من الأسباب التي قد تصيب الرجل العربي بالفزع والخوف من تحرير المرأة، هي تلك التعاليم والأفكار والمعتقدات الموروثة التي جعلت من جسد المرأة وأنوثتها ما يمكن تسميته ب(الإرهاب الجنسي)، وأكاد أري في ذلك مبررا حقيقيا لخوف الرجل العربي من تحرير المرأة ليس لشيء يتعلق بكيان المرأة كامرأة، وإنما خوفا من الوضع المزري والمخيف الذي وصلت إليه المرأة العربية بسبب تلك التعاليم والمعتقدات، فتلك التعاليم والمعتقدات التي تعشش منذ قرون في رءوس الرجال والنساء العرب، لم تترك للمرأة أي رصيد إنساني حضاري ثقافي حقيقي في المجتمعات العربية يجعل منها كيانا كامل الأهلية ذا فعالية ومشاركة حقيقية وتأثيرا ظاهرا في بناء المجتمعات. فالمرأة العربية الآن أراها لا تصلح لشيء بعد، وذلك لما لديها وبما حولها من أفكار وتعاليم ومعتقدات متخلفة لم تتطور ولم تتطهر بعد، هذه المعتقدات مازالت تحمل في طياتها تلك النظرة الدونية للمرأة، وأكاد أجزم بأن تلك التعاليم والمعتقدات مازالت راسخة في نفوس معظم النساء لم تتغير بعد، بدليل أنه حين قام البعض لينادي بتحرير المرأة ظن القوم أن تحرير المرأة يساوي تعرية جسدها ورفع كل القيود عن ممارسة الجنس، وهذا ما يجعل الرجل العربي في خوف دائم وتوجس مستمر من انطلاق المرأة العربية نحو الحرية، أما ما قد يراه البعض تحسنا في وضع المرأة العربية بتوليتها بعض المناصب وبعض الوظائف وبعض المشاركات هنا وهناك، فهذا لم يحدث عن إيمان حقيقي أو قناعة حقيقية بدور المرأة كشريك مساو للرجل، إنما كان عبارة عن عملية حشر للمرأة عنوة في تلك المناصب والوظائف فقط لذر الرماد في العيون ولحفظ ماء الوجه أمام جمعيات حقوق الإنسان وأمام المجتمع الدولي. ولا أكاد أري مسئولا عن هذا الوضع السيئ الذي وصلت إليه المرأة سوي الرجل نفسه بأفكاره القبلية ومعتقداته البدائية التي شوهت نظرته للمرأة وللأنثي عموما وأصبح لا يري فيها سوي بارود للفتنة، ونبع للفجور، وموقد للإثارة، وسلعة للبغاء، وأصبح لا يري منها سوي معالم جسدها وتفاصيل أنوثتها وحسب. فحين انحدر الرجل العربي بفكره الديني والثقافي والاجتماعي واختزل كامل المرأة بكونها وتكوينها في مجرد (جسد وأنوثة)، أصبح ينظر إلي المرأة علي أنها كيان آثم ومدان لا لشيء سوي لكونها امرأة، وأعد أنوثتها جرما قد اقترفته بمحض اختيارها، فكان عقابا لها كونها امرأة أن مُنِعَت من التعليم لنقصان عقلها، ومنعت من العمل لنقصان دينها، ومنعت من الكلام لأن صوتها عورة، ومنعت من الخروج ومن السفر لأنها فتنة، ومنعت من إبداء الرأي والتفكير لكونها كائنا قاصرا غير سوي لا يصلح إلا لإعداد الطعام وتوفير المتعة بالحلال أو الحرام. هذا الفكر المنحدر تجاه المرأة لم يقتصر وحسب علي المتزمتين والمتشددين دينيا، بل امتد إلي عالم المال والأعمال والتجارة والبضائع والأسواق وإلي من يريدون الحصول علي الكسب السريع والمال الوفير، فاتخذوا من المرأة مسوقا لبضائعهم ومروجا لتجارتهم وجاذبا لزبائنهم، والأدهي والأمر أن النساء أنفسهن عشن وشاركن الرجل العربي أفكاره هذه، فمنهن من رأين أنفسهن متهمات كونهن خلقن نساء وأصبحن يخجلن من أجسادهن ويتوارين من أنوثتهن وآثرن الانزواء والبقاء قابعات خلف الجدران، ومنهن من انتهزن فرصة امتلاء رءوس الرجال بتلك الأفكار المتوجسة من سطوة الجسد وشبح الأنوثة فاستغللن أجسادهن كأقصر طريق إلي الشهرة والنجومية والثراء السريع والوظائف المرموقة والأعمال ذات الأجور المرتفعة. لقد لامني بعض أصدقائي ذات مرة حين دافعت عن حق بعض الفتيات في العمل كراقصات فيديو كليب، وقال لي: كيف تدافع عن ممارسة البغاء والدعارة؟، فقلت له: يا صديقي إن الدعارة الحقيقية تبدأ كفكرة تسكن رأس الإنسان رجلا كان أو امرأة، ثم تترجم تلك الفكرة إلي واقع حقيقي يحيي الناس فيه. وقد تكون تلك الفكرة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو فكرية أو دينية أو جنسية، تخطئ يا صديقي إن ظننت أن الدعارة لا تمارس إلا بأجساد النساء وحسب. (للحديث بقية)