حين قرر الرئيس الراحل أنور السادات إجراء تعديل دستوري، تم بمقتضاه إنشاء مجلس الشوري، ظل هذا المجلس لسنوات طويلة، أقرب ما يكون إلي المجالس القومية المتخصصة، يهتم بدراسة ملفات معينة، ويعد عنها دراسات تكتسب أهمية فائقة، لأنه يجري إعدادها بشكل علمي أكاديمي، إضافة إلي وضوح الرؤي السياسية بها. ولم يفلح انتخاب ثلثي أعضاء هذا المجلس في منحه صفة نيابية فاعلة، حتي دعا الرئيس مبارك لتعديل دستوري تم بمقتضاه زيادة صلاحيات المجلس التشريعية والرقابية، وأصبح له دور مهم في تحديد من يترشح لرئاسة الجمهورية من المستقلين. ومع ذلك تظل الدوائر الكبيرة لمجلس الشوري عائقا كبيرا أمام التنوع السياسي والنيابي داخل هذا المجلس، رغم أن نائبين من حزب التجمع في القاهرة والإسكندرية استطاعا الوصول إليه عبر الانتخابات وهو أمر لم تستطعه الأحزاب السياسية غير الوطني، لأن الدائرة الكبيرة تحتاج قواعد واسعة ممتدة، وإنفاقاً مالياً ضخماً. وأعتقد أننا إذا كنا جادين فعلا في تخطي هذا الحاجز الجغرافي الكبير في انتخابات الشوري، فعلينا اللجوء إلي تعديل دستوري جديد، بحيث تجري جميع الانتخابات العامة في مصر في وقت واحد، كما يجري في أمريكا أو كما حدث في السودان مؤخرا. ومن يراجع الأجندة الانتخابية خلال السنوات العشر القادمة سيلاحظ مثلا أن مجلس الشوري يشهد انتخابات في 2010 و2016 وانتخابات تجديد نصفي في 2013 و2019بينما تجري انتخابات مجلس الشعب 2010 و2015 و2020 وتشهد مصر انتخابات رئاسية 2011 و2016 أي اننا سنشهد خلال عشرة اعوام تسعة انتخابات في الشعب والشوري والرئاسة غير انتخابات المجالس المحلية. وأعتقد أن هذا العدد الكبير من الانتخابات أولا مرهق للناخبين، وثانيا لا تقدر عليه الأحزاب بإمكانياتها المحدودة، لذلك تبدو ظاهرة المستقلين واضحة ومستقرة لأنهم يملكون أموالا ويتحركون بشكل فردي، مما يؤثر علي قدرة الأحزاب علي الفوز بالمقاعد النيابية والتواجد الفاعل في الشارع. لكن لو تم تعديل الدستور وجعل مدد المجالس النيابية والرئاسة متساوية، فهذا يعني أننا سنشهد كل خمس سنوات انتخابات مجمعة تشهد تغييرا كاملا لأعضاء مجلسي الشعب والشوري وانتخابات رئاسية، وإذا كان التجديد النصفي للشوري مطلوبا فيمكن إجراء هذه الانتخابات كل عامين ونصف العام. هذا مجرد اقتراح قد يكون من الملائم مناقشته لأنه من غير المعقول أن نشهد انتخابات كل عام، تجهد الناس، بينما لو جرت جميعها في وقت واحد يمكن للأحزاب السياسية أن تنافس بقوة في جميع الانتخابات العامة، وعندها لن نتحدث عن مشكلة الدوائر الكبيرة.