وبناء عليه فإن اعادة الاعتبار بمعادلة (قيم + مهارات = احترافية) هي الشرط التأسيسي لخلق أجيال صحفية جديدة تضع بأنفسها الميثاق المنشود لأن التربية والتكوين لابد ان يسبقا القانون والمواثيق لكونهما مرجعية انسانية ومهنية قبل أن تكون مواثيق مهنية، ومن ثم فإن غياب مؤسسات التنشئة المهنية في المؤسسات الصحفية يجرف المهنة إلي حالة التنافس علي أرضية البزنس ويضعها بالكامل تحت سيطرة آليات السوق بما يحمل من فساد لغياب مرجعيات التربية والتكوين الامر الذي يهدد بتحول الصحافة الي سلعة في سوق الرأي العام وليس لمهنة صناعة ضمير ورأي عام وربنا يستر.