◄◄ الشريف استطاع تفعيل صلاحيات المجلس بطلبات الإحاطة والبيانات العاجلة وانتقادات الحكومة والموافقة على إصدار الصحف فى حوار سابق لى مع النائب البرلمانى حمدين صباحى سألته عن رأيه فى عدد من أقطاب الحزب الوطنى الذين تعامل معهم، فقال عن صفوت الشريف: «محاور من طراز رفيع وأعتبره أكثر الأدمغة السياسية فى النظام، وسياسى حقيقى». حين يأتى هذا الرأى من شخصية معارضة بوزن حمدين صباحى، فهذا يعنى أننا أمام رجل يصدق عليه قول الإعلامى البارز حمدى قنديل: «صفوت الشريف هو آخر البنائين العظام فى وزارة الإعلام»، وحين نعاود النظر إلى مجلس الشورى الذى يترأسه صفوت الشريف منذ عام 2005، وننظر إلى مراحل تطور أداء المجلس منذ نشأته عام 1979، سنكتشف أن هذا المجلس كانت له أحوال، ثم أصبحت له أحوال أخرى منذ أن تولى رئاسته صفوت الشريف. تمحورت النظرة العامة لمجلس الشورى منذ نشأته عام 1979، حول أنه أقرب إلى المنتدى العام الذى تدور فيه المناقشات الفكرية دون صخب، وبالتالى لم يرتقِ فى نظر الرأى العام إلى مرتبة مجلس الشعب الذى يملك القدرة على محاسبة الحكومة إلى حد إقالتها، ولأن عضوية مجلس الشعب تضم دائماً أطيافا مختلفة من المعارضة، فمن الطبيعى أن نجد فيه مناقشات برلمانية ساخنة تستطيع اجتذاب الرأى العام، وفى المقابل كان الهدوء العميق يخيم على مناقشات الشورى، مما يبعث على ملل المتابعة، فهل كان ذلك مرجعه إلى بنية المجلس نفسه، أم إلى طبيعة الشخصيات التى تولت قيادته؟ فى يوم 19 أبريل عام 1979، تأسس مجلس الشورى بعد إجراء استفتاء شعبى، وجاءت هذه الخطوة من الرئيس الراحل أنور السادات، كنوع من المحاكاة للنظام الديمقراطى الأمريكى الذى يوجد فيه مجلسان، هما الكونجرس والشيوخ. واكتمل كيان المجلس بالتعديل الذى أجرى على الدستور المصرى وطرح للاستفتاء فى يوم 22 مايو عام 1980، وبمقتضى قرار التأسيس ثم التعديل أصبح المجلس يتكون من 264 عضواً ينتخب ثلثاهم بالاقتراع المباشر السرى، ويكون نصفهم من العمال والفلاحين، ويعين رئيس الجمهورية الثلث الباقى. وحدد الدستور اختصاصات مجلس الشورى فى أنه يختص بدراسة واقتراح ما يراه كفيلاً بالحفاظ على دعم الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى، وحماية المقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتجب موافقة المجلس على الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، كما تعد موافقة مجلس الشورى شرطا لسريان معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة، أو التى تتعلق بحقوق السيادة، وطبقاً للمادة 195 من الدستور يؤخذ رأى مجلس الشورى فى مشروعات الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومشروعات القوانين التى يحيلها إليه رئيس الجمهورية، وما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها فى الشؤون العربية أو الخارجية، ويبلغ المجلس رأيه فى هذه الأمور إلى رئيس الجمهورية ومجلس الشعب. لمجلس الشورى اختصاصات فى إطار أعمال الرقابة البرلمانية، وتتمثل فى طلبات المناقشة والاقتراح، حيث يجوز ل20 عضوا طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة الوزارة بشأنه، أو إبداء رغبات فى موضوعات عامة. بالإضافة إلى الاختصاصات السابقة، يتبع مجلس الشورى لجنة شؤون الأحزاب، وهى اللجنة التى تعطى الموافقة على تأسيس أحزاب جديدة، كما يتبعه المجلس الأعلى لحقوق الإنسان، والمجلس الأعلى للصحافة، وطبقا لذلك فإن مجلس الشورى يمارس حقوق الملكية على الصحف القومية، ويختار المجلس 20 عضواً من الكتاب والمهتمين بشؤون الفكر والثقافة والصحافة والإعلام ليكونوا أعضاء الجمعية العمومية للمؤسسة الصحفية القومية، ويختار مجلس الشورى رئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية القومية، كما يختار ستة أعضاء لعضوية مجلس الإدارة، ويختار مجلس الشورى رؤساء تحرير الصحف القومية. اختصاصات مجلس الشورى كما هو موضح ليست قليلة، لكن يمكن القول إنه ولسنوات طويلة بدا كأنه مجلس للنخبة، بحكم طبيعة مناقشاته، وبحكم نوعية أعضائه الذين لا يرتبطون عادة بناخبهم فى الدائرة من زاوية متابعة مصالحه اليومية الحياتية، كما يفعل نائب البرلمان الذى إن أراد النجاح فى عمله وضمان الاستمرار فى مقعده، فعليه أن يكون تحت جلد الناخب، بمعنى التواجد معه فى كل الأوقات. ومما زاد من الاعتقاد بأن مجلس الشورى بعيد عن المصالح اليومية للجماهير، نوعية النواب الذين يتم تعيينهم، حيث يكونون عادة من المفكرين والصحفيين وأساتذة جامعات والمتخصصين فى مجالات علمية، وعرف المجلس من هذه النوعية نوابا تم تعيينهم، مثل الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب، والفنانة أمينة رزق، والفنان محمود المليجى، والأديب توفيق الحكيم، والفنانة مديحة يسرى، والكاتب الصحفى أنيس منصور، بالإضافة إلى تعاقب رؤساء تحرير الصحف القومية على عضوية المجلس، وقد يقفز إلى الأذهان أن وجود مثل هذه الشخصيات فى عضوية المجلس كفيلة بأن تعطيها زخماً فى المناقشات، لكن أغلب الظن أن هذا لم يكن كافياً، فشخصية رئيس المجلس تظل هى الفيصل فى ذلك. رؤساء سابقون وإذا تتبعنا رؤساء المجلس منذ نشأته وحتى الآن، فسنصل حتما إلى أن شخصية كل رئيس كانت هى التى تعطى شخصية المجلس، فمن أول نوفمبر عام 1980 إلى 10 نوفمبر عام 1986، تولى رئاسته الدكتور محمد صبحى عبدالحكيم، وكان المجلس يعيش فى خانة الدفاع عن معنى وجوده من الأصل، حيث كان هناك مجال واسع من التشكيك فى أنه قيمة مضافة إلى الحياة الديمقراطية فى مصر، وقال منتقدوه إن الرئيس السادات أسسه ليجامل به من يريد أن يجاملهم من الشخصيات الذين لا يصيبهم الدور فى مجلس الشعب، بالإضافة إلى فنانين وإعلاميين يحب مجاملتهم، ورغم وفاة الرئيس السادات عام 1981 فإن النظرة الجماهيرية للشورى ظلت كما هى. كانت الرئاسة الثانية لمجلس الشورى من نصيب الدكتور على لطفى، الذى خرج من رئاسة الوزراء إلى منصب رئيس المجلس فى الفترة من 11 نوفمبر عام 1986 حتى 22 أبريل عام 1989، وظلت هذه الفترة محكومة بالمناقشات النمطية التى غلب عليها الطابع النظرى، وتسيد هذا الطابع فى فترة الرئاسة الثالثة للمجلس، وكانت للدكتور مصطفى كمال حلمى الذى كان وزيرا للتعليم مع الرئيس السادات، واستمرت فترة حلمى من 24 يونيو عام 1989 وحتى 23 يونيو عام 2004، وتعد الفترة الأطول منذ إنشاء المجلس، ومنذ 24 يونيو عام 2004 وحتى الآن يتولى صفوت الشريف رئاسة المجلس، ومعه أخذ المجلس منحى مختلفا، منحى يقوم على فهم سياسى لوظيفة المجلس، فهم يقوم على الحفاظ على الشرعية، وفى الوقت نفسه التواصل مع المعارضة بالموافقة على بعض ما تطالب به، والدليل على ذلك موافقة المجلس على تأسيس الصحف المستقلة التى تتقدم بها الشركات الخاصة، وكان ذلك صعبا إلى حد الاستحالة، كما تم تغيير رؤساء مجالس إدارات ورؤساء الصحف القومية، بعد سنوات ظلوا فيها فى مناصبهم رغم بلوغهم سن المعاش، وكان الصحفيون قد بلغ بهم اليأس مبلغه واعتقدوا أنه لن يتم تغيير قيادات صحفهم أبداً، كما أن المجلس قام بتفعيل كل اختصاصاته الموجودة لكنها كانت معطلة. مع رئاسة صفوت الشريف، بدأ نواب الشورى فى محاولة تعديل النظرة التقليدية من الرأى العام نحوهم، وهى أنهم لا يهتمون بالاشتباك مع الحكومة فى القضايا العامة، ولأجل ذلك قدم 55 عضوا فى المجلس طلبا إلى صفوت الشريف لمناقشة تعديل اللائحة الداخلية للمجلس، بحيث يتمكنون من تقديم بيانات عاجلة وطلبات إحاطة على غرار ما يقوم به نواب البرلمان، وقالوا فى مذكراتهم إنهم حين يمرون فى دوائرهم، يجدون قضايا عامة تستحق أن يتقدموا بطلبات إحاطة وبيانات عاجلة على غرار ما يقوم به نواب البرلمان. جاء هذا الطلب بعد التعديل الدستورى الذى أقر فى 26 مارس عام 2007، والذى أعطى للمجلس صلاحيات تشريعية، منها ضرورة موافقته على بعض التشريعات قبل إصدارها، وفى حال ثبوت حدوث خلاف مع مجلس الشعب يعرض الخلاف على لجنة مشتركة برئاسة رئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الشورى و7 أعضاء من المجلسين، وهى لجنة ال16، وإذا لم يحسم الخلاف يعرض على جلسة مشتركة للمجلسين. وفى العموم فإن العبرة ليست فى النصوص، وإنما فى القدرة على تفعيلها، وهذا بالضبط ما حدث بعد التعديل الدستورى المشار إليه، فعند إقرار تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية بشأن تنظيم إشراف القضاء على الانتخابات، عارض مجلس الشعب تعديلات مجلس الشورى على القانون، فتمت دعوة لجنة ال16، ووافقت على ما وصل إليه مجلس الشعب دون الحاجة إلى عقد جلسة مشتركة، وبصرف النظر عن الموافقة على أى مما وصل إليه المجلسان، فإن هذا الخلاف لم يحدث منذ إنشاء مجلس الشورى، وحمل دلالة أن المجلس يسعى إلى تطبيق الصلاحيات التى بحوزته، حتى لو دخل فى خلاف مع مجلس الشعب. كما شهد المجلس مناقشات ساخنة فى قضايا متنوعة، وسجلت هجوما على الحكومة منها مثلاً، اتهامه للحكومة بتدمير صناعة النسيج، وتوجيه اللعنات إلى سياسة الخصخصة التى أدت إلى تدمير هذه الصناعة، وشهد أيضا مناقشات ساخنة حول شركة طنطا للكتان، وامتناع صاحب الشركة وهو مستثمر سعودى عن صرف مرتبات العمال، وكذلك تأكيد صفوت الشريف، رئيس المجلس، أنه لا يمكن التفريط فى أرض الشركة سواء فى حال تصفيتها، أو توقف إنتاجها. وشهد المجلس أيضاً مناقشة طلب إحاطة حول ظاهرة البضائع المهربة والرديئة التى اجتاحت مصر فى السنوات الأخيرة، وأثرت بالسلب على الصناعة الوطنية خاصة صناعة الملابس الجاهزة، كما تقدم نواب فى المجلس بطلبات مناقشة حول سياسة الحكومة فى تنظيم «التوك التوك» كوسيلة مواصلات شعبية. وبعد الحلقة الشهيرة بين الإعلامى أحمد شوبير والمستشار مرتضى منصور والتى أذاعها برنامج «مصر النهاردة»، تقدم نواب فى الشورى بطلبات إحاطة حول الحلقة، وأحالها إلى لجنة الثقافة والإعلام. القضايا السابقة مجرد عينة تشمل قضايا كثيرة، أكدت أن «الشورى» لم يعد يجلس فى برج عاجى كما صوره البعض فى مراحله السابقة، وإنما قفز إلى القضايا الشعبية التى تهم الناس وترتبط بمصالحهم الحياتية المباشرة، ساعد على ذلك أيضاً وجود بعض النواب المعارضين، والتى تعطيهم رئاسة المجلس حرية التعبير فى الرأى، مما ساهم فى تسخين المناقشات التى تصل فى بعض الأحيان إلى انتقاد عام لسياسات الحكومة لا يتحدث عنها نواب المعارضة فقط، إنما نواب الحزب الوطنى أيضاً، ومن هذا المنطلق تكتسب معركته الانتخابية الحالية سخونة لم تشهدها انتخابات لهذا المجلس من قبل.