أعاد قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة برفض قبول تعيين المرأة في المجلس طرح الكثير من الأسئلة التي ظن الكثيرون أنها أصبحت مسلما بها منذ سنوات.. عمل المرأة في القضاء وموقف الإسلام منه، واعتبارات المواءمة، وكفاءة المرأة وعاطفتها وقدرتها علي التحمل وغيرها كثير.. كما دفع كتابا ومفكرين إلي تحليل هذا القرار ومحاولة استشراف تبعاته، وقراءة لتحرك فئات ومنظمات المجتمع تجاهه. موقف معارض الكاتب الكبير "سلامة أحمد سلامة"، بدأ حديثه متعجبا من هذا القرار الذي أصاب الرأي العام بحالة من الكدر، فقال: هذا القرار يعد ردة قوية في مجال حقوق المرأة، فالمرأة التي أصبحت قاضية في القضاء المدني، ومحكمة الأسرة، وأصبحت أستاذة جامعية، وكاتبة وناقدة، تجد الآن معارضة شديدة من مجلس الدولة لتوليها هذا المنصب، فهذا يُعد تمييزا ضد المرأة، خاصة أن مجلس الدولة هو قاضي الحقوق والحريات. وقال سلامة ينبغي علي المرأة أن تكافح وتحتج ضد هذا القرار وأن تتخذ موقفا معارضا له، ونسأل، لماذا تأخر رد فعل المرأة حيال هذا القرار، ولم نر منها إلا بعض المظاهرات الخفيفة، والوقفات الاحتجاجية غير المؤثرة، فالمرأة ينبغي أن تقوم بدور فعال تجاه هذا الموضوع حتي تحصل علي حقوقها كاملة غير منقوصة، وأضاف من ضمن الإجراءات التي يمكن اللجوء إليها عدم إجماع أعضاء الجمعية العمومية علي هذا القرار، وعليها أن تطلب من المحكمة الدستورية تفسيرا لنص القانون، الذي يقول "إن التعيين في مناصب القضاء للمواطن المصري" ولم يحدد هل هو ذكر أو أنثي ؟! عيب من العيب أن يصدر مثل هذا القرار المتعنت، ولكنه صدر، ومع ذلك فالقضية مازالت مطروحة، ولم تغلق الملفات بعد، هكذا بدأت الكاتبة "سناء البيسي" حديثها، وأضافت لدينا الأمل في أن يتغير هذا القرار، وأن تتغير الموجة الموجهة ضد المرأة التي تنال من حقوقها وكفاءتها، بل واتهامها بأنها لا تصلح، في حين أن المرأة تفوقت في العديد من المجالات والمناصب. وأكدت البيسي أنها غير متشائمة من هذا القرار الذي يدل علي تخلف فكري لدي بعض الرجال في المجتمع، فالمرأة قديرة علي أن تكون قاضية، ولكن الظاهر "أن نساء هذا البلد لا يحصلن علي حقوقهن إلا بالهتاف، وبالروح والدم"، وأكدت أيضا أن المرأة سوف تحصل علي هذا الحق، ولكن عليها أن تتحلي بالصبر وطول البال، حتي تحقق ما تصبو إليه. وقالت البيسي : "أذكر المرأة بتاريخ طويل من الكفاح الذي قادته بنت الشاطئ، وأقول لنساء "0102" إن الحدوتة تعيد نفسها من جديد، وعليها أن تكافح حتي تثبت جدارتها وتحقق وجودها رغما عن الجميع، وعليها أن تسعي بدون إحباط. حق المرأة أما الدكتور "جابر عصفور" - رئيس المركز القومي للترجمة - فقال : هذا القرار يُمثل ردة علي الدولة المدنية في محاولة للرجوع إلي دولة دينية تعمل علي تهميش المرأة ودورها، فقد صدر هذا القرار من جماعة من خصوم الدستور، وحقوق الإنسان، وأعداء المواثيق الدولية التي تحمي هذه الحقوق، وهذا يكشف أن مجلس الدولة قد نسي تاريخه العظيم، وقضاته المشرفين، الذين أكدوا عدم وجود قاعدة تقضي بأن المرأة المصرية لا تصلح لتولي منصب القضاء. وتساءل عصفور كيف لمجلس الدولة أن يرفض قرارا سبقته عدة فتاوي من رجال المؤسسة الدينية كوزير الأوقاف، وفضيلة المفتي، الذين أكدوا أنه لا يوجد ما يمنع شرعا من تولي المرأة المناصب القضائية، أو غيرها من المناصب المهمة. وأضاف عصفور أن هذا القرار يشير إلي تخلف النظام التعليمي والإعلامي وفساد المناخ الثقافي أيضا، وعدنا إلي محاولات تديين المجتمع وما تبعها من حجب المرأة عن المشاركة في الحياة المجتمعية، واحتقان طائفي، كما أن وجود أكثر من ثلاثمائة مستشار في مجلس الدولة يرفضون تعيين المرأة قاضية متناسين تاريخ المجلس، وواقع المرأة المصرية، مقارنة بنظيراتها في الوطن العربي اللاتي سبقننا طويلا. وطلب عصفور من المرأة أن تسعي إلي انتزاع حقها انتزاعا، وبلا تردد سواء عن طريق المظاهرات أو الاعتصامات والإضرابات لو كانت هذه الوسائل هي الطريق للحصول علي حقوقها، وقال لو قررن الاعتصام بمجلس الدولة أو أمامه، فمن الممكن أن تغير الجمعية العمومية من رأيها، وتمنحهن حقا أقره لهن الدين والدستور. لا يصح إلا الصحيح الكاتب صلاح عيسي يقول: إن عدم تعيين المرأة قاضية بمجلس الدولة يعد انتكاسة للمرأة وللمثقفين، ويشير إلي أن المناخ الثقافي ما زال بعيدا عن المفاهيم العصرية لشكل الدولة المدنية، وبعيدا عن القيم الديمقراطية السائدة في العالم، وبعيدا عن مفاهيم الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمساواة بين البشر جميعا. وأضاف عيسي قائلا من المؤسف أن هذا التيار المتشدد الجامد موجود داخل مؤسسة يفترض فيها أنها هي التي تتولي الدفاع عن حقوق المواطنين إذا تعسفت بهم الإدارات والحكومات، وهي المؤسسة القضائية، فالقضاء هو الذي يراقب قرارات السلطة المتعلقة بالحقوق والحريات، والمساواة بين الرجل والمرأة، بل بين البشر جميعا دون النظر لجنس أو عقيدة، وبالذات إذا كانت هذه الهيئة مثل هيئة مجلس الدولة المصرية، فهذه الهيئة صاحبة التاريخ في الدفاع عن الحريات، التي تصدت للدفاع عن حريات البشر منذ تأسيسها عام 6491، حتي الآن، بل تصدت لكثير من محاولات الإطاحة بالحريات الفردية، ومحاولات السلطة التنفيذية في الإطاحة بهذه الحريات. وقال عيسي إن أفضل الخطوات التي ينبغي علي المرأة اتباعها لنيل هذا الحق، هو أن تتبع أسلوب الحوار، فلها حق الاعتراض والاحتجاج علي مثل هذه المواقف حتي تمارس حقها، وعليها أن تتبع في هذا الحوار الإقناع الذي لا يؤدي إلي صدام بين الهيئة القضائية والهيئات الأخري. وعليها أن تواظب علي أساليب الضغط حتي تحصل علي حقها. قرار باطل وتتفق معه في الرأي الكاتبة فريدة النقاش فقالت: إن قرار عدم تعيين المرأة قاضية انتكاسة فظيعة للحقوق التي حصلت عليها المرأة بمقتضي القانون والدستور، فمصر قبل آلاف السنين جعلت للعدالة إلهة هي "ماعت"، وبالتالي ما يفعله قضاة مجلس الدولة الآن ارتداد علي التراث الحضاري الذي راكمه المصريون علي مدار السنين، والذي راكمته حركة المرأة علي مدار تاريخها. وقالت من المؤكد أن الحركة النسائية والديمقراطية لن تترك هذا الإجراء يمر مرور الكرام، ولكن ستكون هناك وقفات عديدة حتي يتم الحكم ببطلان هذا القرار، فالفتاة التي تخرجت من كليات الحقوق بدرجات عالية من حقها أن تدخل هذا المكان طبقا للدستور، كما أن المواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر، وعلي رأسها الاتفاقية الدولية لإلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة ووقعَّت عليها مصر سنة 1891، وصدقَّت علي الالتزام بنصوصها وأصبحت هذه المادة جزءا من القانون الوطني. وعن رد فعل المرأة تجاه هذا القرار قالت النقاش: إن الإجراءات التي اتخذها مجلس الدولة ضد النساء سوف يجري الرد عليها دستوريا من قبل النساء. وأكد المؤلف والسيناريست أسامة أنور عكاشة أن عدم تعيين المرأة بمجلس الدولة يمثل تراجعا عن خطوات مهمة قد حدثت بالنسبة للمرأة، وعليها أن تفاضل وتدافع عن هذه الحقوق، من خلال جمعيات حقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدني، والهيئات والجماعات المهتمة بحقوق المرأة. بعيدا عن الاعتصامات والإضرابات لأنها غير مجدية بالنسبة للمرأة.