مازلت متواصلاً مع ترشيد وتبسيط الخطاب الديني من خلال ما ثبت من هدي النبي صلي الله عليه وسلم وموضوع هذا المقال يدور حول أصل الدين وبساطته وفطرته وكيف لا والإسلام دين الفطرة فكل مولود يولد علي الفطرة أي علي التوحيد ثم يعتري الفطرة بعد ذلك ما يعتريها من توجيه إما لتثبيت التوحيد أو إلي الشرك بالله فقد روي حافظ الأمة الأثبت الإمام الجليل في صحيحه الإمام البخاري رحمه الله بسنده: 1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح ب«قل هو الله أحد حتي يفرغ منها» ثم يقرأ سورة أخري معها وكان يصنع ذلك في كل ركعة فكلمه أصحابه فقالوا إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا تري أنها تجزئك حتي تقرأ بأخري فإما تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأخري فقال ما أنا بتاركها إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإن كرهتم تركتكم وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره فلما أتاهم النبي صلي الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك علي لزوم هذه السورة في كل ركعة فقال إني أحبها فقال حبك إياها أدخلك الجنة. 2- عن عائشة أن النبي صلي الله عليه وسلم بعث رجلا علي سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلي الله عليه وسلم فقال سلوه لأي شيء يصنع ذلك فسألوه فقال لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها فقال صلي الله عليه وسلم أخبروه أن الله يحبه. وقبل الخوض في فقه الروايتين أرد مقدما علي المتفيقهة أو المتفلسفة الذين قد يتساءلون كيف يسوق البخاري الروايتين الأولي عن رجل من الأنصار يصلي بمسجد قباء والرواية الثانية عن رجل بعث في سرية والجواب بسيط لدي أصحاب القلوب السليمة التي لا تحمل غلاً علي صحيح السنة النبوية وهو أن الروايتين في رجلين اشتركا في حبهما لهذه السورة وكل علي حالته المذكورة. وليس معني ذلك أن هذا الحب كان من هذين الصحابيين فقط لهذه السورة وإنما يشمل كل من اعتقد ذلك سواء من الصحابة أو غيرهم المهم أن أمر هذه الخصلة عبر عنها من خلال موقفين مختلفين وفيهما كذلك إثبات ما اصطلح عليه العلماء من السنة التقريرية أي أن يقر الرسول صلي الله عليه وسلم فعلا أو قولاً لأحد أصحابه بلغه عنهم. نعود لفقه الروايتين فالرجلان يداومان علي قراءة سورة الإخلاص: «قل هو الله أحدü الله الصمدü لم يلد ولم يولدü ولم يكن له كفواً أحد» وما ذاك إلا لحبهما لإثبات الألوهية الحقة لله عز وجل بأسمائه الحسني وصفاته العلا وفي الوقت نفسه نفي الألوهية عن غيره من الآلهة الباطلة فالله واحد في ذاته وواحد في صفاته لا يشبهه أحد من خلقه ولا يعتريه نقص فهو جل وعلا منزه عن الصاحبة ومنزه عن الولد فضلا عن غير ذلك من صفات النقص أو الضعف فالإنسان لضعفه وعجزه وفقره وخوفه يحتاج للزوجة لتؤنس وحدته وليسكن إليها والله منزه عن ذلك «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» والإنسان يعتريه الكبر والمرض فيحتاج إلي زوجة وولد ليقوما علي خدمته ومساعدته والله قائم بذاته وقائم بغيره حي قيوم لا يعجزه شيء قيوم السماوات والأرض فهذا التنزيه لله وتحقيق كمال الألوهية له جل وعلا وحب ذلك وإقراره في القلب أدخل من كانت هذه عقيدته الجنة فتعالي الله علواً كبيراً عما يصفه الضالون، هذه المعاني البسيطة في تنزيه الخالق والتعايش معها تخلق في العبد الأنس بالله واللجوء إليه فالاستعانة به والتوكل عليه كما تخلق في العبد دوام المراقبة لله والتي عبر عنها الحديث الصحيح «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك». هذه المعاني وغيرها ومداومة الوعاظ والعلماء لها لتذكير الناس بها تعين علي إيجاد مجتمع قوي بربه ثم بدينه ثم بقوة إيمانه الإيمان الصحيح الذي يدفعه للإحسان والإيجابية المعبر عنها بأنه يراك إن لم تكن تراه.