يبدأ النظر في مد حالة الطوارئ ولمدة عامين آخرين ليس فقط من خلال مطالبة تتضمن حلما مشروعا في وطن لا تطبق فيه إجراءات استثنائية، لكنها تأتي في سياق مشهد تاريخي وظواهر لها أبعاد واقعية تؤثر علي الوطن وأمن المواطن، يحاول البعض فصلها عن سياقها فالمتأمل في الأوضاع الداخلية والدولية يجد لظاهرة الإرهاب أبعادا بخلاف امتدادها الزمني لمدة ثلاثين عاما فبالفعل طبقت حالة الطوارئ منذ عام 1981 عقب اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات وامتدت نتيجة الأعمال الإرهابية المستمرة التي شهدتها البلاد في فترة الثمانينيات والتسعينيات والتي تهاوت فيها قلاع الإرهاب بعد احتدامات حادة مع السلطة ولم يبق من روافده غير النزر اليسير والذي تواجهه الدولة بكل حزم ومن حقها وكذلك من حقنا أن ندافع عن ذلك الوضع غير مدفوعين بأية تأثيرات للتمرد عليه، فلن تحتوي الكلمات وقائع الأحداث والمشاهد المأسوية التي أسفر عنها وجود الإرهاب علي أرض الوطن. فحقيقة الأمر ذات مرارة لا تخفي علي القارئ المتمعن في تاريخ الإرهاب في مصر وأرجئ إلي من يريد أن يعرف المزيد أن يعود إلي تاريخ مصر المعاصر ليكتشف بنفسه كم أزهقت أرواح وتهددت مصالح قومية بسبب العنف الدموي الذي شهدته البلاد وعلي امتداد ثلاثة عقود مضت وفيما يتعلق وبالتحديد بتمديد حالة الطوارئ لدرء خطر الإرهاب والمخدرات أيضا فيجدر الالتفات إلي بعض النقاط التي تمثل تحليلا لهذا الوضع الاستثنائي: 1- مكافحة الإرهاب هي مكافحة لأحد أخطر أنواع الفساد في المجتمع «الفساد الفكري» والذي لا يتخذ طابعا ذاتيا لا يخرج عن كونه مجرد قناعات برفض وضع قائم أو الرغبة في تغييره بصورة مشروعة إلي محاولة الصدام بأمن المجتمع والاعتداء علي حقوق الأفراد فيه وحقهم المشروع في الشعور بالحرية والأمان الشخصي داخل المجتمع. 2- يعد البعض استمرار حالة الطوارئ اثباتا لعدم قدرة النظام علي ترتيب أوراقه والحفاظ علي الأمن العام بعيدا عن الطوارئ، ولكن الأمر علي خلاف ما ذكر فالدول تدخل حروبا تستنفد فيها مواردها من أجل درء أخطار الإرهاب وإبعادة إثاره المدمرة عن مواطنيها بقدر الإمكان فالأمر لا علاقة له بقوة النظام أو ضعفه ولكن الأمر يتعلق بالمصلحة العامة وأمن المواطن. 3- تذهب بعض التكهنات إلي أن استمرار حالة الطوارئ هو أحد أسلحة النظام في الدفاع عن وجود حزب الأغلبية في السلطة وخاصة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية وهو القول الذي يبتعد تماما عن الإقناع ويغلب عليه التحليل السياسي أحادي الرؤية الذي ينتقد الحكومة بشكل مباشر أكثر من كونه تفسيرا منطقيا للأمر، فالحكومة تمثل حزب الأغلبية وإدارة الشئون العامة أمر يقتصر عليها وتتربع علي رأس السلطة التنفيذية وبالتالي فاتخاذها لإجراءات استثنائية غير مرهون بوجود حالة الطوارئ من عدمه ويقترب السبب الادعي للتمديد في حرص الحكومة علي أن يظل المواطن والشارع المصري وبشكل وقائي وفي إطار من المشروعية محافظا علي استقراره دون مساس بأمن المواطن وسلامته وخاصة في هذه الفترة الذي ستجري فيها الانتخابات البرلمانية تتلوها الانتخابات الرئاسية وهو إعلان صريح للرفض التام والقاطع للعنف وأحداث الشغب التي قد يقوم بها البعض مستغلا التحول المجتمعي نحو إطلاق الحريات المدنية والسياسية وأهمها الحق في الإضراب والتظاهر والاعتصام وذلك بعيد تماما عن التأمين السياسي المفترض جدلا للعملية الانتخابية والذي يعتقد البعض توظيفه ليتم تطبيقه لصالح الحزب الوطني. 4- مصر في مواجهتها لظاهرة الإرهاب لا تدافع عن إقليم أو سيادة أو حق مشروع في الاستقرار وحماية الأمن القومي فقط ولكنها تدافع عن صورة العرب والمسلمين والتي ترسخت لدي البعض في الخارج في أن أوطاننا أصبحت بيئة خصبة ومنبتا للإرهاب وهو الأمر الذي يمثل مسئولية مجتمعية يجب أن يعمل المواطنون علي نفيها متضامنين في ذلك. 5- تقتصر سلطة الحكومة وفقا لقانون الطوارئ طبقا للتعديل الأخير علي إصدار وتنفيذ أمر الاعتقال ويبقي حق الطعن في القرار الصادر منها أمام القضاء وباقي حقوق الدفاع مكفولة للمتهم مما يجعل قانون الطوارئ فيما يتعلق بهذا الصدد مجرد ضمانة إجرائية لمنع وقوع الجرائم عكس تفسيره علي أنه تدبير عقابي جزائي يصدر في مواجهة من تعتقد السلطة أنهم يمثلون تهديدا لها. 6- في النهاية وفي ذات السياق وبالنظر إلي تمديد حالة الطوارئ وشمولها تجارة المخدرات فوفقا لدراسة أجراها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري بلغ حجم تجارة المخدرات في مصر في عام 2007 - 18.2 مليار جنيه وهو أمر مفزع حيث يعادل 79% من الدخل السنوي لقناة السويس و109% من عوائد الاستثمار وفقا لتقديرات نفس العام ولك أن تتخيل إذا كان هذا هو حجم التجارة فما هي مقدار الخسائر علي الاقتصاد القومي وعلي الشباب الذين تبث فيهم تلك السموم وهل أيضا تحتاج تجارة المخدرات إلي تسهيلات تشريعية حتي يتمكن أباطرة هذه التجارة من الإفلات من القانون؟ الطرح السابق لا يعبر عن انتماء حزبي أو موقف سياسي علي قدر ما هو تحليل للواقع وتقدير للضرورة بقدرها من خلال النظر إلي الحرية علي أساس أنها ضمانة لحماية الحقوق وليس لإهدارها وأستلهم في ذلك تعبيرا استخدمه السيد الرئيس محمد حسني مبارك والذي قرأته في إحدي الصحف عند حديثه عن الديمقراطية حيث استخدم عبارة بليغة أجدها تتردد في أذني الآن «الحرية لا تعني الفوضي».