لماذا ينزعج الرجل العربي ويصاب بالخوف والفزع من نهوض المرأة واستقلاليتها ونيل حريتها ومعاملتها كآدمي له قيمة وكينونة وكرامة كما له سواء بسواء؟، ولماذا يعتبر الرجل العربي حصول المرأة علي حقوقها كاملة في التعليم والعمل وحرية الحركة والتنقل والمشاركة السياسية وغيرها من الحقوق معول هدم وتخريب لكيان الأسرة العربية؟ وهل الوضع المزري الذي تعيشه المرأة العربية والمسلمة الآن فيما يسمي بالأسرة العربية والمسلمة سواء كانت أما أو أختا أو ابنة أو زوجة هل هي أسرة حقيقية كريمة أم أنه سجن مظلم وبركة راكدة ومستنقع آسن تؤسر فيه النساء ليمارس الرجل عليهن كل ألوان القيادة والسلطة والاستبداد؟ وتري هل من أسباب معتبرة واقعية تبرر هذا الانزعاج وذلك الرعب الذي يصاب به الرجل العربي عند سماعه مناديا ينادي بإعطاء المرأة حقوقها وحريتها؟. أري أن الرجل العربي حين مُنع لعقود أو لقرون طويلة من ممارسة حق القيادة وحق التطلع أو حتي الحلم بالسلطة، وحين حرم من ممارسة أي لون من ألوان العمل القيادي الحر في أي مجال سياسي أو إداري أو قيادي في وطنه، وحين حرم من حرية المشاركة الحقيقية بآرائه وأفكاره في الشئون السياسية والوطنية والمشاركة الفعلية الجادة في العمل العام، وحين حرم من رفع صوته والثورة إلا علي زوجته أو ابنته أو اخته أو أمه داخل البيت، لم يجد ذلك الرجل المسكين سوي أهل بيته من النساء ليقيم عليهن جمهوريته المنزلية ومن ثم يمارس عليهن داخل البيت ما حرم منه خارجه. وبالتالي لجأ ذلك الرجل إلي بعض ما ظنه تشريعات دينية تفرض علي المرأة طاعته والانحناء له وبذل أقصي ما لديها من جهد لإرضائه وإسعاده وعدم إشعاره بالنقص وتعويضه عن كل ما حرم منه خارج البيت، فاستطاع أن يجد في الموروث الديني الكثير من الأفكار والمبررات التي تلزم المرأة تجاهه بحقوق وواجبات تشبه تلك الحقوق التي للسيد علي جاريته، بل تكاد تشبه تلك الحقوق التي للرب علي عبده، كالحديث المشهور بين الناس الذي يقول: (لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) وسوف نتحدث عنه تفصيلا ونناقشه في المقالات القادمة. لذلك نري كثيرا من الرجال لا يدخرون جهدا في مقاومة ومحاربة أي أفكار جادة للنهوض بمستوي المرأة ثقافيا وفكريا واجتماعيا ووضعها علي خط المساواة مع الرجل، ذلك لأن أفكارا كهذه لو تسربت إلي رأس زوجته أو ابنته أو أخته أو أمه فسوف تنفتح أعينهن وتنجلي بصائرهن علي خدعة كبري عشن فيها طيلة أعمارهن، مما يجعلهن ينقلبن عليه وعلي سلطته وقيادته وجمهوريته الزائفة شر انقلاب، وتُنْزَع منه البقية الباقية من قيادته وعنتريته وسلطته المنزلية ويبقي كالبنيان الخرب المتهدم لا روح فيه ولا حياة، هذا بالضبط ما أراه يثير الرعب في قلوب كثير من الرجال ويفزعهم من تحرير المرأة. ومن أجل ذلك قررت أن أعيد النظر في ذلك الموروث الديني الذي يلزم المرأة بحقوق وواجبات تجاه الرجل تشبه الحقوق والواجبات التي للسيد علي جاريته أو للرب علي عبده، وقررت أن أطرح سؤالا مهما علي الموروث الديني أقول فيه: هل بالفعل قد شرع الدين الإسلامي للرجل كل تلك الحقوق المزعومة علي زوجته، أم أنها مجرد خدعة كبري لاستعباد المرأة ودسها لا في التراب بل في البيوت؟ وهل بالفعل الدين أو التشريعات الدينية هما اللذان قذفا بالمرأة في غيابات الظلم والفساد والاستعباد والاضطهاد الأسري وتحكم الأب أو الأخ أو الزوج الفرد الواحد فيها، أم أن الفهم الديني القاصر والقراءة المتطرفة للنصوص هما من أعادا ظاهرة وأد الأنثي أو إمساكها علي هون أو دسها في البيوت إلي الظهور في مجتمعاتنا العربية من جديد؟ هذا ما سنجيب عنه في المقالات القادمة.